الاثنين 7 حزيران (يونيو) 2010

أوباما: وعود تبخرت وأكاذيب تكررت

الاثنين 7 حزيران (يونيو) 2010 par زياد أبو شاويش

في الرابع من حزيران العام الماضي وكان قد مضى أقل من ستة أشهر على وجوده في البيت الأبيض ألقى الرئيس الأمريكي باراك حسين أوباما خطابه الشهير للعالم العربي والإسلامي من جامعة القاهرة متضمناً عدداً من العناوين كالإرهاب والصراع العربي الإسرائيلي والديمقراطية وحقوق الإنسان والحرية الدينية والانتشار النووي وحقوق المرأة، وأخيراً عنوان التنمية والاقتصاد الذي كانت نذر أزمته الخانقة تلوح في الأفق.

الرئيس الأمريكي بدأ خطابه بإلقاء السلام باللغة العربية وعلى الطريقة الإسلامية، كما عمد إلى استخدام الآيات القرآنية ونصوص من الإنجيل والتوراة لتعزيز وجهة نظره وجلب انتباه من يخاطب نحو الأهداف التي رسمتها خطواته المدروسة تجاه عملية الخداع التي مارسها الرجل مع سبق الإصرار والترصد أقله في القضايا الجوهرية موضع الخلاف مع العالمين العربي والإسلامي، ولم ينس في سياق هذا أن ينوه إلى فضل العرب على بلده حيث قال: “كان المغرب هو الدولة الأولى التي اعترفت ببلدي”.

لا يمكن إنكار أن الرجل كان مفوهاً ومقنعاً في تركيب منطقه الخاص بمقاربة القضايا التي تناولها، وكل العالم كان منبهراً بشخصية أوباما كأول رئيس أسود وشاب يصل لرئاسة الدولة الأعظم والأقوى على سطح الكرة الأرضية، كما أن طريقة كلامه ولهجة الصدق كما بدت في حينه تركت أثراً طيباً في نفوس كل من استمع إليه والتي سرعان ما تبددت حين جاء وقت تسديد فواتير الوعود والأحلام التي ساقها للناس في ذلك الخطاب.

كان الحديث عن الإرهاب وما تعرضت له أمريكا من هجوم هو الموضوع الأهم لذا بدأ به باعتبار بلده ضحية هذا الإرهاب الذي يجب أن لا يحسب على الإسلام كما قال بل على قلة متطرفة تمتطي الإسلام، ومهد لحديثه عن ذلك بالكلام المنمق عن قيم الحرية والعدالة وكرامة الإنسان التي تشترك أمريكا بها مع العرب والمسلمين “بل ولهما قواسم ومبادئ مشتركة يلتقيان عبرها، ألا وهي مبادئ العدالة والتقدم والتسامح وكرامة كل إنسان”.

هذا الطرح مهد للطلب الأمريكي الأهم الذي سعى له أوباما من وراء خطابه وهو تحسين صورة بلاده، وتغيير الصورة النمطية الكريهة لها حيث قال في هذا: “الصورة النمطية البدائية للإمبراطورية التي لا تهتم إلا بمصالح نفسها لا تنطبق على أمريكا”، مرفقاً ذلك بمقارنة الصورة النمطية الخاطئة عند الغرب للإسلام والمسلمين رغم الفارق الجوهري بين مكونات الصورة الأولى والثانية من حيث المضمون الحقيقي للسياسة الأمريكية المرتكزة لمفاهيم الرأسمالية المتوحشة والتي تنتج الموت والدمار في كل مكان وبين المضمون الحقيقي للسياسة العربية التي تنطلق من قيم التسامح والمساواة والعدالة والتي قدمت مبادرة للسلام أثنى عليها المجتمع الدولي ورفضتها دولة الاحتلال المدعومة من بلد الرئيس أوباما نفسه.

يقول السيد أوباما: “إن الكلمات لوحدها لا تستطيع سد احتياجات شعوبنا، ولن نسد هذه الاحتياجات إلا إذا عملنا بشجاعة على مدى السنين القادمة”. هل حقاً عمل السيد أوباما بشجاعة على ذلك أم تخاذل ونكص على عقبيه تجاه عديد القضايا؟.

ويقول أيضاً: “ونظرا إلى الاعتماد الدولي المتبادل فأي نظام عالمي يعلي شعبا أو مجموعة من البشر فوق غيرهم سوف يبوء بالفشل لا محالة”. فهل احترم السيد أوباما هذا المبدأ في العلاقات الدولية وتطبيق القانون أم أنه أعلى شأن الدولة العبرية ووضعها فوق الآخرين ومنحها التغطية لكل جرائمها التي ارتكبتها منذ توليه سدة الرئاسة في بلده؟.

وحتى يبرر للإمبراطورية الأمريكية تمييز إسرائيل عن غيرها ووضعها فوق البشر والقانون قال: “إن متانة الأواصر الرابطة بين أمريكا وإسرائيل معروفة على نطاق واسع. ولا يمكن قطع هذه الأواصر أبدا، وهي تستند إلى علاقات ثقافية وتاريخية”

إذن هو يستخدم علاقاته مع إسرائيل ضمن السياق المفهوم للعلاقات بين الدول على الأسس المقبولة والمتعارف عليها ليمارس بعد ذلك تمييزاً لا يمكن وصفه سوى بالانحراف والتناقض حتى مع القيم التي يزعم أنه يتبناها.

لقد أطال الحديث عن التغيير الذي ينشده الرئيس الأمريكي، هذا التغيير الذي أوحى من خلال العبارات التي استخدمها أنه سيكون لصالح الناس بلا تمييز ولصالح الدول والجماعات البشرية بغض النظر عن اللون والجنس والانتماء القومي أو الديني، والحال أن ممارسة أمريكا السياسية وفي علاقاتها مع الآخرين لم تتنكب هذا المسار الذي رسمه السيد أوباما في خطابه المليء بالوعود والأحلام، وليس أدل على ذلك من حديثه عن مشروع إيران النووي وتجاهل النووي الإسرائيلي، كما الحديث عن إرهاب الجماعات المتطرفة وحركة حماس والمقاومة الفلسطينية وصواريخها وعبواتها الناسفة التي تصيب الأطفال وتقتل الأبرياء وفي ذات الوقت تجاهل الطائرات والدبابات والصواريخ الإسرائيلية الأكثر فتكاً وقتلاً وبعد وقوع الهجوم البربري على غزة بأقل من خمسة أشهر وما خلفه من قتل ودمار تحدث عنه تقرير غولدستون “اليهودي”.

وفي باقي العناوين كان الكلام جميلاً من الخارج ويعطي أملاً في رؤية أمريكا بوجه آخر، غير أن الممارسة العملية أتت عكس ما طرحه وكررت ذات النمط من الكذب والخداع.

إن الأحداث التي وقعت خلال الأيام القليلة الماضية ومذبحة “الحرية” التي ارتكبتها إسرائيل بحق المتضامنين الدوليين تستدعي للذاكرة الجزء الخاص من خطاب أوباما حول الصراع العربي الإسرائيلي والمعاناة الفلسطينية كما وصفها حين قال: “يتحمل الفلسطينيون الإهانات اليومية، صغيرة كانت أم كبيرة، والتي هي ناتجة عن الاحتلال”. ففي ذلك الجزء تعهد بإقامة الدولة واعتبرها مصلحة أمريكية، وعد بوقف المستوطنات واعتبرها غير شرعية “إن الولايات المتحدة لا تقبل مشروعية استمرار المستوطنات الإسرائيلية”. وأكمل بشكل واضح بأن ذلك يجب أن يتوقف حين قال: “لقد آن الأوان لكي تتوقف هذه المستوطنات”.

المستوطنات لم تتوقف، والمساواة لم تتحقق، وعدم التمييز بين البشر والدول لم يصبح أمراً واقعاً، والإرهاب الصهيوني لم يجد قوة تردعه بسبب الحماية الأمريكية والغطاء الذي يوفره أوباما لإسرائيل، ووعوده الكاذبة مع العرب والفلسطينيين حول الدولة ورفع المعاناة تتحول إلى وعود تنفذ لتعزيز قدرة إسرائيل على البطش بهم والعربدة عليهم بإمدادها بكل ما يساعدها على خرق القانون والاستخفاف بحقوق الإنسان وحياته التي تحدث عنها أوباما طويلاً في خطابه.

أمريكا وقادتها يمارسون علينا الكذب والخداع منذ سنوات طويلة وبعضنا تنطلي عليه تلك الأكاذيب والخدع، وقد جاءت حادثتي سفن كسر الحصار والمناسبة السنوية لخطاب أوباما لتلقيا الضوء على التناقض الهائل بين وعود أمريكا وكلام زعمائها وبين الواقع الذي تخلقه وقائع الموقف والسلوك الأمريكي المنحرف وعدوانية إسرائيل ربيبة أمريكا في المنطقة.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 23 / 2165490

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

12 من الزوار الآن

2165490 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 12


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010