الاثنين 7 حزيران (يونيو) 2010

مجزرة الأسطول...كارثة متعددة الإخفاقات للكيان الصهيوني

الاثنين 7 حزيران (يونيو) 2010 par د. عدنان أبو عامر

لا تكاد تكفي مجلدات كاملة للحديث عن حجم الإخفاق الذي ارتكبته دولة الاحتلال، في عمليتها العسكرية بالسيطرة على قافلة السفن بالقوة المسلحة، وضبطت وهي متلبسة بالجرم المشهود، على مرأى ومسمع من قارات العالم الست.

التحليل التالي يركز الحديث عن أهم جوانب هذا الإخفاق من الوجهة الداخلية للصهاينة، وكأن قدرهم في السنوات الأخيرة أن ينتقلوا بسياساتهم الخرقاء من فشل إلى إخفاق إلى كارثة، وأن يرتبط اسم كيانهم بلجان “فينوغراد”، و“غولدستون” و“مرمرة”!

• تبادل الاتهامات

لعل الجزء الأهم في هذا الإخفاق، وهو ما لم تتناوله وسائل الإعلام بالقدر الكافي، ذلك المتعلق بتبادل الاتهامات بين المستويين السياسي والعسكري في الكيان الصهيوني، حول المسؤولية عن نتائج “مجزرة الأسطول”.

ففي حين رفض مكتب رئيس الاحتلال “بنيامين نتنياهو” ما ورد عن تحميله للمستوى العسكري ممثلاً بالجيش مسئولية الإخفاق في حادثة السفن، إلا أنه نقل عن عناصر الوفد المرافق لنتنياهو قوله أن الجيش لم يعرض عليه البدائل الأخرى، إلى جانب الاستيلاء على السفن في حال فشلت في تنفيذ الاستيلاء.

من جهته، وصف المحلل البارز “ران أدليست” العملية العسكرية التي وقعت بـ“الغباء المفرط”، وهي تعبر عن فشل ميداني، وقبل ذلك إخفاق سياسي ودبلوماسي، ورغم انه طالب بعدم رفع الحصار عن حماس، إلا أن هناك وسائل سياسية وإجراءات دبلوماسية كانت ستكفي الكيان عبء “الفضيحة” العالمية التي وقعت! واتهم “نتنياهو وباراك” بالتسبب في تشويه صورة الكيان في نظر الرأي العام العالمي، مطالباً في الوقت ذاته بإصلاح ما حصل من خلال إسقاط أو استقالة الرجلين معاً.

• أسئلة بدون إجابة

كما أن الشرائط المصورة التي تم تسريبها من داخل السفينة، تطرح العشرات من الأسئلة على قيادة الجيش وسلاح البحرية دون أن يكون أمامها إجابات مقنعة، ومنها:

- لماذا تأخر الجيش في بث الصور بعد مرور 12 ساعة على بدء العملية العسكرية، في ظل انتشار الرواية الفلسطينية والتركية، وتفاعل الرأي العام العالمي على أساسها؟

- كيف يمكن أن نصدق أن جنود البحرية المسلحين فقط بمسدسات شخصية قتلت وأصابت كل هذا العدد من ركاب السفينة؟ هنا يمكن الاعتقاد إما أن الجنود كانوا مسلحين بأسلحة أوتوماتيكية مطورة، أو أن الركاب تمكنوا من انتزاع الأسلحة الخفيفة من الجنود، والسؤال الكارثي هنا: كيف يمكن لنشطاء عزل انتزاع سلاح ناري من جنود نخبة النخبة في سلاح البحرية؟؟

- هل توقعت قيادة الجيش من الـ600 راكب على متن السفينة الذين حددوا هدفهم بالإساءة للكيان أن يستقبلون الجنود بالورود أو رفع الأعلام البيضاء؟ وكيف لم يستطع أي ضابط أو خبير في حروب الاستنزاف أن يتوقع أن يحصل معهم على متن السفينة، تماماً كما يحصل بعد ظهر كل يوم جمعة في قريتي نعلين وبلعين في الضفة الغربية؟

- لم يكن من المجدي إرسال جنود غير ملائمين لمثل هذه المهمة، التي كانت تلائم قوات حرس الحدود، لأن الكوماندو البحري مهمتهم تنحصر في إنزال لا يعقبه مواجهات دامية كالتي حصلت.

- هل كان من المعقول أن نرسل مجموعة قليلة العدد من الجنود للسيطرة على ما يزيد عن 600 راكب مستعد جيداً لمواجهتهم؟ بحيث تحولوا إلى رهائن بين أيديهم؟

- إلى ما قبل يوم 31/5 اعتبر الجيش الإسرائيلي من أفضل جيوش العالم من النواحي التقنية والالكترونية، لكنه بعد هذا التاريخ أثبت أنه الأفشل في هذا المجال، لأنه فعلياً أخفق في قطع التيار الكهربائي عن متن السفينة “مرمرة”، ولم يستطع وقف البث التلفزيوني والفضائي من على متنها!

• تنصل من المسئولية

قيادة المؤسسة العسكرية الصهيونية ممثلة بوزير الحرب “إيهود باراك” ورئيس هيئة الأركان “غابي أشكنازي” وقائد سلاح البحرية “أليعازر ماروم” عقدت مؤتمراً صحفياً حول تفاصيل العملية، مانحة كل الغطاء اللازم لجنود البحرية.

ومع ذلك، فقد نقلت بعض الأوساط السياسية أن الجيش كان عليه أن ينفذ العملية بالسرعة القصوى دون إراقة هذا القدر الكبير من الدماء، وعدم التسبب بالتشوه الإعلامي والسياسي للكيان، ووفقاً لما قدمته قيادة الجيش أمام المجلس الوزاري المصغر، فقد وعد الحكومة بأن تكون العملية سريعة، وبدون إصابات. لكن ما حصل، تضيف الأوساط، أن العملية الميدانية الفاشلة سبقها تقدير غير دقيق من قبل وزير الحرب، تلقاه من قائد البحرية!

وقبل انتهاء العملية العسكرية، واتضاح كل آثارها ونتائجها، بدأت تخرج من الأوساط السياسية والعسكرية تبادل اتهامات حول المسئولية الحقيقية للجهة التي أعطت الأوامر بالانقضاض على السفينة، والتسبب بالكارثة الإعلامية للكيان.

وسرب بعض أعضاء المجلس الوزاري السباعي أن قيادة الجيش قدمت تقدير موقف للمستوى السياسي، اتضح فيها أنه لن تكون هناك مقاومة عنيفة من قبل المتضامنين، وبناء على ذلك “منحنا الضوء الأخضر” لتنفيذ عملية هادئة!

أكثر من ذلك، فإن وزراء آخرين رفضوا تحميل الجيش المسئولية، وألقوا بها على رئيس الحكومة ووزير الحرب، في حين أن ذلك يعتبر الإخفاق الأكبر من نوعه في تاريخ رئيس هيئة أركان الجيش الصهيوني “غابي أشكنازي”.

في أوساط معتمة جداً، خرجت من أوساط الجيش اتهامات جادة وخطيرة لجهاز الاستخبارات العسكرية مفادها أن الأخير لم يقدم معلومات حقيقية و“محدثة” لطبيعة المتظاهرين، ونواياهم، مما أدى إلى الإخفاق الميداني للجنود.

• نماذج واعترافات

- المعلق الأمني في صحيفة “هآرتس”، يوسي ميلمان قال: “إسرائيل دخلت بعيون مفتوحة باتساع إلى الشرك، فقد كانت تعلم أن منظمي الحملة يريدون عرضها كدولة لا تتردد في استخدام القوة، لقد أرادوا قتلى ودماء وأعمدة دخان حرب، وهذا ما وفرته إسرائيل لهم...في الخلاصة كيفما نظرنا إلى سلوك حكومة”إسرائيل“والجيش يصعب أن نفهم إلى أي حد هي حمقاء ومأساوية، مرة تلو مرة تحاول”إسرائيل“إثبات أن ما لا يتحقق بالقوة يمكن أن يتحقق بمزيد من استخدام القوة، ومرة تلو مرة تفشل سياسة القوة”.

- عضو الكنيست من حزب العمل، “عينات ويلف” قال: إرسال جنود للسيطرة على السفن يعبر عن أن “إسرائيل” أصيبت بقلة فهم تام للحدث، إن هيئة السباعية فشلت في التفكير الجماعي وبقيت في جمود فكري بإصرارها على التعامل الأمني، ما كان ينبغي التعامل مع الرحلة بوسائل عسكرية، فهذه معركة إعلامية وثقافية كانت تنبغي معالجتها بوسائل إعلامية وتوضيحية.

- زعيمة المعارضة “تسيبي ليفني”: حاولت التمسك بصورة المدافع عن الكيان في لحظة عصيبة وانتقدت الإعلام الصهيوني حول العملية، وأشارت إلى أنها وهي تركض من محطة أجنبية إلى أخرى من أجل شرح الموقف الصهيوني، لم تجد أي ممثل “إسرائيلي” رسمي يخرج لأداء هذه المهمة.

- مسؤول عسكري خبير يقول: “حين تتلاشى السحابة سنكون في حاجة لإعادة بحث عمليات الجيش بعمق، من المحتمل أن نكون على ثقة بأن إجراءات التعامل مع مثل هذه الأحداث ستتغير تماما في المستقبل”.

- وزير التجارة والصناعة “بنيامين بن اليعازر” قال: ستكون فضيحة كبرى لا شك في ذلك، حاولنا قدر المستطاع سد الطريق، الكل سيحاكمنا، عندما تراق الدماء لا يمكنك تفسير أي شيء.

- مسئول كبير في الخارجية الصهيونية قال: التأثير لا يقل عن تقرير جولدستون أو الانتقادات حول “الرصاص المسكوب” ضد “إسرائيل”، إن ما نواجهه الآن على العديد من الجبهات، بدءاً من دول الغرب ومروراً بالدول العربية ووصولاً إلى الفلسطينيين أنفسهم، ومن غير المستبعد أن تلقي هذه العملية بظلالها أيضا على محادثات التقارب مع الفلسطينيين.

- المتحدث باسم وزارة الحرب، “شلومو درور”: إننا متأكدون من شيء واحد وهو أننا سنخسر الحرب في كل الأحوال في الإعلام، فلا يهم ما نقوم به، فإذا سمحنا لأسطول الحرية بدخول غزة فسيتحدثون ضد إسرائيل، وإذا منعناهم فستكون الصورة سيئة أيضاً.

أخيراً..يبدو من المبكر الحديث عن التبعات بعيدة المدى لمجزرة الأسطول، داخل الكيان الصهيوني، في ضوء التفاعلات الآخذة في التزايد رويداً رويداً، لكن الأهم فيما سبق أن لهذه القوة العسكرية الأضخم في المنطقة نقاط ضعف، تلقت فيها ضربات قاتلة في الصميم..فهل من معتبر؟



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 16 / 2165358

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

17 من الزوار الآن

2165358 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 16


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010