الأربعاء 22 شباط (فبراير) 2012

«الربيع» الفلسطيني

الأربعاء 22 شباط (فبراير) 2012 par د. أيمن مصطفى

لولا ما يسمى «الربيع» العربي ما كان الاعلام تجاهل قضية اضراب الشاب الفلسطيني خضر عدنان عن الطعام في السجون الاسرائيلية لاكثر من شهرين الان. وربما لدى الاعلام مبرر مهني ، فمع اعداد قتلى الصدامات في سوريا وتصاعد التوتر بين الغرب وايران وأخبار الإسلاميين في مصر وتونس وموت ويتني هيوستن ليس هناك مساحة في منافذ الإعلام الرئيسية لخبر اضراب معتقل فلسطيني لدى اسرائيل عن الطعام. إلا أن خبر الشاب خضر عدنان، البالغ من العمر 33 عاما، اكثر دلالة في تصوري من كل تلك الاخبار.

اليوم، يبدأ خضر عدنان في تجاوز مدة اضراب أشهر مضرب عن الطعام في التاريخ المعاصر وهو النائب الأيرلندي بوبي ساندز الذي مات مضربا في سجون البريطانيين بداية الثمانينيات من القرن الماضي. احتج بوبي ساندز على حبسه فاضرب عن الطعام ومات بعدما دخل اضرابه 66 يوما مع رفض البريطانيين الافراج عنه رغم الحملة التي صاحبت اضرابه، لكن يمكن الزعم ان موته افاد الجيش الجمهوري الأيرلندي اكثر من قتال ذلك الجيش ضد ما يعتبره احتلالا بريطانيا لايرلندا الشمالية. والرأي الطبي الغالب انه بعد شهرين من الاضراب عن الطعام يصل الجسم الى حالة اللاعودة ولا يمكن اصلاح عطبه. وبما ان خضر عدنان مضرب عن الطعام منذ 18 ديسمبر الماضي، فقد بدأ جسده دخول مرحلة اللاعودة.

على الرجح لن يهتم كثيرون، في الإعلام وغيره، بقضية خضر عدنان قدر الاهتمام الذي حظيت به قضية بوبي ساندز. فالإعلام لا يرى أن هناك “ربيعا” فلسطينيا، ثم أن خضر عدنان متهم بانه من تنظيم الجهاد الاسلامي واي اهتمام بقضيته قد يثير شبهة “دعم الارهاب”. لكن الاهم والاكثر فجورا في تقديري هو التجاهل على اعتبار ان الموت للفلسطينيين شبه يومي، ومن لم يمت بقصف العدو الصهيوني مات على يد قطعان المستوطنين او نتيجة الحصار، فلا غرو ان يموت خضر عدنان لانه امتنع عن طعام يقدم له. وتلك قمة المهانة والخزي حقا، ان يصل بنا الامر الى هذا الحد.

ليست تلك المرة الاولى التي يعتقل فيها الاحتلال خضر عدنان، لكنها المرة الأولى التي يضرب فيها عن الطعام لأن كرامته أهينت. فقد وجه اليه معتقلوه الصهاينة إهانات تقترب من التعذيب النفسي للمعتقلين في أبوغريب بالعراق وجوانتانامو في اميركا وفي مراكز احتجاز أجهزة الأمن والمخابرات التابعة للديكتاتوريات والعربية منها بخاصة. فقد سب الصهاينة زوجته الشابة وأرادوا إذلاله بامتهان كرامته. وقبل ايام، بعدما صعدت جماعات حقوق الانسان، ومنها جماعة “أطباء من أجل حقوق الانسان”« الاسرائيلية،» حملتها للافراج عنه جئ بزوجته وابيه الى مستشفى صفد. وعندما طلبت منه زوجته ان يشرب كوبا من الحليب، تنفيذا لوصية امه، عاتبها بعينيه رافضا وكأنه يقول لها: لا يغني الطعام عن الكرامة.

باستثناء مظاهرات بضعة آلاف في غزة والضفة الغربية مطالبين بالافراج عن خضر عدنان، وبعض الاخبار الصغيرة المتناثرة هنا وهناك في الاعلام الرئيسي العربي والغربي، لم تحظ هذه الومضة الفلسطينية باي اهتمام. لذا لم يكن مستغربا ان تصر المحكمة العليا للاحتلال على ان يظل معتقلا دون اتهام او محاكمة حتى مايو، بعدما رفعت دعاوى للافراج عنه تجنبا للخروج اذا مات في المعتقل مضربا عن الطعام. ويبدو تقدير سلطات الاحتلال اقرب للصحة من ان احدا لن يهتم ولن تكون هناك فضيحة في ظل “الربيع العربي”. مع انه اذا كان هناك من “ربيع” حقيقي فهو الربيع الفلسطيني الذي يمثله نضال هذا الشاب الفلسطيني مختلفا عن صيف المقاومة المسلحة وخريف انتفاضة الحجارة.

ليس الربيع الفلسطيني كما يريده من يهللون في الإعلام ويتآمرون في السياسة، اي ان ينتفض الفلسطينيون ضد رئاسة محمود عباس او ان تخرج حماس والجهاد وكتائب فتح في مسيرات تعتصم عند المعابر لتحرج الاحتلال. فالاحتلال لا يشعر بحرج والعرب أنظمة ونخبا يتنافسون لممالأته، والاميركيون والانجليز والفرنسيس يدعمونه بكل قوتهم وبكثير مما يسلبون من أموال العرب وثروتهم وكرامتهم. ولا الفلسطينيون تحت الاحتلال من الترف الطقسي ليلونوا مقاومتهم للاحتلال بما يفصله أباطرة موضة الثورات من أمثال برنارد كوشنير وبرنارد هنري ليفي والشيخ الفلاني والعلاني. إنما المقاومة الفلسطينية هذه المرة هي ببساطة لكشف زيف ما يروجه البعض ـ حتى من الثوريين العرب الذين ينتفضون ضد الأنظمة القمعية الديكتاتورية ـ من أن الصهاينة هم واحة الديمقراطية في المنطقة. فخضر عدنان يضحي بجسده ليكشف أمرا بسيطا وهو ان الاعتقال بدون محاكمة او حتى اتهام، والذي يتغنى الأفاقون الانتهازيون في العالم بمعارضته، هو قاسم مشترك بين كل الاستعماريين والقمعيين في العالم وفي مقدمتهم الاحتلال العنصري في فلسطين.

ربما لا تصل رسالة خضر عدنان جلية كما تستحق الآن، لكن موت بوبي ساندز كان مقدمة دخول الشين فين (الجناح السياسي للحزب الجمهوري الايرلندي) في عملية سياسية انتهت بتسوية ما لقضية ايرلندا الشمالية. ولن يكون استشهاد خضر عدنان التضحية الاولى ولا الأخيرة على طريق النضال الفلسطيني، وكل ما يتمناه المرء أن يفيق من تأخذهم سكرة “الربيع العربي” على ان اسقاط الانظمة الديكتاتورية القمعية لا يفتح الباب واسعا امام الاستقلال والتنمية الحرة والديمقراطية طالما أن هناك عدوا عنصريا لا يتمكن إلا بضعف دول الجوار واهترائها.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 55 / 2178522

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

12 من الزوار الآن

2178522 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 7


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40