الأحد 11 آذار (مارس) 2012

هل بالمستطاع تهميش القضية الفلسطينية؟

الأحد 11 آذار (مارس) 2012 par عوني فرسخ

ما يبديه شباب الربيع العربي من اهتمام بالديمقراطية والقضايا المطلبية بأكثر من اهتمامهم بالشؤون القومية، وما أبدته جماعات الإسلام السياسي الصاعدة إلى الحكم، والمصرية منها خاصة، من التزام باحترام اتفاقية كامب ديفيد، أثارا قلق الذين رأوا في الأمرين مؤشرات تهميش القضية الفلسطينية والإسهام في الطموح الأمريكي إلى تصفيتها، وهو قلق يستدعي التساؤلات الآتية :

هل صحيح أن أغلبية العرب لم تعد مهتمة بالقضية الفلسطينية، أم أنها لا يمكنها ذلك، لأن ما يجري على أرض فلسطين إنما هو محور الصراع العربي الصهيوني؟ وهل ثمة تناقض بين العمل للتقدم على طريق الديمقراطية وبين الالتزام بنصرة فلسطين، أو أن توافر الديمقراطية يفسح المجال لحراك أكبر لمقاومة التطبيع ونصرة قوى الممانعة والمقاومة؟ وهل الطموح الأمريكي إلى تصفية القضية الفلسطينية واقعي، أو أنه أمنية رغائبية داعبت خيال سائر الرؤساء الأمريكيين منذ أقر ويلسون وعد بلفور قبل إصداره سنة 1917؟

وفي الإجابة أذكّر بداية أنه لم يكن للشعب العربي الفلسطيني يوماً قضية خاصة بمعزل عن محيطه القومي، وإذا كانت إقامة الاستعمار الاستيطاني العنصري الصهيوني على ترابه الوطني استهدفت بالمقام الأول وجوده الطبيعي في أرض آبائه وأجداده، وحقه في تقرير المصير والتمتع ببقية حقوقه المشروعة في القانون الدولي وشرعة حقوق الإنسان، فإن غاية القوى الاستعمارية منشئة المشروع الصهيوني من رعايتها التجمع الاستيطاني ماضياً وحاضراً، تمكينه من أن يكون أداتها الفاعلة في كبح فعالية مصر القومية التاريخية، ومنع الوحدة العربية، كي يتواصل استغلالها الوطن العربي موقعاً وموارد وأسواقاً وقدرات بشرية.

كان الصراع على فلسطين، ولايزال، بين شعب فلسطين وأمته العربية، وبين الحركة الصهيونية ورعاتها على جانبي الأطلسي الذين وفروا لها الدعم والحماية منذ أن كانت مرفوضة من أغلبية يهود العالم، ولما يزالوا يواصلون دعمها بعد أن مكنوها من إقامة دولة بالغة القوة العسكرية والإمكانات الاقتصادية والقدرات العلمية والتكنولوجية. كي توفر لمستوطنيها مستوى عالياً من المعيشة يكفل استمرارهم مسخرين في خدمة الغاية الاستعمارية المستهدفة من إقامتها.

وقضية شعب فلسطين، المتمثلة بالتحرير والعودة، فإنها وفق هذا المفهوم ليست قضية الشعب العربي الفلسطيني حصراً، ولا هي قضية كل فلسطيني كونه ينتسب إلى أرض فلسطين، وإنما هي قضية كل عربي مؤمن بأن التحدي المتمثل بالوجود الصهيوني على أرض فلسطين المحتلة من النهر إلى البحر، إنما هو تحد يستدعي استجابة قومية عامة، وبقدر ما يقدمه الواحد من هؤلاء، يكون هو منتمياً إلى فلسطين القضية. وعليه فالشاب المصري الذي تسلق المبنى الذي تقع فيه سفارة العدو في القاهرة وأنزل علمها هو فلسطيني الانتماء، وإن لم يكن فلسطيني الهوية، وهو باليقين أكثر فلسطينية وأصدق التزاماً بالثوابت الوطنية الفلسطينية من الذين ينسقون أمنياً مع جهاز «الشاباك» «الإسرائيلي» في الضفة الغربية المحتلة. وكذلك هو حال كل مساهم في لجان مقاومة التطبيع والعنصرية الصهيونية في كل قطر عربي، الذين تعتز فلسطين بانتمائهم إلى قضيتها.

ولقد انقضى عشرون عاماً على بداية ما يسمى «عملية السلام». وليس في الأفق المنظور ما يدعو إلى الظنّ بإمكانية قيام دولة فلسطينية كاملة السيادة وقابلة للحياة ضمن حدود الرابع من يونيو/ حزيران 1967، وهو الحد الأدنى لما يمكن قبوله فلسطينياً في الزمن الراهن. ما فيه الدلالة القاطعة على فشل المفاوضات واعتماد «السلام» خياراً استراتيجياً. ذلك أن الأمة العربية في مواجهة استعمار استيطاني عنصري. والثابت تاريخياً أن الصراع الذي يفجره الاستعمار الاستيطاني لم يُحَلّ حيث وقع سلمياً بتنازلات متبادلة، وإنما هو معركة «صفرية». ولم يكن تفوق الغزاة بالإمكانات المادية، والقدرات البشرية، وما يمتلكونه من سلاح متقدم، هو الحاسم في كل الصراعات، وإنما هو قدرة، أو عجز، أصحاب الأرض الشرعيين عن تقديم الاستجابة الفاعلة للتحدي الذي يواجهونه.

وحين تُقرأ في العمق مستجدات ومتغيرات الصراع العربي الصهيوني خلال السنوات التالية للصدام الأول مع الصهاينة سنة 1886، بتصدي فلاحي الخضيرة لمستوطني «بتاح تكفاه» دفاعاً عن حقهم في أرضهم، يتضح أن الزمن لم يسر لمصلحة المشروع الصهيوني برغم كل ما حققه من إنجازات، وما لحق بالوطن العربي من تخريب استعماري مبرمج. ويكفي التذكير بفشل تحقيق تطبيع مع الصهاينة على المستوى الشعبي، أو في حمل الصهاينة على الإقرار بأي حق عربي مشروع، برغم اتفاقيات كامب ديفيد وأوسلو ووادي عربة، وتوالي مشاركة ممثلي معظم الأنظمة العربية إلى جانب ممثلي «إسرائيل» في المؤتمرات الإقليمية.

وبالمقابل حققت إرادة الممانعة والمقاومة إنجازات تنطوي على مؤشرات واعدة، إذ أسقطت أساطير التفوق الصهيوني المُدّعى بها، وطموحات التوسع خارج حدود فلسطين المحتلة، بل وفرضت على الصهاينة إقامة الجدار العنصري في عمق الضفة الغربية، وهم في سبيل إقامة جدارين آخرين على حدود مصر ولبنان، ما فيه الدلالة على أن ذراع «إسرائيل» لم تعد طائلة، وأنها فقدت قوة ردعها. فضلاً عن أثرها في تفاقم حدة تناقضات التجمع الاستيطاني الصهيوني، وتزايد انكشاف طبيعته العنصرية، وانحسار تأييده المتوالي لدى الرأي العام الأوروبي والأمريكي نصيره التاريخي . وأليس في تأكيد الرئيس أوباما في خطابه الأخير التزامه بأمن «إسرائيل»، مؤشراً آخر إلى أن «إسرائيل» لم تعد رصيداً استراتيجياً لرعاتها بقدر ما باتت عبئاً تاريخياً عليهم؟

صحيح أن شباب الربيع العربي أولوا الديمقراطية والمطالب المعاشية جل اهتمامهم، ولكن علم فلسطين لم يغب عن أي من ساحاتهم. وصحيح كذلك أن جماعات الإسلام السياسي الصاعدة للحكم لم تحدث تغييراً في السياسات التي كانت معتمدة تجاه الكيان، إلا أن مشاركتها في الانتصار للقدس مؤخراً الذي عم الوطن العربي، يدل دلالة قاطعة على أنه من المستحيل يقيناً تهميش قضية أو تصفيتها، ولها في عقل ووجدان شعوب أمتها مثل الذي للقضية الفلسطينية.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 17 / 2165856

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

13 من الزوار الآن

2165856 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 12


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010