الاثنين 7 حزيران (يونيو) 2010

عار الصمت الغربي على قتل الأبرياء

الاثنين 7 حزيران (يونيو) 2010 par د. بثينة شعبان

بعد الهجوم «الإسرائيلي »الدموي على سفينة مرمرة المتجهة لكسر الحصار على غزة ضمن أسطول الحرية، أصبح واضحاً للملأ أن الأرواح الفلسطينية التي زُهقت خلال أكثر من ستين عاماً، والمهانة اليومية المؤلمة التي يتعرض لها المدنيون الفلسطينيون، ناجمة عن بربرية متأصلة في احتلال عنصري يمثل آخر بقايا الاستعمار الغربي لبلدان آسيا وأفريقيا، وهي بربرية ناجمة عن تواطؤ القوى الغربية مع الكيان «الإسرائيلي» المبني على أساس استعمار فلسطين وإبادة شعبها، فيما تقوم الدول الغربية بتبرير جرائمه على المستويين السياسي والإعلامي، تحت عباءة «حماية أمن إسرائيل»، حتى وإن كانت تعني القتل اليومي المتواصل للمدنيين العزّل بالرصاص الحيّ، أو دهس أطفال بالسيارات، أو قصف غزة بالقنابل الفوسفورية، وتدمير أكثر من ثلاثين ألف منزل بالصواريخ «الإسرائيلية».

إنّ الصدمة التي عبّرت عنها دول العالم قاطبة، لا تعني أن هذه هي المرة الأولى التي ترتكب فيها القوات الإسرائيلية عملاً مشيناً بهذه البشاعة، بل تعني فقط أنّ هذه هي المرة الأولى التي يكون الدم فيها دماً لمتضامنين دوليين، وليس دماً فلسطينياً استرخصه الغرب «المتمدن»، وبعض العرب للأسف أيضاً. كما أن هذه ليست المرة الأولى التي يستشهد فيها المتضامنون الدوليون في محاولتهم الدفاع عن حرية وحقوق الشعب الفلسطيني، فهناك راشيل كوري الصبيّة الأميركية التي سحقتها الجرافة الإسرائيلية، الأميركية الصنع، الممولة من المليارات التي يخصصها الكونغرس سنوياً لآلة الحرب الاسرائيلية، وهناك جيمس ميللر، وكذلك توماس هورانديل من بريطانيا، الإعلاميان اللذان كانا يعملان على تصوير فيلم لتوثيق معاناة الفلسطينيين فتمّ اغتيالهما لأن إسرائيل تخشى أكثر ما تخشاه اتضاح حقيقتها للعالم.

أصدر نتنياهو مثل هذا القرار الدموي بقتل متضامنين دوليين عزّل قدموا من أربع وأربعين دولة، لأنه أولاً اعتاد إصدار مثل هذه الأوامر يومياً بقتل واغتيال المدنيين العزل من دون أن يدين أوباما، أو كلينتون، أو بان كي مون، أو أي سياسي غربي سفك الدماء البريئة في فلسطين، وثانياً اعتاد جنرالات إسرائيل على ارتكاب جرائم الحرب، مثل الحرب على غزة، وصبرا وشاتيلا، وقصف مدرسة بحر البقر المصرية، ثم تقوم الإدارة الأميركية بمنع معاقبة القتلة عبر تشكيل لجان التحقيق ثم تقوم بقتل تقاريرها.

ولذلك فإن الحكومة الإسرائيلية المتطرفة اتخذت قراراً بسفك دماء المتضامنين الدوليين واعتبارهم «إرهابيين» وفعلاً صدرت تصريحات ليبرمان الأولى عن المجزرة بهذا المعنى.

وقد شاهدت شذى بركات، وغيرها من المتضامنين، بأمّ عينهم جندية إسرائيلية تقتل متضامناً تركياً برصاصة في رأسه وترميه في البحر المتوسط من على سطح السفينة، وقام الإسرائيليون بعد أن قتلوا عدداً من المتضامنين، بإلقاء عددٍ منهم في البحر، ومن هنا تأتي الفروقات بين تسعة عشر شهيداً كما أعلنت كل وكالات الأنباء، وبين عشرة جثامين سُلمت إلى أهاليهم منذ أيام.

مع أنّ ما حدث واضح وضوح الشمس، وقد رواه أكثر من أربعمئة شاهد عيان، فإنّ الأمم المتحدة دعت إلى لجنة تحقيق، والولايات المتحدة تريد من لجنة التحقيق هذه أن تكون من الجيش الإسرائيلي، أي أن يحقق القاتل في جرائمه، وهذا أمر غريب، فلماذا توجد الـ «اف بي آي» إذا كان القتلة يقومون بالتحقيق في جرائمهم! لا بل إن إسرائيل رفضت أي لجنة تحقيق، فيما صرح نائب الرئيس الأميركي أنه من «حق إسرائيل» أن تفتش السفن المتجهة إلى غزة! أي أنه يبرر قتل المتضامنين العزّل على يد جيش مدجج بأنواع أسلحة الدمار الأميركية كافة بما في ذلك الأسلحة الذرية المحظورة. وكأن بايدن وغيره لا يعرفون أن إسرائيل تدعي أنها لم تعد قوة محتلة في غزة، وأن هذه السفينة كانت في المياه الدولية، وكأنه لا يعرف أن الإسرائيليين لم يقوموا بتفتيش السفينة، بل بقتل متضامنين دوليين بالرصاص الحي في الرأس والصدر تماماً كما يفعلون بالمدنيين الفلسطينيين يومياً ومنذ أكثر من ستين عاماً. نعم إن بايدن، وأوباما، وكلينتون وكل القادة الغربيين وكل الإعلاميين يعرفون بهذا القتل اليومي الجاري في فلسطين، ولكنهم لا يدينونه، وكأنهم يوافقون على كل هذا القتل، لأن الضحايا عرب ومسلمون!

أما ما رددته وكالات الأنباء، بأنّ إسرائيل قد ارتكبت «خطأ»، فهذا غير صحيح، لأنّ ما ارتكبه الجنود الإسرائيليون ضد سفينة الحرية التي ترفع العلم التركي، هو في الحقيقة ما اعتادوا على ارتكابه يومياً ضد المدنيين الفلسطينيين، ولا ترى إسرائيل أي خطأ في ذلك أبداً طالما أنّ العالم الغربي صمت طوال أكثر من ستة عقود على مثل هذه الجرائم.

ها هو يراف ميخائيلي يصف ما فعلته إسرائيل بالمتضامنين الدوليين «إنّ ما فعلته إسرائيل هنا يشبه بطرق عدة ما تفعله كل أسبوع للأعوام الأربعة الأخيرة في قرية بعلين من جرح وقتل لمتظاهرين دوليين مدنيين غير مسلحين يطالبون بحقوقهم الأساسية» («هآرتس» 3 يونيو 2010). ويضيف الكاتب: «إنّ الهجوم على السفينة المتجهة إلى غزة أحدث صدمة، لأنه أوضح بشكل لا يقبل الشك ما لا تستطيع أي لجنة تحقيق أن تظهره، وهو العمى الفظيع لإسرائيل، وكيف أن هذا التشويه متجذر في السياسة والقيادة الإسرائيليتين، ويستنتج ألا حاجة للجنة تحقيق، هذا هو الوضع والجميع يعرفه. فقط على الجميع أن يقرّر ما إذا كانوا يريدون الاستمرار بهذه الطريقة، أم أخذ نفس عميق واختيار طريق آخر».

إذا كان شهود العيان موجودين، وإذا كان الجميع قد روى القصة ذاتها، وإذا كان القتل بالرصاص الحي ومن مسافة قريبة، شاهداً على الجريمة، فلماذا لا يصدر الحكم فوراً بمعاقبة إسرائيل كما تمّ مع مجرمي الحرب في بوروندي، ولماذا لا يستخدم الفصل السابع هنا كما استخدم ضد العراق، أم أنه مخصص للعرب فقط، أو لكلّ من لا يمت لإسرائيل بصلة؟
إسرائيل لها قدرتها المعهودة على شراء ضمائر السياسيين والإعلاميين لتشويه الحقائق والتهرب من المحاسبة. وها هي تسيبي ليفني تؤيد من حيث لا تدري يراف ميخائيلي حين تقول «إذا وافقنا اليوم على عمل تحقيق خارجي حول أعمالنا، فإن العالم سيعتاد علينا، وغداً سيفرضون علينا لجنة تحقيق في كل قضية».

ولكنّ انكشاف حقيقة إسرائيل أمام العالم لا يخيفها، لأن القادة الغربيين الذين أدانوا قتل متظاهرة إيرانية في طهران بأشد العبارات، وقفوا عاجزين عن إدانة قتل متضامنين مسالمين عزّل ينقلون الغذاء والدواء والمقاعد المتحركة لسكان غزة المحاصرين منذ أعوام.

إن انتقال قضية فلسطين إلى المستوى الدولي الشعبي، تعبير أكيد عن فشل «الأسرة الدولية» من الوقوف إلى جانب العدالة في فلسطين. كما أن النقل الإعلامي الغربي لما يجري في منطقتنا، أصبح نقلاً مخزياً، لأن اهتمامه ينصبّ فقط على تبرير جرائم إسرائيل، وبهذا يصبح شريكاً في الجريمة، وعاملاً مساعداً على استمراريتها. إذ هل يعقل أن تأتي في تغطية الـ «سي إن إن» توصيف الجريمة كما يلي: «عشرة موتى بينما يعتلي جنود إسرائيليون قوارب تحمل مساعدات إلى غزة!».

كلّ ما تناقلته الـ «بي بي سي» و«سي إن إن» مثلاً من أخبار حول الجريمة كانت مقتبسة من تصريحات للجيش الإسرائيلي، وهو المرتكب للجريمة. أما العنوان الأساسي في «هيرالد تريبيون» فهو «الهجوم الإسرائيلي يسبّب عاصفة من النقد» (1 يونيو 2010).

في مقال أساسي في «الغارديان» نقرأ العنوان العريض «الجهاديون الأتراك مصممون على العنف هاجموا القوات، تدعي إسرائيل»، وعنوان فرعي «يقول الجيش الإسرائيلي أن الفيديو يُري أن القوات الإسرائيلية قد وقعت تحت النار».
إن هذا التواطؤ الغربي مع القتلة الإسرائيليين جعل الجريمة تطول كل من يجرؤ على كشف الحقيقة من غولدستون إلى تشومسكي، إلى أي يهودي، أو مسيحي، أو مسلم يجرؤ على قول الحقيقة، وكشف الوجه البشع لجرائم إسرائيل، فهل حان الوقت لإنهاء هذا العار الغربي بكسر الصمت، وكسر مؤامرة الإعلام، والمساهمة في دعم قضية عدالة دولية سوف يتشرّف التاريخ بأسماء داعميها ويحكم بالخزي على المتواطئين ضدها، سواء بالصمت، أو بنقل أكاذيب الجيش الإسرائيلي وترويجها في العالم.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 84 / 2177767

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

17 من الزوار الآن

2177767 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 17


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40