الاثنين 12 آذار (مارس) 2012

فرنسا وثوبها الاستعماري

الاثنين 12 آذار (مارس) 2012 par أمجد عرار

بين الحين والآخر، تتصاعد في الجزائر أصوات تطالب فرنسا بالاعتذار عن استعمارها للبلاد مئة واثنين وثلاثين عاماً من الزمن الدامي وتركت بعدها جرحاً غائراً لا يمكن التئامه، جرحه قوامه استشهاد أكثر من مليون إنسان كل واحد منهم قصّة تروى للأجيال. صحيح أن الاستعمار الفرنسي لم يقتصر على الجزائر، بل طال دولاً أخرى مثل المغرب وتونس وجيبوتي وسوريا ولبنان، لكنه كان في الجزائر الأطول والأكثر شراسة ودموية. ومنذ انتهاء هذا الاستعمار في الخامس من يونيو/حزيران 1962 تصعد حيناً وتخبو حيناً أصوات جزائرية تطالب بالاعتذار، لكن الحاجة إلى هذا الاعتذار لم تنتف في أي وقت.

المسؤولون الفرنسيون على اختلاف ألوانهم السياسية يتهربون من هذه الكلمة التي قد تجر عليهم ما بعدها، ولكن بعضهم يستخدم كلمة «الندم» في مواجهة مطالب محتملة من فرنسا بالاعتراف بجرائمها في الحقبة الاستعمارية، لكن بعضهم الآخر يرفض حتى كلمة «الندم»، وفي آخر نماذج هذا التهرب خرج نيكولا ساركوزي قبل خمسة أيام في تصريحات لصحيفة «لوماتن بنيس» ليتحدّث عن «فظاعات من الجانبين» في الجزائر لكنه لم يعتذر عنها، بل قال إنه يجب أن تكون موضع إدانة لكن فرنسا لا يمكنها ان تعبر عن الندم.

وقبل يومين رد وزير الدولة الجزائري ورئيس جبهة التحرير الوطني عبد العزيز بلخادم على ساركوزي بالقول إنه سيأتي يوم «تعتذر فيه فرنسا» عما اقترفته في الجزائر، ولا نعرف ما هي مواصفات ذلك اليوم، وما هي ظروفه وشروطه القادرة على فرض الاعتذار، طالما لا تجد فرنسا ما، أو من يفرض عليها هذا الاعتذار عما اقترفته في الجزائر وما يترتب عليه.

قبل ثلاث سنوات قال مسؤول فرنسي مقرّب من ساركوزي إن فرنسا وضعت خطاً أحمر سيترتب على تجاوزه خسارة فرنسا 130 سنة من عمرها. الأغرب من رفض الاعتذار أنه يربطه باعتذار مقابل من جانب الجزائر، أي اعتذار من الجانبين، بدعوى أن فرنسيين قُتلوا أيضاً على أيدي الجزائريين، قبل أن يتساءل إن كان هناك بلد اسمه الجزائر قبل 1830، ثم يرفض أن يكون تعويض إيطاليا لليبيا على استعمارها لها نموذجاً يمكن الاحتذاء به في الحالة الفرنسية إزاء الجزائر.

وزير الدفاع الفرنسي السابق جون بيار شوفانمان لم يبتعد كثيراً عن موقف المسؤول المقرب من ساركوزي، فهو وإن أبدى انتقاداً لموقف وزير الداخلية كلود غيون حول «الحضارات غير المتساوية»، إلا أنه يرى أن اعتذار فرنسا عن جرائمها ضد الجزائريين، ينبغي أن يتم عبر تحكيم الضمير المشترك بين فرنسا والجزائر، وأن على كلا الدولتين الاعتراف بأخطائها من أجل التأسيس لمستقبل مشترك. رفض الاعتذار يعني أن فرنسا أقرب لوزير داخليتها صاحب نظرية «الحضارات غير المتكافئة» في نظرتها لمستعمراتها السابقة ومستعمرات شقيقاتها من الدول الاستعمارية، وهي نظرة قائمة على الاستعلاء.

خلاصة القول، إن رفض فرنسا الاعتذار عن استعمارها للجزائر وغيرها، يعني أنها لا تريد التنكّر لماضيها الاستعماري، ومن يرفض الاعتذار عن خطأ ارتكبه يعني أنه لا يرفض ما قام به، وأنه لا يريد أن يوحي بأنه قد لا يكرر سياسته في زمن ما ومكان ما، بل إنه قد يكون يعتبر في قرارة نفسه أن مواقفه وسلوكه شكل آخر للسياسات الاستعمارية إياها.

ليس مستبعداً أن يحل يوم الاعتذار الفرنسي، لكن المؤكد أن هذا الاعتذار لن يأتي صحوة ضمير، بل على طريقة أحمد شوقي القائل :

دم الثوار تعرفه فرنسا *** وتعلم أنه نور وحق



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 13 / 2165452

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

17 من الزوار الآن

2165452 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 17


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010