الأحد 25 آذار (مارس) 2012

«إسرائيل» «الآن» و«هنا»

الأحد 25 آذار (مارس) 2012 par علي جرادات

ما انفكت تهديدات قادة «إسرائيل» العلنية بشن هجوم ضد إيران تثير جدلاً داخلياً غير مسبوق، حول لأول مرة مبدأ شن حرب «إسرائيلية» قبل وقوعها إلى قضية رأي عام. هذا مستجد لافت يستدعي استقصاء أسبابه ودلالاته، إن كان لجهة علاقته بموضوعه المباشر، (الحرب على إيران)، أو لجهة علاقته بما طرأ من تحولات نوعية داخل «إسرائيل» وفي محيطها.

أعتقد أن رئيس الوزراء «الإسرائيلي»، نتنياهو، ووزير دفاعه، باراك، ورئيس أركان جيشه، غانتس، فضلاً عمن يشاطرهم الرأي تجاه ضرورة شن هجوم عسكري ضد إيران، هم مَن قرروا خلق هذا المستجد، حيث تقصّدوا، (على غير العادة)، كشفَ نيتهم شن هذا الهجوم، مع علمهم المسبّق أنهم بذلك يدفعون إلى إثارة جدل داخلي غير مسبوق على مبدأ شن الحرب.

أما لماذا؟ ربما بدافع أنهم قد عقدوا العزم فعلاً على شن هذه الحرب، ويريدون تهيئة مواطنيهم لها، ولما ستجلبه لهم من مخاطر وخسائر، يعون كِبرها وجسامتها؟ أو بدافع أنهم يواجهون معارضة داخلية حقيقية، ويريدون استطلاع رأي مواطنيهم بشأنها؟ أو بدافع أنهم لا يريدون أصلاً وضع تهديداتهم موضع التنفيذ، وبالتالي فإنه لا ضرر في الكشف عنها أو في ما تثيره من جدل؟

لكل دافعٍ من الدوافع أعلاه ما يزكيه ويدحضه في آن، لكنها جميعاً تشي بأن ثمة داخل «إسرائيل» وفي محيطها تحولات نوعية، كثفها جزء عارف من نخبة «إسرائيل» الثقافية بالقول: «إسرائيل» «اليوم« هي ليست ذاتها «إسرائيل» «الأمس»، سواء لجهة أنه لم يعد بمقدور قادتها إبقاء جبهتهم الداخلية بمنأى عن مسرح حروبهم واعتداءاتهم، وما أكثرها، ولعل هذا أحد، وليس كل، أسباب تهّيبهم وتردّدهم وتأنّيهم قبل الإقدام على شن حرب واسعة وشاملة، خاصة ضد أطراف تمتلك قدرات صاروخية هائلة ونوعية، ما يعني أن قادة «إسرائيل» «اليوم» مازالوا يعيشون مخاوف بن غوريون، حيث قال: ««إسرائيل» لا تتحمل هزيمة واحدة»، ما جعل مبدأ «نقل المعركة إلى أرض العدو» استراتيجية «إسرائيلية» ثابتة، مع تناسي أن حركة التاريخ غير قابلة للحشر في «الآن» و«هنا»، وأن للقوة العسكرية، (مهما عَظُمَت)، حدودها وتبدلاتها.

أو لجهة أن قادة «إسرائيل» «اليوم» ليسوا قوة مثل أو محط ثقة لمواطنيهم، بعد أن صار من النادر أن تجد بينهم قائداً لا تحوم حوله شبهة الرشوة والارتشاء والفساد والإفساد واستغلال المنصب، بدءاً من رؤساء دولة ومجلس وزراء وأحزاب وكتل برلمانية، مروراً بوزراء دفاع ورؤساء هيئة أركان وألوية جيش وأجهزة أمنية، وصولاً إلى آخرين يتولون مناصب على هذا القدر أو ذاك من الأهمية.

أو لجهة علاقة السياسي بالمدني في المجتمع «الإسرائيلي»، حيث أدى انفلات سياسة السوق الحرة من عقالها إلى احتقانات مجتمعية متعددة الوجوه، تجلت في حدوث احتجاجات شعبية واسعة وغير مسبوقة، تهدد تماسك «إسرائيل» الداخلي كما شاء له مؤسسوها أن تكون، حيث توسدوا سياسة الحد الأدنى من العدالة الاجتماعية، لا تعبيراً عن قناعة أصيلة وراسخة بها كقيمة، بل، لاستعمالها أداة من أدوات تنفيذ مشروعهم الاستعماري الاستيطاني، متناسين أنهم ما داموا كذلك، فإن التاريخ لا بد أن يضع تماسك وليدهم المجتمعي، تقدم الأمر أم تأخر، في مواجهة تبعات «إن شعباً يضطهد شعباً آخر لا يمكن له نفسه أن يكون حراً».

على أية حال، هذا تشخيص مقتضب لحالة «إسرائيل» «اليوم»، ارتباطاً بما طرأ عليها وحولها من تحولات نوعية، وانعكاس كل ذلك في ما يدور داخلها من جدل حائر ومُحَير عن شن هجوم عسكري «إسرائيلي» على إيران، ما يحيل إلى أن «إسرائيل»، (ككل المستعمرين)، هي بالأفراد أشبه عندما تُواجِهُ تحديات استراتيجية فعلية ينكشف طابق المُضخم في قوتها، نظاماً وبرنامجاً وقيادة، ذلك ليس فقط بسبب أن «إسرائيل» «اليوم» هي ليست ذاتها «إسرائيل» «الأمس»، بل أيضاً بسبب أن ثمة نسبة من قوة «إسرائيل» «الأمس»، قد تأتت لها، (بالنتيجة غير المباشرة)، بسبب عدم جدية كثيرين ممن تصدوا لعدوانيتها، وأن نسبة من قوة «إسرائيل» «الأمس» و«اليوم» خارجية، قدمها لها، ولا يزال، (بسخاء وشمولية)، حلفاء «غربيون»، هم، وإن كانوا ليسوا أي حلفاء، إلا أن قبضة سيطرتهم المنفردة على العالم بعامة، وعلى المنطقة بخاصة، آخذة بالتراخي، مع ما يجلبه ذلك من تأثير سلبي، (نسبي طبعاً)، في قوة «إسرائيل» وقدرتها على شن الحروب.

لكن ما تقدم لا يعني، ويجب ألا يعني، انتفاء أن ثمة في سماء منطقة «الشرق الأوسط» خطراً محتملاً ينذر بتهديد أمنها واستقرارها ومستقبل دولها وشعوبها، وأولها الدول العربية وشعوبها، والخليجية منها بخاصة، إذ صحيح أن التشخيص أعلاه يدعم أن تنفيذ قادة «إسرائيل» لتهديداتهم ما زال مجرد احتمال، لكن خشية وقوعه تبقى قائمة ومشروعة، مادامت الولايات المتحدة تترك، (وإن بتردد)، باب حدوثه مفتوحاً على احتمال أن تنفذه «إسرائيل»، بدعم من الولايات المتحدة، أو بالاشتراك معها، أو أن تنفذه الولايات المتحدة، بدعمٍ مِن، أو بالاشتراك مع، حلفائها، بما يذكر بالمخاوف التي خيمت على المنطقة أثناء فترة تهديد الولايات المتحدة بشن الحرب على العراق، وشنتها بذريعة أسلحة الدمار الشامل، رغم علمها أنها غير موجودة، وهي الذريعة ذاتها التي تُستعمَل اليوم لقرع طبول الحرب على إيران، بدعوى أن ثمة «تهديداً وشيكاً»، يكاد يغشى المنطقة والعالم بعامة، ووجود «إسرائيل» بخاصة، وكأن «إسرائيل» هذه ليست المالك الوحيد في المنطقة للسلاح النووي ولسجلٍ حافل من الحروب والاعتداءات، بدعم الولايات المتحدة ورعايتها وحمايتها من عقوبات تستحقها بسبب انتهاكها لميثاق الأمم المتحدة، (أساس القانون الدولي)، ليس لمرة، بل، لعشرات المرات، ما يعني أن الخطر على المنطقة ما زال قائماً ومحتملاً، لأنه لا يتعلق بـ «إسرائيل» وتهديدات قادتها فقط، بل أيضاً وأولاً وأساساً بموقف راعيها، الولايات المتحدة، التي احتلت العراق بذريعة أسلحة دمار شامل كانت تعلم أنها غير موجودة، للتغطية على أهداف تعزيز سيطرتها ونفوذها وحماية تفوق «إسرائيل» في المنطقة.

فهل الولايات المتحدة بصدد تكرار التجربة ضد إيران بسيناريو آخر؟ هنا يكمن مربط فرس إن كانت ستشن الحرب على إيران أم لا.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 19 / 2165557

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

33 من الزوار الآن

2165557 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 33


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010