الأحد 12 شباط (فبراير) 2012

إنها لثورة وأنوفنا راغمة

الأحد 12 شباط (فبراير) 2012 par منير شفيق

ما جرى من مجزرة إثر مباراة فريقيْ الأهلي والمصري في بورسعيد، وما تبعه من تحرّك للمتظاهرين الغاضبين في القاهرة والإسكندرية وغيرهما أشمتَ الذين أنكروا على ثورة الشعب التي أسقطت حسني مبارك، وأدخلت الوضع في مصر إلى مرحلة مختلفة نوعياً عن المرحلة السابقة، بأنّها ثورة. فالبعض أعطى لتعريف الثورة شروطاً تكاد لا تنطبق إلاّ على ثورة واحدة، وآخرون قالوا إنّ النظام لم يتغيّر جذرياً بعد، فما زال كثير من أركانه في السلطة حتى الآن. وهكذا دواليك من كل ما من شأنه أن يبعد عما أحدثته ثورة 25 كانون الثاني من أن يُسمّى ثورة.

ثم جاءت سلسلة أحداث فاجعة استمرّ فيها نزيف الدم في الشوارع وكان أخطرها ما حدث، في 28 تشرين الثاني قبل الجولة الأولى من انتخابات مجلس الشعب، في ميدان التحرير وشارع محمد محمود (42 شهيداً)، ثم أحداث 16 كانون الأول أمام مبنى مجلس الوزراء (17 شهيداً)، ثم تأتي أحداث مباراة الأهلي والمصري ليسقط 72 شهيداً. أما الجرحى في مجموع هذه الأحداث فقد تجاوزوا المئات ليدخلوا في خانة الآلاف. هذا وما زال دم الشارع نازفاً.

لقد جاء كل ذلك ويجيء ليتخذه البعض دليلاً على عدم وقوع ثورة شبابية شعبية حقيقية في مصر غيّرت وجهها السابق الذي مثّله نظام حسني مبارك إلى الأبد. فالفرضية هنا استخدام ما قد يقع من فوضى دليلاً على عدم اعتبار أنّ ثمة ثورة شعبية حقيقية واجبة التأييد والدعم، ولو تأمّل هؤلاء في تاريخ كل الثورات الكبرى لوجد أشكالاً من الفوضى والاضطراب والصراعات لا مفرّ حادثة، فهي إحدى الأدّلة على أنّ ما حدث في الوضع كان ثورة عميقة وليس العكس.
ولا حاجة هنا إلى سوْق الأمثلة قديماً وحديثاً على ما ينتظر كل ثورة أحدثت تغييراً عميقاً من ردّة ومن ثورة مضادة وأحياناً من تدخلات عسكرية خارجية.

ولهذا راح البعض يستدلّ على ما وقع ويقع في مصر من صراعات داخلية حادّة، بما في ذلك إطلاق النار على المتظاهرين، بعدم حدوث ثورة أو أنّ الثورة أُجهضت، أو سُلِبت، حتى وصلت الشماتة، وبعض البكاء أو التباكي من موقع آخر، إلى حد يوحي أنّ بقاء الوضع السابق كان أفضل إذا كان مصير التغيير حدوث ما حدث أو يحدث.

وقال بعضهم أرأيتم ليس ربيعاً، وإنّما هو خريف وشتاء، وذلك بالإفادة من التسمية المضللة للثورة بالربيع. فالثورة عندما تنفجر تنتقل إلى مرحلة أعلى من الصراعات الداخلية-الداخلية: الاجتماعية والطبقية والأيديولوجية والسياسية، وإلى مرحلة أعلى من الصراع مع الخارج المتربّص أكان قوياً أم كان ضعيفاً. ومن هنا أراد أوباما أن يشوّه معنى الثورة عندما سمّاها ربيعاً ونزع عنها سمة الثورة المتواصلة من أجل تحقيق أهدافها، والمقاتلة ضدّ الارتداد والثورة المضادة. فإنجاز أهداف الثورة عملية تاريخية وليس ضربة واحدة تحدث مرّة واحدة، وقد “أنجزت المهمة”!
ما دام الحراك مستمراً، وما دام التقدّم إلى أمام متعرّجاً يحمل لمصر، في هذه المرّة، سمات لم تعهدها ثورة من قبل: الثورة تنتصر ويبقى النظام لتتواصل الثورة لا محالة.

ما دام الشعب يذهب إلى صناديق الاقتراع بحماسة ويخرج برلماناً من أحزاب وشخصيات يثق بها، ولكن تحت الاختبار. وما دام الشباب في الشوارع والميادين وعيونهم لا تنام على ما يمكن أن يفعله أيتام النظام السابق، وما دام جيش مصر قد استعصى على التصفية الأميركية له، فقد جاء دوره ليكون جيش الشعب وجيش مصر، فلا خوف على الثورة ولا على مصر، فالخوف لا يكون إلاّ حين تنام “نواطير مصر” الشعب عن ثعالبها.

وبكلمة، ما دامت الدماء الحارة قد راحت تجري في عروق مصر، في كل عروقها الحيّة والنابضة فلا خوف على الثورة ولا على مصر. ودعك من التفاصيل التي قد تذهب بكل مذهب.

نحن من حول مصر الثورة الشعبية الشبابية ما علينا إلاّ أن نقف إلى جانبها وندعم خياراتها، بما في ذلك ضدّ من تحدّدهم من أهل الردّة أو الثورة المضادة ممن يسعون لإجهاض الثورة بكل سبيل، ومن يمكن أن يُعتبروا المسؤولين عما أُريق من دماء شهداء وجرحى هي استمرار لدماء شهداء ثورة 25 كانون الثاني لعام 2011 وجرحاها. ولهذا لا حاجة إلى أستذة ولا إلى يائسين.

رحم الله شاعر مصر حافظ إبراهيم حين قال:

كَم ذا يُكابِدُ عاشِقٌ وَيُلاقي في حُبِّ مِصرَ كَثيرَةِ العُشّاقِ

إِنّي لَأَحمِلُ في هَواكِ صَبابَةً يا مِصرُ قَد خَرَجَت عَنِ الأَطواقِ

فها هي ذي مصر اليوم كسيرة الأطواق، ويكفي ذلك ليكون ما فعلته 25 كانون الثاني ثورة، فما الثورة إن لم تكن تكسير الأطواق وإطلاق قوى الشعب لتفرض خياراتها وإرادتها، وبعدئذ، وكما قالت مصر 1956 “أهلاً بالمعارك”.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 34 / 2165450

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

13 من الزوار الآن

2165450 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 15


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010