الأربعاء 22 شباط (فبراير) 2012

ممرات آمنة.. لمن؟

الأربعاء 22 شباط (فبراير) 2012 par محمد المقهور

ازدادت مؤخراً التصريحات والدعوات إلى إقامة ممرات آمنة في سورية، والهدف وفق هذه المصادر، هو تأمين المواد الغذائية والطبية للمدنيين في بعض المناطق، وليس صدفة أن تكون هذه المناطق هي ذاتها التي تزداد فيها عمليات ما يسمى الجيش السوري الحر، أو هي معقل للحركات المعارضة، وسط محاولات بعض الأطراف الإقليمية والغربية لإقامة منطقة عازلة، بعد انهيار حلم تحويل مدينة سورية ما إلى بنغازي، تكون حجر الأساس لسيناريو يحاكي ما حصل في ليبيا.

بعد الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو لواشنطن، لم تخفِ العواصم المناوئة لدمشق نيتها بما تريده، سريعاً، بدأ الحديث عما تم الاتفاق عليه خلال لقاء أوغلو مع نظيرته هيلاري كلينتون، إرسال مساعدات إنسانية، وتأسيس منطقة منزوعة السلاح وحمايتها عسكرياً، والاتفاق على إمكانية تقديم مساعدات تكنولوجية واستخباراتية للمعارضة، وهو أمر يحصل منذ مدة طويلة، والأكيد أن التقرير الألماني الذي تحدث عن إدخال قوات كوماندوس عربية وغربية لمساعدة الجيش الحر، لم يكن زلة لسان، ويدخل في صلب المواجهة المفتوحة على جميع الصعد.

ويبدو أن مجلس الأمن الدولي تحول إلى غصة في قلب الوزير التركي، الذي يراه لم يفِ بالتزاماته الأخلاقية والسياسية، وهي غصة ستكبر مستقبلاً، كون المجلس هو المكان الذي تُسبَغُ فيه “الشرعية” أو الغطاء الدولي لـ“ممرات آمنة” أو "مناطق منزوعة السلاح.

لا بد من التوقف مطولاً عند هذين المصطلحين، فقد سمعهما العرب والمسلمون كثيراً في العقدين الأخيرين، وفي كل مرة كانت النتائج كارثية على الصعيد الإنساني، وأيضاً على صعيد مستقبل دول وشعوب، والنموذج الليبي هو الأكثر دلالة لقربه الزمني، ونتائجه السوداء التي يعاني منها الشعب الليبي.

- العراق.. منطقة الحظر الجوي

بعد انتهاء حرب الخليج الثانية عام 1991، فرضت الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا حظراً جوياً شمالي العراق وجنوبه بحجة حماية الأكراد والشيعة، بالاعتماد على قرار سابق لمجلس الأمن رقم 688، قرار لم ينص على منطقة حظر جوي، وكان يطالب حكومة بغداد بالكف عن ملاحقة الأكراد، وقد انسحبت فرنسا في العام 96 من التحالف وبررت ذلك بأن المسألة أخذت منحى آخر غير الأهداف الإنسانية، وإن تكن الأسباب تكشفت فيما بعد، وتتصل بالخلافات على الحصص المستقبلية لما كان يخطط للعراق.

ما أريد الإشارة إليه هنا مسألتان، الأولى في جنوب العراق، حيث كان يفترض حماية المدينين، فقد شهدت تلك المناطق مجزرة حين أرسل صدام حسين دباباته وطائراته المروحية لسحق الانتفاضة الشعبية، لم يتحرك المجتمع الدولي بحجة أن القرار الأممي لا يشمل الطائرات المروحية، والمسألة الثانية شمالي العراق، حيث وقعت معارك دامية بين الفصيلين الكرديين بزعامة جلال طالباني ومسعود برزاني، وللمفارقة فقد تم السماح لقوات صدام حسين بالتدخل لمساعدة فريق على آخر في تلك المواجهات، لكن الأهم هو ما آلت إليه الأمور، وتكفي نظرة عابرة على ما عاشه العراق من مآس منذ ذلك التاريخ وصولاً إلى احتلاله، ثم الانسحاب الأميركي منه بعد زرع فتنة مذهبية وعرقية تهدد بقاءه بتحويله إلى مجموعة دويلات متناحرة.

- السودان

أصبحت قراءة المشهد السوداني أكثر سهولة بعد انفصال الجنوب، الحرب الأهلية مستمرة وسط محاولات جديدة لإقامة “ممرات آمنة” مع الإشارة إلى أن هذه المناطق نُفذت بواسطة الاتحاد الأفريقي بسبب عدم قدرة الدول الغربية على إقامتها.

- الصومال

منذ الإعلان عن “المناطق الآمنة والممرات الإنسانية”، ازدادت المعاناة فيه، ولم يخجل المجتمع الدولي من التذرع بالأوضاع الأمنية حيال تقصيره عن إيصال المساعدات الإنسانية لملايين الجياع خلال موجة الجفاف التي ضربت القرن الأفريقي خلال العام المنصرم.

- يوغوسلافيا وجورجيا

ما بدأ كمناطق عازلة لحماية المدنيين، انتهى إلى تقسيم هاتين الدولتين إلى عدة دول وعدد ضخم من الضحايا.

قد يحتج البعض أن الدواعي الإنسانية أهم من أي شيء آخر، ومن يسمع كلمة “الممرات الآمنة”، يدرك أن ثمة بشراً يعانون.. وهذا صحيح في سورية، فثمة أناس يعانون ويحتاجون المساعدة، ولكن قيل سابقاً: “إن الشياطين تسكن في التفاصيل”، وفي سورية تحول الكثير من القضايا الإنسانية والجوهيرية إلى تفاصيل، يتم الاستثمار الوسخ فيها على حساب دماء السوريين وكرامتهم، والممرات الآمنة في حسابات الدول تعني شيئاً واحداً، ممرات آمنة لمصالحهم في المقام الأول.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 20 / 2165249

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

13 من الزوار الآن

2165249 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 16


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010