الثلاثاء 28 شباط (فبراير) 2012

موفد سعودي زار دمشق سرّاً: حكومة إدارة أزمة قريباً

الثلاثاء 28 شباط (فبراير) 2012

ثقة النظام بنفسه تزداد يوماً بعد يوم، ومعها تزداد مقاربته للأزمة نضجاً، وشعبية، حتى على المستوى الدولي. يظهر ذلك، على سبيل المثال، من خلال طريقته في استقبال موفد سعودي زار دمشق ليقنع مسؤوليها بوجهة نظر ملكه، فغادرها مقتنعاً بوجهة نظر رئيسها. ومن خلال إعطاء أفق سياسي للحل الأمني، يتوقع أن يُترجم بخطوات ثلاث أخرى في آذار، هي عبارة عن حكومة إدارة أزمة ومؤتمر للبعث وصيغة جديدة للأجهزة الأمنية

بعد ساعات من انفضاض مؤتمر أصدقاء سوريا في تونس، وقبل ساعات من فتح صناديق الاستفتاء على دستور الجمهورية العربية السورية الجديد، وصل إلى دمشق سراً موفد عن ملك عربي ـ أغلب الظن أنه الملك عبد الله بن عبد العزيز ـ وفي جعبته رسالة للرئيس بشار الأسد، مفادها: اختر أنت المخرج الذي يناسبك للخروج من المأزق. والعرض الأساس الذي تقدمه الرسالة هو الآتي: مستعدون لتقديم المساعدة لتأمين خروجك من الحكم وترتيب أمور المرحلة الانتقالية المؤدية إلى ذلك.

ردّ السوريون على حامل الرسالة باستعلاء، لكن بشيء من التروي. فقد نظموا له جولة سريعة على مناطق في سوريا. ووضعوا أمامه وثائق ومعطيات تظهر الواقع كما هو على الأرض. قالوا له إن الحرب في حمص هي بين الجيش السوري وإرهابيين. عرضوا له صوراً لأصوليين عرب وشرق آسيويين، ومعلومات عنهم. وقالوا له إن النظام ليس منهاراً كما يصوره الإعلام في الخارج. وأبلغوه أن الرئيس بشار الأسد يقدم على خطوة الاستفتاء ومباشرة أجندة إصلاحات متكاملة ستظهر قريباً على أرض الواقع، من موقع قوة؛ فالاستفتاء يجري بعد الفيتو الصيني ـ الروسي، وبعد السيطرة على حمص بالنار وتنفيذ خطة خنق البؤر الساخنة فيها، وبعد اتضاح ضعف المعارضة السورية واكتشاف مدى اختراق تنظيم القاعدة لها.

ويقول السوريون إن الموفد عاد إلى الجهة التي أرسلته، بانطباع يعاكس مضمون الرسالة التي كان يحملها. أكثر من ذلك، يقول مصدر قريب للنظام إن الموفد لم ينتظر حتى وصوله إلى البلد الذي جاء منه، بل طلب عبر الهاتف من دمشق، الجهة التي أرسلته ليبلغها أن الصورة هنا مختلفة تماماً عما نظنه.

لقد تقصد الرئيس الأسد أن يستفتي في مبنى الإذاعة والتلفزيون السوري؛ فرمزية المكان تسمح له بالحديث عن دور الإعلام في تزوير حقيقة الواقع على الأرض في سوريا. قال: «نحن من نملك الأرض». كانت هذه الكلمات موجهة إلى الجهة العربية الخليجية التي أرسلت موفدها إلى سوريا، لتقول للأسد إنه انهار وانتهى، ولا تزال هناك فرصة لإخراجه من المأزق بشرط موافقته على ترك الحكم.

الدستور الجديد

لقد مُدِّدت عملية الاستفتاء حتى الساعة العاشرة ليلاً، بعد أن كان التوقيت المحدد لإنهائها هو السابعة مساءً. المشاركة كانت جيدة في مدن عدم التوتر، ومقبولة في مدن تشهد أحداثاً متقطعة، وخجولة في مدن التوتر كحمص خاصة. أما في الأرياف البعيدة عن العاصمة، فكانت المشاركة ضعيفة. لكن الاستفتاء من منظور النظام، له معانٍ أخرى، إضافة إلى معنى المشاركة والتأويل السياسي للأرقام التي تخرج من صناديقه. من هذه المعاني، تلبية أجندة منسقة بين بوتين ـ الأسد تقضي بالدمج بين الحل الأمني الموجه إلى الجماعات المسلحة، وبين الحل السياسي الذي يلبي طموحات الشعب السوري المحقة. صار يمكن الآن أن نسمع في دمشق حديثاً متكاملاً عن طبيعة الأفق السياسي الداخلي للخروج من الأزمة الراهنة، بعدما كان الحديث في الفترة الماضية مقتصراً بكامله على أن الأزمة هي مؤامرة أمنية تنفَّذ في الداخل، وتستبطن أهدافاً سياسية خارجية.

لم يعد سراً في دمشق الرسمية والمعارضة على السواء أن وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف طلب في لقائه الأخير مع الأسد امرين اثنين: تفعيل الحوار الوطني الداخلي بواسطة لجنة الحوار التي يرأسها نائب الرئيس السوري فاروق الشرع، أو عبر وسائل أخرى. والثاني إطلاق الدستور الجديد وعقد انتخابات تشريعية.

المتابعون للوضع السوري يلاحظون أن الدستور الجديد كان منجَزاً منذ نحو شهرين تقريباً. لكن مسألة توقيت إعلانه ظلت محل نقاش داخلي طويل. كانت الفكرة المستحوذة على أوساط الأسد هي أنه يجب الاحتفاظ بورقة إعلانه لصرفها في لحظة مناسبة خلال عملية تفاوض كان يجريها، آنذاك، الروس مع عدد من أطراف المعارضة السورية لحل الأزمة جذرياً. وبحسب معلومات موثوق بها، كان الروس في تلك الفترة يخوضون عملية نقاش مع أطراف عديدة في المعارضات السورية في الداخل والخارج، لإرساء حل يقبل به الأسد. وبعد اتصالات مكثفة، لخّصت موسكو نقطة الافتراق بين الطرفين، واقترحت التفاوض حولها لإنهاء الأزمة:

تطالب المعارضة بأن يُنهي الأسد ولايته الحالية الثانية في العام المقبل ويغادر الحكم، بينما الأسد يقول إن المرحلة السياسية الجديدة في سوريا ستؤسَّس على أساس دستور جديد، ينص على أنه يحق للرئيس أن يترشح لدورتين اثنتين، وأنه بموجب هذه الفقرة من الدستور الجديد، يحق له أن يترشح في عام 2014 وفي عام 2021. واعترضت المعارضة على هذا التأويل، مشيرة إلى أن كلتا ولايتي الأسد اللتين يسمح بهما الدستور انتهتا. غير أن الأسد ردّ بأنه لا يمكن تطبيق الدستور بمفعول رجعي، وأن الدستور الجديد يضع البلد في مرحلة سياسية جديدة، بكل معطياتها وشخصوها، وتطبيقاته تشمل الجميع ويستفيد منها الجميع.
وبحسب أوساط المعارضة، اقترحت موسكو لحل هذه القضية الخلافية تفاهماً بين الطرفين ينص على أن يترشح الأسد لدورة جديدة واحدة في عام 2014، بشرط أن يكون مرشحاً بين منافسين له.

إيقاعات هذه المفاوضات البعيدة عن الأضواء كانت تسير مع أعمال لجنة صياغة الدستور، المؤلفة من 28 عضواً بالإضافة إلى رئيسها. وحينما وصلت لجنة الصياغة إلى تحديدات ولاية رئيس الجمهورية، برز خلاف على صيغيتن: الأولى حددت ولاية الرئيس بخمس سنوات مفتوحة، والثانية بستّ سنوات مفتوحة. ولدى التصويت، انقسم الأعضاء إلى 28 بالتساوي: مع وضد.

أما رئيس اللجنة، فامتنع عن التصويت. وارتأى المجلس أن يرحّل هذه القضية إلى الرئيس الأسد ليحسمها. ولم يفعل الأسد ذلك إلا قبل نحو أسبوعين، عندما أجاب بأنه مع مادة تؤكد أن زمن الرئيس القائد إلى الأبد انتهى، وأن أقرب تجسيد لهذه الفكرة هو جعل ولاية الرئيس سبع سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة (أي يُنتخب لدورتين اثنتين).

هناك أيضاً مرة أخرى وأخيرة تدخّل فيها الأسد بعمل لجنة الدستور، كما تقول مصادرها. حدث ذلك عندما ثار الجدل داخل اللجنة على فقرة دين الرئيس. وقد حسم الأسد النقاش لمصلحة أن تنص المادة على ما جاءت عليه في النص الحالي المعتمد بنتيجة الاستفتاء الأخير.

حكومة جديدة

ثمة وضوح الآن لدى النظام، على مستوى تصور أفق الحل السياسي للأزمة. يقول قياديون في السلطة إن الأزمة لها شقان:

1) شق أمني لا تهاون معه، حيث هناك مسلحون قدموا من الخارج بتمويل خارجي ليقاتلونا. وهؤلاء هم البنية الصلبة للعصيان المسلح. أما المسلحون الباقون، فهم ملتحقون بهم، لأسباب ظرفية نشأت خلال الأحداث، وليس عسيراً احتواؤها.

2) شق سياسي يتعلق بمطالب لشعبنا، سنستجيب لها ونتعامل معها بانفتاح كلي. والاستفتاء على الدستور، هو نقطة الانطلاق باتجاه تنفيذ خطوات سياسية عملية أخرى نحو إدراك الإصلاح الشامل.

أما الخطوة التالية بعد الاستفتاء، فهي تأليف حكومة إدارة الأزمة. هذا هو تعريفها السياسي والوظيفي. أما بنية الحكومة، فهي وطنية وتعكس سمة الوحدة الوطنية.

لكن عبارة الوحدة الوطنية لا تتضمن معارضة الخارج، وخاصة «الإخوان المسلمين» و«المجلس الوطني» أو «مجلس إسطنبول»، حسب التعبير السائد في أوساط النظام الذي يرى أن تجسيد الوحدة الوطنية في الحكومة العتيدة يتلخص بمشاركة الفئات الآتية تحديداً: «بعثيون زائد مستقلين زائد ممثلين عن أحزاب معارضة الداخل زائد تكنوقراط».

3الخطوة الثالثة بعد إعلان تأليف حكومة جديدة، هي عقد المؤتمر القطري لحزب البعث. المؤتمر لن تتجاوز أعماله يوماً واحداً، والمشاركون فيه هذه المرة لن يصلوا إلى ألفين أو ما يزيد كما في الماضي. عددهم هو حصراً خمسمئة عضو. وتُحدَّد ثلاثة أهداف أساسية للمؤتمر:

ـ الأول، انتخاب قيادة جديدة تُعدّ لمؤتمر قطري يعقد في العام المقبل.

ـ الثاني، إعلان فصل الحزب عن الدولة، تطبيقاً للمادة الثالثة في الدستور الجديد.

ـ الهدف الثالث هو عبارة عن فكرة يريد الرئيس بشار الأسد إيصالها إلى الحزب، مفادها وضعه أمام مسؤوليات الدفاع عن بقائه، وإفهام البعثيين بما لا لبس فيه، أن المرحلة الجديدة لن يكون فيها امتيازات سلطة لهم، وإذا ارادوا الحفاظ على وجودهم وموقعهم التاريخي في سوريا، فعليهم أن يعملوا بجهد وبروح نضالية وعقائدية، لإثبات حضورهم في ساحة التنافس السياسي مع القوى السياسية الأخرى. بعض البعثيين القدامى يطلقون على هذه المرحلة التي تنتظر الحزب، تسمية عودة البعث للفترة العصامية (أي قبل تسلمه السلطة).

هذه الرسالة كانت قد وصلت أصلاً إلى حزب البعث قبل شهرين حينما عقدت فرعيات الحزب في المحافظات مؤتمراتها، لانتخاب مندوبين عنها للمؤتمر القطري. آنذاك، حدد الأسد رؤيته لوظيفية انتخابات فرعيات الحزب:

ـ إيصال مندوبين شباب على حساب المندوبين القدامى النافذين الذين اعتادت المؤتمرات القطرية وجودهم لدورات متتالية.

ـ استبعاد العناصر الفاسدين وذوي الصورة السيئة اجتماعياً.

لم تنجح تجربة تجديد دم قيادة الحزب خلال الانتخابات الفرعية، ذلك أن العناصر البعثيين الجيدين امتنعوا عن تسمية أنفسهم لمناصب قيادية في فروع المحافظات، خوفاً من أن ينظر إليهم في وسطهم الاجتماعي بوصفهم استمراراً لإرث الفساد داخل الحزب. معظم هؤلاء العناصر البعثيين الشباب والجيدين فضلوا التمهل في قبول مناصب قيادية. كذلك واجهت مؤتمرات الانتخابات الفرعية مشكلة أخرى مهمة، هي أنها لم تستطع الانعقاد في المدن والمحافظات الساخنة أمنياً، كدرعا مثلاً، حيث توجد قاعدة حزبية كبرى للحزب، وفي إدلب وحمص، إلخ... ولعل الأسباب الآنفة كلها تبرر سبب اقتصار العدد في المؤتمر القطري الراهن على خمسمئة مندوب فقط.

4الخطوة الرابعة التي ينوي النظام اتخاذها خلال الشهر الجاري، هي توحيد الأجهزة الأمنية. لكن هذا الموضوع لا يزال محل نقاش، ومفاضلة بين صيغتين:
ـ الصيغة الأولى، توصي بإجراء عملية دمج كبيرة للأجهزة الأمنية الـ 17، لتصبح ثلاثة أجهزة فقط، هي جهاز المخابرات العامة وجهاز المخابرات الخارجية وجهاز أمن الدولة، على أن تُشرف على جميع هذه الأجهزة مؤسسة أمنية جديدة، يجري تشكيلها تحت مسمى مجلس الأمن الوطني.
وتجدر الإشارة إلى أن هذا المشروع قديم العهد، وأساس فكرته هو دراسة أجرتها المخابرات الفرنسية لمصلحة المخابرات العامة السورية لتنظيم المؤسسات الأمنية السورية على نحو يحاكي ما هو معمول به في فرنسا. وكان قد جرى تدارس هذا المشروع في السنوات الأولى من وصول الرئيس بشار الأسد إلى الحكم، حيث رُشّح آنذاك لرئاسة منصب رئيس مجلس الأمن الوطني، اللواء آصف شوكت، وأعيد البحث في الأمر بعد نقل شوكت من المخابرات العسكرية إلى رئاسة أركان الجيش.

ـ الصيغة الثانية المطروحة هي الأقرب حظاً لتبنيها، وتوصي ببقاء الأجهزة الـ17 على حالها في هذه المرحلة، والاكتفاء بإنشاء مجلس الأمن الوطني ليشرف على التنسيق بينها جميعها. والتعليل الذي تقدمه هذه التوصية هو أن طبيعة المواجهة الأمنية في هذه المرحلة تتطلب عدم تشويش الأجهزة الأمنية عبر إخضاعها لأنماط عمل جديدة، وخاصة بعد أن ثبت أنها خرجت من حالة الارتباك التي واجهتها خلال الفترة الأولى من الأحداث، وباتت الآن تملك ناصية التعاطي بكفاءة وإنتاجية مع حالات العصيان المسلح والتظاهرات، ما دلّ على أنها خرجت من حالة الصدمة والارتباك إلى حالة هضم الموقف واحتوائها والتمرس في مواجهته.

وتوصي هذه الصيغة أيضاً بتغيير كل رؤساء الأجهزة الاستخبارية، لمصلحة جيل جديد من الضباط برزت كفاءاته خلال الأحداث الأخيرة. ويقال إن الرئيس بشار الأسد نقل خلال الأحداث نحو ثلاثين ضابطاً برتبة عقيد من ملاكهم داخل الأجهزة الأمنية من دون تنسيق مع رؤساء الأجهزة، وأخضعهم لإمرة القصر الجمهوري مباشرة، وسلمهم ملفات على علاقة بإدارة مواجهة الأحداث الجارية في سوريا. وينظر إلى هؤلاء بوصفهم رموز الطبقة الأمنية الجديدة في سوريا في المرحلة المقبلة.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 24 / 2165415

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع المرصد  متابعة نشاط الموقع خبايا وأسرار   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

13 من الزوار الآن

2165415 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 13


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010