الأربعاء 22 شباط (فبراير) 2012

حماية فرنسية للآبارتايد الصهيوني

الأربعاء 22 شباط (فبراير) 2012 par فيصل جلول

بادرت جامعة باريس الثامنة إلى إلغاء حلقة أبحاث بعنوان “هل إسرائيل دولة تمييز عنصري؟” كان مقرراً أن تتم في 27 و28 من فبراير/شباط الجاري، وكانت الجامعة قد تعهدت بتغطية نفقات الحلقة المذكورة بأكثر من ألفي يورو ما يؤكد اقتناعها بجدوى المشروع أما سبب الإلغاء فيتصل بحسب بيان رسمي صدر عن إدارتها باحتمال أن تثير أعمالها الاضطراب العام .

ويلاحظ أن الجامعة قد غيرت موقفها من هذه المبادرة بعد أن نشر المجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية في فرنسا (كريف) تحذيراً على موقعه على “النت” يؤكد فيه أن من شأن هذه الندوة التسبب بالاضطراب الوطني والعرقي والديني في فرنسا، وهي طريقة للقول بوجوب منع الندوة وهو ما تم من بعد كما لاحظنا .

ويروي المنظمون وهم مجموعة من الأستاذة الجامعيين أن حلقة البحث ما كانت ستعبّر في حال انعقادها عن وجهة نظر واحدة، ذلك أن المشاركين ينتمون إلى دول أوروبية وأجنبية مختلفة ولديهم حساسيات سياسية وفكرية متعددة، وبالتالي لا يلتقون حول نظرة واحدة للمسألة المطروحة بصيغة سؤال: هل “إسرائيل” دولة تمييز عنصري؟ ما يعني أن الأبحاث والنقاشات ستفضي إلى إجابات وليس إلى إجابة واحدة عن السؤال المطروح .

بيد أن منع الحلقة وهو من الأمور الخطرة في فرنسا لم يمر مرور الكرام، فقد بادر المشاركون إلى توقيع عريضة ضمت أكثر من مئة أستاذ جامعي ومثقف وأكاديمي تدين منع الحلقة وتدعو إلى احترام حرية التعبير والحريات الأكاديمية في هذا البلد . وعبّر الأساتذة عن رفضهم للذريعة التي قدمتها إدارة الجامعة لتبرير المنع بقولهم لو أن هذه الحجة صحيحة لكانت الإدارة قد رفضت الفكرة منذ عرضها ولامتنعت عن تمويل هذا النشاط، الأمر الذي يؤكد أن الإدارة خضعت لضغوط سياسية خارجية ربما تكون معطوفة على تهديدات شخصية .

وعبّر الموقعون عن ذهولهم للبيان التبريري الصادر عن مؤسسة الجامعة باعتبارها موئلاً للدفاع عن الحريات وليس وسيلة لقمعها، علماً بأن جامعة باريس الثامنة التي منعت الحلقة المذكورة هي وريثة “جامعة فانسان الحرة” التي ظهرت على أثر ثورة الطلاب في مايو/أيار عام 1968 رمزاً للحرية الأكاديمية ولكسر الخصائص الصارمة والقاتمة والحديدية لجامعة السوربون وكان يرعاها الثنائي الشهير ميشال فوكو وجيل دولوز المعتبرين من أهم مثقفي فرنسا في القرن العشرين .

وإذا كان من غير المعروف بعد إلى أي مدى يمكن أن يصل المحتجون إلى المنع في احتجاجهم، فالواضح أن هذه القضية تطال قيماً جوهرية في هذا البلد الذي يفتخر أهله بأن لديهم فضاء حراً للتعبير والقول والنشر وتداول الأفكار لا يتحمل المنع والحظر، خصوصاً عندما يتصل الأمر بالتمييز العنصري . فهل تتمكن “إسرائيل” كما فعلت حتى الآن من حماية سياسة للآبارتايد التي تنتهجها من الأضواء الفرنسية الكاشفة أي من النقاش الحر والمفتوح والتعددي؟

من الصعب الإجابة عن هذا السؤال، خصوصاً في ظل الحملة الانتخابية المحمومة على طريق الاليزيه، ذلك أن المرشحين للرئاسة لن يغامروا بانتقاد الاستثناء “الإسرائيلي” ومجابهته بقيم المساواة التامة بين الناس بغض النظر عن أعراقهم وألوانهم وجنسياتهم . ولكن الاستثناء نفسه لن يصمد طويلاً في العتمة بوصفه صيغة آبارتايد حقيقية لا يمكن تبريرها أو التسامح معها ومن يبحث عن شواهد لن يعدمها وآخرها يفيد أن الدولة الصهيونية سمحت للمرة الاولى منذ إنشائها لستة فلسطينيين ببيع البيض والحليب، وقد ظلوا هم وسائر الفلسطينيين ممنوعين من مزاولة هذه المهنة القاصرة حصراً على مواطني “إسرائيل” من الديانة اليهودية . ولعل هذا المثال ليس فريداً فالفلسطيني يتعرض للتمييز العنصري على مدار اليوم في “إسرائيل” لجهة السكن والتربية والتعليم والعمل والممارسة الدينية و المساجد التي حول الصهاينة بعضها إلى مطاعم وملاهٍ ليلية .

نعم “إسرائيل” دولة عنصرية وكانت كذلك في قرار شهير اتخذته الجمعية العامة للأمم المتحدة بأكثرية ساحقة في السبعينات إلى أن تم إلغاؤه بقرار من السلطة الفلسطينية بعد اتفاق أوسلو، هذه السلطة التي وافقت على أن يكون المقترعون لمصلحتها حول هذه المسألة في حل من اقتراعهم فكان أن تخلص الصهاينة من قرار دولي هو الوحيد الذي كان يذكّرهم بخطورة ارتكاب جرائم عنصرية جديدة تفاقم صورتهم القاتمة على الساحة الدولية وتجعلها أكثر سواداً وإجراماً . ومن غير المستبعد أن تواصل الدولة الصهيونية عنصريتها ضد العرب والفلسطينيين بوصفها مبنية على الأحادية الدينية وبالتالي فإن التمييز العنصري جزء لا يتجزأ من بنيانها ومن تكوينها الأخلاقي والنفسي حيث من الصعب الرهان على إصلاح حال مستوطنها وإقناعهم بالمساواة مع ضحاياهم الفلسطينيين . . وما دامت المساواة متعذرة وما دام المستوطن الصهيوني يوازي بنظر الصهاينة حشداً من الفلسطينيين والعرب فإن عمر التمييز العنصري في هذه الدولة سيكون طويلاً ومعه قوافل المهمشين الفلسطينيين الذين يلقي بهم الاقتصاد العنصري على قارعة الطريق .

نعم يمكن لفرنسا أن تمنع حلقة أبحاث مناهضة للتمييز العنصري في “إسرائيل” لكنها تتصرف كمن يطلق النار عمداً على قيمه ومنظومته الأخلاقية التي لها مكانة مميزة ولا فخراً لفرنسا من دون



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 14 / 2165528

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

14 من الزوار الآن

2165528 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 8


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010