الأحد 25 آذار (مارس) 2012

عودة الى مالا بد لنا من قوله

الأحد 25 آذار (مارس) 2012 par عبداللطيف مهنا

في مقال سابق قلت إن مشكلة المشاكل في نضالات الشعب الفلسطيني وعلى مدى ناف على القرن كانت تكمن في قياداته. وردني لاحقاً أن ما كان مني قد أثار استياءً لدى البعض واستحساناً لدى آخرين كأنما هم غير معنيين به أو هو لا يشملهم. قلت في حينه إن التاريخ ربما لم يعرف شعباً قد ضحى ويضحي وسيظل يضحي بكل ما لديه من غالٍ ورخيص من أجل قضيته العادلة مثلما كان ديدن هذا الشعب العنيد المناضل على مدار ما زاد على القرن من عقود الصراع العربي الصهيوني.

لكنما قياداته، ومن أسف، لم ترتق يوماً إلى مستوى أسطورية نضاله... ومن ثم كان لابد لي من انتقال إلى الكل، فقلت إن الأمة، وعنيت الشعب العربي مستثنياً غالب أنظمته، رغم قسوة وفداحة تغييبها القسري المديد، لم تبخل على مدار الصراع ولا هي ستبخل ببذل كل ما سمحت وستسمح لها به أحوالها دعماً ومعاضدةً لنضال شعبها الفلسطيني. وقفت من ورائه وامتزجت دماء أبناء أقطارها البعيدة والقريبة بالدم الفلسطيني على تراب هذا الجزء السليب منها، لإدراكها بحسها العفوي أن فلسطينها كانت وستظل قضيتها المركزية واستعادتها عبر تحريرها هو وحده بوصلة مستقبلها. بيد أن مشكلة الأمة بدورها كانت في أنظمتها القطرية التي فشلت في غالبها فشلاً مشهوداً في كل يبرر وجودها... الانفكاك من التبعية. صون الكرامة الوطنية. الحفاظ على السيادة الوطنية. تحقيق حلم الوحدة. بسط الديمقراطية. العدالة الاجتماعية. توفير الرغيف لجوعى تتوالى الزيادات المطردة في طول طوابيرهم... وصولاً إلى إضاعة فلسطين الأمة، بل حتى تفشي عدم المناعة من هبوطٍ لدرك التواطؤ في استدامة ضياعها.

وقد ينسحب ما تقدم على النخب التي لم ترتفع بدورها إلى مستوى هموم وعذابات وانكسارات الأمة، هذا إذا لم نقل مستوى سمو آمالها وأحلامها ونبل نضالاتها وتضحياتها ومشروعية تطلعاتها. كل هذا في حين أنها تظل الأمة المتفردة بين الأمم بكونها كانت دائما مدرسة شهادة وهي تدفع ضريبة أتواقها للانعتاق وإيبائها للضيم ومقاومتها للغزاة.

ما قلته ربما قاله سواي من قبلي وسوف يقال من بعدي، بل لا أشك أنه لسان حال الشعب الفلسطيني وبعض ما يعتمل في وجدان بسطاء الأمة، وأحسب أن الراهن يدفعني إلى تكراره، وأن أضيف له، لو كانت الموسوعة المعروفة بـ«جينس» تعنى بنضالات الشعوب وتضحيات الأمم أو تهمها مثل هذه الأمور، وهي ليست كذلك ولن تكون، لكان الشعب العربي الفلسطيني هو ضيفها الدائم المتربع في صدارة المسطر من أرقامها القياسية لجهة تضحياته في سبيل قضيته الوطنية. ولكانت الأمة العربية عبر تاريخها قد حظيت بكونها صاحبة الرقم القياسي فيها من حيث مواجهاتها للمحن وتصديها لتكالب الطامعين ومجالدتها لهم، وكأنما قدرها الأبدي، لتاريخها وجغرافيتها ودورها ورسالتها، قد جبل بالانتصارات والانكسارات والنهوض إثر الكبوات... واقع الحال الفلسطيني والراهن العربي يزكى ما كنت قد ذهبت إليه ويبرهن عليه ويلِّح على وجوب قوله. من ذلك إن آخر قرارات التهويد الجاري للبقايا المتبقية من فلسطين، والذي يتم تحت أنف السلطة الأوسلوية وبصرها وبشهادتها ومرأى ومسمع عرب الأنظمة، وبعد الفروغ من تهويد القدس جغرافياً ومواصلته ديموجرافياً والالتفات إلى النتف التي لم تهوَّد من حولها وعلى أطرافها بعد، كان قرار هدم مطار قلنديا وتحويله إلى مدينة صناعية، والأمر ذاته ينتظر مزق وكانتونات التجمعات البشرية الفلسطينية في بقايا الضفة المقطَّعة، وقد لا يكون ببعيد ذاك اليوم الذي يقرر المحتلون فيه هدم المقاطعة في رام وتحويلها، مثلاً، الى مدينة ملاهي ... رغم ذلك ليس هناك ما يجعلنا نتذكّر أنه على مقربةٍ من قلنديا توجد ما يطلق عليها «سلطة» قد يتردد فيها نفس أوهى تسمع أزيز جرافات التهويد تضيّق الخناق من حولها قاضمةً أطرافها، ذلك بعد أن نسينا أنه في عهد قريب كانت قد ملئت هذه الصامتة الدنيا ضجيجاً حول نيتها الذهاب للأمم المتحدة لانتزاع اعتراف بدولتها، ثم لم يلبث ضجيجها وأن سحب من التداول ليحل محله آخر لاقى ذات المصير ألا وهو الملازم لآخر حلقة في مسلسل كرنفالات المصالحات التي غدت دورية دونما مصالحةٍ وتسفر قعقعتها عادةً بلا طحنٍ.

أما في الراهن العربي فالقوم مشغولون بربيعهم الذي كان واعداً قبل أن يسارع الخارج فيحوله بعونٍ من أعوانه وامتداداته في الداخل وتسهيل من قبل تهالك مستجدي السلطة خريفاً... مشغولون عما تكابده القدس وما تلاقيه غزة، التي تعيش المذبحة تلو المذبحة والوساطة تلو الوساطة والتهدئة تلو التهدئة وتنام لياليها في إظلام دامس وتصحو في أيامها على مسغبةٍ، وبعضه بفضل من إضافة حصار الأشقاء إلى حصار الأعداء... مشغولون بمتابعة المبارزة الروسية الأميركية آخذين على الروس اختطاف عروبتهم منهم حين يجهدون بدلاً عنهم وعلى الرغم منهم لمنع تكرار ما فعله الغرب بمظلة منهم في ليبيا مرةً أخرى في سوريا!

إذن ما الذي يحول بين ضمائرنا والبوح المستوجب بما لابد من قوله، سواء أغضب من يغضب أو استحسنه من يستثنى نفسه مما لا يستثنيه، لاسيما والحال الفلسطينية هي الحال، والعربية يحاصر خريفها المبكِّر ربيعها المفاجئ وينبئ راهنها، وفق القول المأثور، بصيف ضيعت اللبن... ما العمل؟؟!!

مرة أخرى، إن شعباً سجَّل سفراً من البطولات والتضحيات الأسطورية ويصمد في وجه أعتى هجمةٍ استعماريةٍ مدججةٍ بأفتك آلات الموت الغربية المتطورة وأضخمها سيظل القادر على ابتكار جديده النضالي واستنساب أشكاله المناسبة وتجاوز فاشلها، وأمة قدرها مواصلة القيامات وديدنها النهوض بعد الكبوات لن تستسلم لراهنها بعد أن دق في أعماقها ناقوس التغيير... راهنها مخاض لسان حاله يردد قول الكميت: أرى حلل الرماد وميض جمرٍ... وأفضل ما يمكن قوله فيه هو قول مالا بد من قوله!



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 44 / 2165350

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

20 من الزوار الآن

2165350 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 21


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010