الثلاثاء 6 آذار (مارس) 2012

الهروب الأميركي الكبير.. عسكر مصر وأنياب «إيباك»!!

الثلاثاء 6 آذار (مارس) 2012 par علاء حمودة

هل يتحول بوش الابن إلى جيفارا في غمضة عين..؟! سؤال عبثي غير قابل للطرح.. فما البال لو تحول السؤال إلى حلم وتطلع في فضاء الطموحات والأماني الكبار دون مسوغات اعتماد حقيقية.. حينها بلا شك يكون الاستسلام للخديعة التاريخية الكبرى التي تتلاعب بأوتار الوطنية وتغازل الحنين الفطري لكل ما هو وطني وقومي في مواجهة الاستكبار، وفي النهاية يدفع المتعطشون للحرية والكرامة الوطنية ثمن تجاهل قواعد المنطق السليم وعوامل التاريخ والجغرافيا والجيوسياسة إحباطا عارما وموجات يأس متدافعة تذيب أواصر الثقة بالحاضر وتعتم أنفاق الحلم بالمستقبل.

وعلى هذا المنوال .. يدفع المصريون الاحباط والحسرة فاتورة باهظة على افتراض عبثي لامكانية تحول المناورة السياسية (ذات الأسقف المنخفضة والخطوط الحمراء المتعددة) بين الإدارة العسكرية وواشنطن إلى معركة كرامة وطنية وإرادة قومية، فكانت النهاية الدرامية لقضية التمويل الأجنبي بـ“التهريب الرسمي” للمتهمين الأميركيين أشبه بروايات النهاية المفتوحة التي تطلق العنان لمخيلة المشاهدين في توقع مصير أبطالها لتصبح حكاية الزمان وكل زمان. لكن تفاعلات تلك الرواية بإسدال الستار الدرامي على أبطالها كانت من الكرم بحيث تركت درسا تبصيريا مبسطا للشعب المصري بطبيعة وشكل الدور الأميركي وعلاقاته بالعسكر، وهو ما كان سيفشل فيه ـ بلا شك ـ تقعر المراقبين ومتاهات وعقد المحللين السياسيين وصخب التشويه للمظاهرات والاعتصامات السلمية.

لقد حاول الكثير من الدوائر السياسية المصرية إقناع نفسها بأهمية قراءة تلك المناورة التكتيكية مع أميركا من اليمين إلى اليسار ومن وجهة نظر محلية بحتة، غاضين الطرف عن أهمية الالتفات للوجه الآخر للعملة وقراءة الجزء المفقود من النص السياسي من اليسار إلى اليمين وفقا لمقتضيات المصالح والتحالفات والنفوذ الاميركي في مصر والمنطقة، فكان سوء التقدير للموقف والانسياق وراء بعض تصريحات المسؤولين المصريين من رديف عصر مبارك حنين إلى ماض ناصري مفعم بالمواجهات والتحدي والصمود أمام النفوذ الاميركي، لكن ولأن فاقد الشئ لا يعطيه فقد كانت الحقائق تنبئ بأن هناك قفزا فوق 4 عقود من العلاقات الاستراتيجية المتداخلة والمعقدة بين المؤسسة العسكرية المصرية والبنتاجون والتي كانت ذلا من ذيول اتفاقية كامب ديفيد.

كانت القراءة الأولية لتلك القضية تضع المناورة التكتيكية للعسكر ـ وكما سبقت اشارتي في مقال سابق مع الأيام الأولى لهذا التوتر ـ وسط مثلث بـ3 أضلاع:

الأول: سياسي، من خلال تحريك قضية لها أبعاد سياسية تبحث عن موطئ قدم للعسكر في الترتيبات المستقبلية لملفات الأمن القومي المصري والتي من بينها العلاقات المصرية ـ الأميركية، ولعل الجميع يذكر رفض العسكر أنفسهم البت في مسألة إعادة العلاقات مع إيران بعد تنحي مبارك على اعتبار أنها مسألة موكلة للإدارة المدنية المنتخبة. وهنا يبدو التناقض الكاشف في القضيتين.

الثاني: اقتصادي، في ضوء الأزمات الاقتصادية التي تعيشها مصر، والذي وصل لمرحلة عض الأصابع بين القاهرة وصندوق النقد الدولي في قضية القروض ومشروطياتها، وفي مثل هذه الأحوال تصبح المناورة السياسية ذات الأسقف والخطوط الحمراء هي الحل الأسلم للتعامل مع المفتاح الاميركي لصندوق النقد.

الثالث: داخلي، يسعى لضرب عصفورين بحجر واحد من خلال حشد التفاف وطني خلف المجلس العسكري في تلك المناورة مع واشنطن بعد أن وصل رصيد شعبيته إلى مرحلة الخطر، وفي الوقت نفسه قطع الطريق على الادارة الاميركية التي زادت من انتقاداتها لملف حقوق الانسان تحت حكم الادارة العسكرية للبلاد.

لكن يبدو أن الاسراف في استخدام المناورة بين أضلاع هذا المثلث، والاستخدام الدعائي المفرط لورقة الاميركيين الممنوعين من السفر دونما إرادة وطنية حقيقية لاعلاء مبدأ الاستقلال الوطني وسيادة القانون وحصانة القضاء مهما كانت الأثمان، قد أفلت بالأمور بخيوط اللعبة من يد العسكر، ووضعهم تحت أنياب تقديرات الدوائر الصهيونية لحسابات القوة والضعف في تقدير الأشياء، مما أدى إلى تكاثف الضغوط الاميركية لأثناء العسكر عن مواقفهم ـ وخروج المشهد بهذه النهاية المؤلمة التي قامرت بالسيادة المصرية وسمعة قواتها المسلحة ونالت من استقلال القضاء المصري، في مقابل مكسب ضئيل لا يتجاوز بضع ملايين من الدولارات!!
ويكفي في سياق التدليل على هذا الطرح ما قاله إيريك تراجر الباحث في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدني في فبراير الماضي تعليقا على الأزمة حيث أشار إلى“إن الحفاظ على نفوذ الولايات المتحدة في مصر يتطلب إظهار الرغبة في استخدام ذلك النفوذ ـ لا سيما عندما تكون المصالح الأميركية الحيوية معرضة للخطر، مثل سلامة المواطنين الأميركيين. وإذا لم ترٌدّ واشنطن بحزم وقوة، فسوف تجد صعوبة في منع”المجلس العسكري من توسيع نطاق سلوكياته السيئة بحيث تشمل مجالات حيوية أخرى.“انتهى كلام إيريك تراجر الذي حمل الكثير من التحريض المستفز، وبقى القول إن هذا الباحث يعمل في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى الذي تأسس في 1985 من قبل لجنة العلاقات الأميركية ـ «الإسرائيلية»”ايباك“والمعروفة بتأثيرها على مراكز صنع القرار الأميركي، وهو في أطروحته تلك كان قناة لتمرير رسائل تحذير من”إيباك“إلى الادارة الاميركية لتحجيم سياسات المجلس العسكري واستغلال نقاط القوة أو ما يسميها”النفوذ" لقطع السبل على هكذا مناورات قد تهدد« اسرائيل» وهي المجالات الحيوية التي يقصدها حامل الرسالة بلاشك ، لكن العسكر لم يفطنوا للتداعيات المستقبلية وآثروا أيسر الحلول وأقربها وهو الاستسلام لوديعة مبارك الانبطاحية في التعامل مع هكذا منازلات جردت مصر من أسلحتها وأفقدتها مكانتها ودورها الإقليمي التاريخي، وبالطبع في كل الأحوال فإن البدايات تنبئ بالنهايات ولا ملجأ من مبارك إلا إليه!!



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 25 / 2178694

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

12 من الزوار الآن

2178694 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 9


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40