الاثنين 7 حزيران (يونيو) 2010

فرصة حوار الاستراتيجيات

الاثنين 7 حزيران (يونيو) 2010 par أيمن اللبدي

هل يمكن إنكار أن فلسطين هي الرافعة الوحيدة التي لا تزال فاعلة في العالم حتى الساعة؟ بالقطع الأجوبة النافية تجافي الواقع والأدلة الملموسة، والثابت حتى الآن أن قضية فلسطين بمظلوميتها الواضحة هي الرافعة الوحيدة لكل الأحزاب والأنظمة والمؤسسات وحتى الأفراد في هذا العالم، ليس فقط العالم الثالث أو حيز انتماء القضية الفلسطينية جغرافياً، بل حتى اتساع العالم أجمع ويفهم ذلك بشكل واضح الجميع باستثناء بقايا النظام الرسمي العربي التي قررت منذ فترة أنها لا تحتاج فلسطين بقدر ما تتهرب من مسؤولياتها فيها وتكتفي بشكلانية الحركة السياسية البطيئة في قضيتها وترحيل الملفات إلى مبادرات تحمل خلاصة موقف رفع العتب.

هذا المصطلح المستخدم كثيراً باسم النظام الرسمي العربي هو مبالغة في جانب كبير منه، في الواقع النظام الرسمي العربي انتهى فعلياً بوفاة الخالد جمال عبد الناصر، وأخذ يقضم من التاريخ الذي صنعه الزعيم جمال عبد الناصر حتى آخر ما تبقى له، ولأن النادي الذي أراده الراحل جمال ليكون منطلقا ومقراً لهذا النظام الرسمي العربي أي الجامعة العربية لا زال مفتوحاً، فإن ذلكم يغري باستخدام هذا المصطلح رغم انتفاء مدلولاته الواقعية في الحركة السياسية.

جمال عبد الناصر هو التجربة العربية الوحيدة خلال القرن الماضي بأسره التي حاولت أن تؤسس لنواة عربية، مشروعها يتطور من وجود الأنظمة القطرية في النادي الجامع المسمى بالجامعة العربية، إلى وحدة قومية عربية تأخذ مكانها في إقليمها بقوة وتستحق أن تقود مصيرها وتنميتها الخاصة بها كما هو حال القوميات الأخرى في هذا الإقليم وذلك بموازاة إنجاز مشاريع التحرر، لأن أمة غير متحررة من أصفاد استغلالها واستعمارها لن تستطيع إنجاز ما هو أوسع من هذه البداية.

التجربة التي قادها كمال أتاتورك في تركيا الحديثة باسم القومية التركية «الطورانية»، هي ذاتها التي أفضت إلى أن يجد اليوم الزعيم رجب طيب أردوغان ما يقف عليه من أرضية صلبة، ومن فضاءات هذه القومية يستطيع رجب أردوغان وحزب العدالة والتنمية ،أو كمال كليجدار رئيس حزب الشعب الجمهوري المعارض اليوم ،أن يحدث في مواجهة إهانة لتركيا أو في معيقات مصلحة تركية ذات الأثر وذات رد الفعل التركي العنيف إزاء المعتدي أياً كان وحتى لو كان الكيان الصهيوني، وهذا ما استخفت به دولة الكيان إلى حد أن وقعت في الفخ.

لا يعني هذا بحال أن خلفية رجب طيب أردوغان الإسلامية وكونه تلميذ الخوجا أربكان وزميله عبدالله غول لا تأثير لها في حدة رده، أو أن قضية فلسطين ذاتها ليست قضية تصل حدود القداسة في تركيا عند عموم الشعب التركي تاريخياً، كلا على الإطلاق بل إن كليهما معاً كانت له نسبة كبيرة في أن يكون الرد ليس فقط ما شاهده العالم وسمعه من فم تركيا، بل وحسب معرفتنا وتوقعاتنا أن تكون هذه الردود لا زالت أولية، وأن التالي منها سيكون أقسى على الكيان من أكثر كوابيسه رعباً في هذه المسألة تحديداً، وعلينا أن ننتظر لنرى صدق هذا التوقع الذي سبق جزأه القديم في مسألة التطلعات التركية كتابته قبل عدة سنوات، فقط أضيف أن النظرة التركية العامة للعرب كانة دوماً نظرة اتهامهم بالخيانة – في إحالة على التاريخ- ولم يكن التركي يستثني في هذه التهمة سوى شعب فلسطين.

الذين يقرئون اليوم تنافس تركيا وإيران على الرافعة الفلسطينية من بوابة غزة معهم حق في ذلك، والذين يقرئون هذا التنافس من باب عودة التوازن السني – الشيعي في هذا الإقليم، أيضا معهم حق في ذلك، والذين يرون أن تكوّن المثلث التركي- العربي- الإيراني هو المستقبل الوحيد للاستقرار في هذا الإقليم أيضا معهم حق، لكن على الجميع أن يتذكّر أن مثلثاً كهذا لا ينهض على أكتاف السوريين واللبنانيين والفلسطينيين فقط في قائمة المقاومة واستراتيجياتها، بل لا بد من أن يتحرر قرار بقية هيكل النظام الرسمي العربي أو ما تبقى منه اليوم من سطوة الولايات المتحدة وشروطها، وأن يصدر هو بنفسه عنه موقفاً واضحاً في التفاهم على مستقبل المنطقة ووضعها مع بقية العناصر، وبالذات الموقف من الكيان الذي بدأت عملية نزع شرعيته دوليا منذ بوابة قافلة الحرية، والذي هو في طريقه إلى الرضوخ لحصار مماثل لحصار بريتوريا العنصرية في القرن الماضي في مرحلة مقبلة، أو فإن وجود هذه الحلقات الهابطة السقف في المشهد إن بقيت حالتها المترهلة على حالها أو تلكأت في اقتناص الفرصة، سيعني اضطرابات تعصف بوضعها هي قبل غيرها، وهذه خلاصة نظريات الفيزياء المجرّدة إلا أن تستدرك وضعها اليوم بخطى تغيير حقيقية.

تكابر حلقات بقية هيكل النظام الرسمي العربي اليوم أنها تستطيع مواجهة قضايا أساسية تعصف بداخلها وتتعلق بوجودها نفسه من موقعها الحالي في الإنجازات الصفرية على المستوى القومي، وتكابر أيضاً إذا أصرّت على أن انفجار هذه الملفات جميعها في هذا التوقيت ليست بصورة أو أخرى من مضاعفات مواقفها المعلومة في القضية الرئيسية ومن رصيدها الصفري فيه، وأن فشلها الذريع في القضية المركزية حيث كان رد فعلها عليه هو الانسحاب الفعلي من هذا التحدي المصيري والتمترس عند موقف يريد أن يوحي بأنه يدعم خيارات الفلسطينيين وأنه لن يكون ملكيا أكثر من الملك، هو موقف يشكّل أرضية مقبولة لاستمرارها في المراوغة عن القرار الحقيقي فيه.

تقدير الموقف الحقيقي اليوم يقول أن الكيان قد فشل في المهمة الأساس من تصنيعه في هذه المنطقة، لأن قضية التقاطر والتكاثف الشعبي والجماهيري لشعوب هذه المنطقة هي مسألة فطرية، تزيد من قوتها وصلابتها قداسة فلسطين وقضيتها دون ريب، ولن يستطيع هذا الكيان مهما فعل أن يرهب هذه الشعوب ويثنيها عن هذه النزعة الفطرية، كما أنه لن يستطيع أن يسيطر في منطقة تأبى الذوبان مهما وصلت مخططات الشرذمة والتقسيم والتفتيت والتجزئة على مكوناتها، ومهما كانت البوابات المستخدمة لتنفيذ هذه المخططات في المستويات المذهبية والطائفية والفكرية والعرقية، ففي نهاية الأمر تستطيع قضية فلسطين أن تصهر ذلك جميعاً بل وأن تستجلب تعاطفاً دولياً واضحاً.

فشل الكيان في الانصهار في هذه المنطقة وفي السيطرة عليها أيضا، هو البداية المنطقية لانتفاء أية فوائد تنجم عن تواجده فيها، فماذا هو الحال أن تكون كلفة هذا التواجد هي أعلى بكثير على القوى العظمى من عدم تواجده أصلاً؟ هذا هو السؤال الاستراتيجي الذي بدأت كل عناوين التفكير الاستراتيجي تتداوله بوضوح في هذه الأيام، ومواكبة مثل هذا السؤال الهام ببرامج نضالية تزيد من ملحاحيته ورجحانيته عند هذه القوى، يعني تسريعاً في الخلاص من وجود هذا الكيان نفسه، وبالقطع فإن العامل الموضوعي الذي سيكون رافعة إنهاء ملفه بالكامل، هو البديل المناسب لنسبة من اهتمامات العالم في ثروات هذا الإقليم تحت عنوان المشاركة للمصالح المتبادلة، والتعاون الدولي للاستقرار والأمن، وهو ما تفرضه معادلات القوة المتماسكة لا معادلات الرضوخ ولا معادلات النكران لحقوق الأطراف الأصيلة في هذا الإقليم، وبوابة صناعة ذلك مثالياً هي بوابة الحوار الاستراتيجي العربي- التركي-الإيراني، وهي فرصة ممكنة.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 107 / 2165640

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

17 من الزوار الآن

2165640 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 15


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010