الأربعاء 7 آذار (مارس) 2012

لا بد من كسر الضباب...

الأربعاء 7 آذار (مارس) 2012 par رئيس التحرير

الذين وصّفوا مرحلة من أخطر المراحل التاريخية بحق القضية الفلسطينية تحديداً والمصير العربي المشترك بأنها مرحلة ضبابية، وأنها تستوجب التريث في مقاربتها والاكتفاء بالحدود الدنيا من التفاعل الحذر، كان لديهم الكثير من الأسباب المقنعة في حينه، وعندما اندلع الحراك العربي الواسع عبر الشوارع العربية التي تحولت فجأة من وضع الصمت الغريب إلى وضع ديناميكي مفتوح على الآفاق ما رحبت، اشتعل حماسهم وحماسنا معهم لخلاص قادم تحت عنوان «الربيع العربي» وفيما تحمله العبارة الواسعة وما يرفعه المصطلح ثمة ترقب لخلق جديد في هذه الأرض العربية التي طال انتظارها لخلاصها.

اليوم بدأت ملامح خلق آخر تتشكل في رحم الواقع ، بعضها يأتي خداجاً وفي عجلة من أمره، وبعضها يصدّر التصريحات والتلميحات ويرسل الاشارات الخارجة عن قوى السطوح التي ظهرت على غيرها في مقدمة نواتج هذه الولادة الأولى، والتي عندما تتم مراجعته فيها يحتاج إلى الكثير من فصاحة اللغة وبلاغة القول ليعوّض المنطق الخجول فيها، وهو يقدّم مرافعاته التوضيحية على أساسين لا ثالث لهما ، الأول مطالبا إياك بحسن النية المفترض فيه، والثاني قائم على أساس التلويح بحاجته لأخذ وقته وراحته في« التكتيك» السياسي الذي دعي أنه لا يستطيع إلا أن يستخدمه مضطرا إلى حين!

لسنا بحاجة لأن نشهد توصيفا جديداً في هذه القوى الاسلامية تحديدا مشابها لما شهدته القوى الاشتراكية سابقا، وليس مفيدا ما يتم اليوم توصيفه على أساس ما شهدته مرحلة الكتالوج التنازعي الاشتراكي في مرحلة التحرر الوطني السابقة وتنظيراتها وتبعاتها، ما بين يمين إسلامي تتصدره حركة الأخوان المسلمون ويسار إسلامي تتصدره القوى المؤمنة بالرؤيا الخمينية للاسلام الحركي وينازعهما في الأيديولوجيا ما يشبه التروتسكية الاسلامية في قوى السلف وتوابعها، هذا لن يفضي إلا إلى مزيد من إغراق المكنطقة العربية بمرحلة من التناقضات المذهبية والطائفية المحققة لغرض العدو الصهيوني وبرامج الامبريالية في جعل حروب هذا الجزء من العالم بينيا وجعل ولاداته مجرّد المزيد من التفتيت والتجزئة التي تأتي بعكس منطق الدولة والتاريخ إلى ما قبل الدولة مذهبيا وطائفيا لتبرير يهودية الكيان المصطنع وبقاء سيطرته.

يلزم أن يكون الموقف نابعا من الحرص على وحدة الأمة ووحدة أرضها ووحدة شعوبها، يلزم أن يكون جسرا للتقريب وللإصرار على الجميع بأن العدو المشترك واحد لا يجب الخطأ ولا التساهل فيه مع إمكانية تفهم الحاجات الهامشية الخاصة بطيائع الفروق هنا وهناك، على أن لا تكون القضية الفلسطينية بأي حال أداة استخدام في أي من هذه الجانبيات، ولا أن تكون مرحلَّة على مرحلة مستقبل مطالبة فيه بالصبر انتظارا لنجاحات «التكتيكات» المبشّر فيها،إن التكتيك السابق قاد القضية إلى المصير الحالي ولا حاجة للقول أن لسان هذه القضية بدا وكأنه يتعوّذ من التكتيكات بأنواعها ومن أصحابها القدم والجدد معا.

ومهما كان يلزم في ذلك الجانب فهو يلزم أيضا الحزم في تحديد أين تكون المصيبة وأين تكون الخطيئة وتوابعها ومعها يلزم اتخاذ الموقف من المتساهلين فيها مهما كانت قوة اللغة في التبرير عند أصحابها.

كيف يراد إذن فهم الاعلان عن الفيدراليات في ليبيا مثلا والتحضير للمذهبيات في سوريا ولبنان والعراق ؟ على أي اساس يراد فهم العمليات التحضيرية الجارية على قدم وساق لفرض واقع التشظي على مصر وافتعال ملفات لم تكن يوما لا على ساحة المجتمع المصري ولا جزءا من أدائه الاجتماعي الاقتصادي اليومي؟

إن الضباب الذي كان محمولا على قيمة إيجابية انفعالية بتمنيات أن يأتي بما هو لخير هذه الأمة قد بدأ ينقشع بأسرع مما توقعه الكثيرون، ونتائج انحساره بدأت في الظهور والكشف عن أقبح الصور والكائنات المسخ، والحالة هذه فلا بد من موقف واضح وصريح ليس فقط إزاء هذه المسوخ التي بدأت تطل برأسها هنا وهناك، بل إزاء مرحلة نفسية بأكملها تتكيء على الانتظار الذي يبدو أنه قد تحوّل وقودا في ماكنة اليباب الفصائلي الفلسطيني على الأقل، وهو بدوره تحوّل إلى قوة دفع إضافية في أداء جنازير دبابات وجرافات العدو الصهيوني القاضمة للأرض والمصهينة للمقدسات والمدجنة لمن يدعي المقاومة والموظفة لمن يدعي خيارات القائمة الشعبية في الرد على عزوم الصهاينة في فلسطين المحتلة.

ليست الانهيارات الترابية الأخيرة من حول المسجد الأقصى ولا يومية اقتحامه من قبل مستوطني الصهاينة وتجمعاتهم التلمودية العنصرية ومرورها كأنها تحدث في مكان آخر من العالم، ولا حتى اضرابات بعض أبطال الحركة الأسيرة معزولين حتى عن دعم أخوتهم ورفاقهم وتضامنهم ولو في أضيق نطاق، كما حدث في إضراب المجاهد خضر عدنان أو اليوم كما يحدث مع اضراب المقاتلة هناء شلبي ،إلا مؤشرات واضحة وصريحة عن أن الضباب الذي ساد، لم يكن إلا ضباباً حول واقع تكلّس الحالة الفلسطينية وسقوطها رهينة حالة فقدان الارادة بعد فقدان الوزن، وعندما قلنا أن العدو قد حقق توازنا في مرحلة سابقة مع الثورة الفلسطينية باستيعاب مفاصل حركتها، فإنه اليوم يثبت بالدليل الحسي أنه أخذ هذه المرحلة إلى مرحلة أشد خطرا، إنها مرحلة السيطرة والتشغيل التام والتي تتوزع مسؤوليتها على كل القوى السياسية الفلسطينية بلا جدال، وفقط هو الشعب الفلسطيني وخاصة بقواه الحية الواعدة في عنصر شبابه في الجامعات والمدن والقرى والمخيمات والذي أثبت في مرحلة تزييف الحراك العربي التي حاولت الامبريالية صنعها في حكاية «الربيع»، أثبت بمواقفه ووقفاته الصلبة رغم تواضع عددها وجمعها ، أثبت أنه هو الأمل الوحيد المتبقي لكي يشكّل نصل كاسح الضباب المطلوب.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 277 / 2165294

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف مقالات رئيس التحرير   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

27 من الزوار الآن

2165294 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 27


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010