الخميس 16 شباط (فبراير) 2012

بان كي مون وأحذية من غزة

الخميس 16 شباط (فبراير) 2012 par منير شفيق

بان كي مون أمين عام هيئة الأمم المتحدة للمرّة الثانية. ففي المرّة الأولى جاءت به أميركا وهو الموثوق بتبعيته لها في أثناء إشغاله موقع وزارة خارجية كوريا الجنوبية. وفي المرّة الثانية أصبح موثوقاً أكثر حين زادت المهمّات الأميركية المطلوبة منه. وقد أثبت خلال عمله أميناً عاماً لهيئة الأمم المتحدة أن لا رأي له في أيّة قضية من القضايا قبل أن يعرف رأي وزارة الخارجية الأميركية ويصبح رأيه فوراً. وهو بهذا لا يحاول أن يخفي هذه التبعية ولا يعتبرها عيباً حتى بالنسبة إلى أمين عام الأمم المتحدة الذي يُفترض به أن يكون محصّلة لإرادة الدول الأعضاء في الهيئة، أو في الأقل، محصّلة آراء الدول الأعضاء في مجلس الأمن.

لا يستطيع متابع لمسار بان كي مون في أمانة الأمم المتحدة أن يأتي بمثَل واحد ولو كان ثانوياً تحرّكَ فيه بان كي مون بهامش بعيد عن الموقف الأميركي حتى لو يكن متناقضاً. وهو لذلك أثبت من وجهة النظر الأميركية أن يكون جديراً بانتخابه لدورة ثانية.

موقف بان كي مون من حصار غزة كان مُخزياً، وجاءت تصريحاته بعد زيارته الشكلية لقطاع غزة بعد حرب العدوان الصهيوني 2008/2009، لتغطي العدوان. وقد تجنّب أن يقول كلمة واحدة ضدّ حرب الإبادة التي شنّها الكيان الصهيوني على المدنيين. بل استغلّ وجوده في قطاع غزة ليطالب بإطلاق الجندي الأسير شاليط، ومن دون أن يتوازن قليلاً بالإشارة إلى آلاف الأسرى الفلسطينيين في سجون الكيان الصهيوني.

وموقف بان كي مون من المجزرة التي تعرّض لها أسطول الحريّة في أثناء توجهّه لفك الحصار عن فطاغ غزة فيما كان في المياه الدولية، كان مُعيباً كذلك فقد كان سقفه مُصَهيناً أكثر من سقف الإدارة الأميركية نفسها.

ولكي يكون بان كي مون كذلك فلا يستطيع أن يأتي إلى قطاع غزة من دون أن يسمّك جلده بحيث لا يشعر بما يمكن أن يقوله الغزاويون حول سياسات أمانة هيئة الأمم المتحدة اتجاههم. ولهذا لم يجد بعض من أهل قطاع غزة من ضحايا العدوان الصهيوني إلاّ أن يقابلوه بإلقاء الأحذية يغد أن تأكدّوا أن الكلام لا يخترق جلد التماسيح. وهذه المعاملة يستحقها بان كي مون لأن الوقاحة بلغت فيه مبلغاً سمحت له أن يزور قطاع غزة بعد كل ذلك التاريخ المشين في تعامله مع مساجينهم وجرحاهم وشهدائهم وبيوتهم المهدّمة واستمرار الحصار عليهم.

بان كي مون يستحق أن يُعامَل بالطريقة نفسها في لبنان نتيجة موقفه المنحاز للكيان الصهيوني في عدوانه على لبنان قي تموز/آب 2006، إذ لا يجوز لأي كان أن ينحاز للكيان الصهيوني ضدّ أي شعب من شعوبنا ثم يطأ ثرى بلاده مستغلاً موقعه أميناً عاماً لهيئة الأمم المتحدة، فلا يُعامَل كما عومِل من قبل أبطال قطاع غزة.

ما دام بان كي مون أميناً عاماً لهيئة الأمم المتحدة فهي الشهادة الصارخة على أن هيئة الأمم المتحدة ومؤسّساتها في أحطّ حالاتها منذ نشأتها بعد الحرب العالمية الثانية حتى اليوم.

كيف يمكن لهيئة الأمم المتحدة أن تحافظ على ميثاقها أو على الدور الذي أُسِّسَت من أجل القيام به، ثم كيف يمكن اعتبارها معبِّرة عن أعضائها ولو في الحدّ الأدنى عندما يكون أمينها العام أدنى من موظف مساعد لوزيرة الخارجية الأميركية في سلوكه العام وما يعبّر عنه من سياسات ومواقف.

ولهذا على كل الحريصين على هيئة الأمم المتحدة أن يعبّروا بشكل أو بآخر عن عدم رضاهم على عبث الولايات المتحدة الأميركية حين تأتي بما يشبه الموظفين في وزارة خارجيتها ليتبوأوا موقع أمين عام الأمم المتحدة ليس لمرة واحدة وإنما لمرتين مثل السيد بان كي مون.

وهذا العبث امتدّ خلال العشرين سنة الماضية لأغلب المنظمات والهيئات التابعة للأمم المتحدة. فالأمم المتحدة التي كانت في مرحلة الحرب الباردة على علاتها أفضل كثيراً من الأمم المتحدة خلال العشرين سنة الماضية. فقد مارست الولايات المتحدة خلال هذه المرحلة سلطة غير عادية في تعيينات المسؤولين ومساعديهم ابتداءً من موقع الأمين العام. فإذا صحّ ما تقدّم فكيف يمكن أن يُسمّى أن ثمة هيئة أمم متحدة في هذا العالم.

والأعجب أن هذه الظاهرة ما زالت مستمرّة حتى بعد أن تراجَعَ موقع أميركا العالمي تراجعاً صارخاً وأخذت تميل موازين القوى السياسية والإقتصادية في غير مصلحتها. الأمر الذي يوجب أن يُعاد النظر في الوضع الراهن لهيئات الأمم المتحدة ومنظماتها لتعكس هذه الموازين في الأقل، ودعك من العدالة.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 31 / 2165357

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

17 من الزوار الآن

2165357 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 17


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010