الجمعة 10 شباط (فبراير) 2012

السيادة للشعب والثورة

الجمعة 10 شباط (فبراير) 2012 par حمدي قنديل

المطلوب تحقيق في دور المجلس العسكري

من أبرز المظاهر الفريدة للسنة الأولى للثورة تشكيل لجان تقصي الحقائق حتى إنها أصبحت تتشكل بمعدل لجنة كل شهر تقريباً، وربما تزداد هذه الوتيرة

بعد انعقاد مجلس الشعب الذي يبدو أنه آثر أن ينهج المنهج ذاته عندما افتتح أعماله بتشكيل لجنة لتقصي الحقائق في ملف شهداء ومصابي الثورة، ثم كلفها فيما بعد بالتحقيق في جريمة استاد بورسعيد.. المدهش أن أياً من التحقيقات الرسمية التي ارتكبت ضد الثورة والثوار لم يتوصل إلى الحقيقة حتى الآن، وليس هناك من تفسير لذلك سوى أن هناك سلطة طاغية تحول دون اكتمال التحقيقات أو دون الكشف عن نتائجها لأن أصابعها ملوثة بالدماء الزكية التي سالت في هذه الجرائم، هذه السلطة هي المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي يتولى حكم البلاد دون سند دستوري أو قانوني.

التحقيقات يجب أن تتجه أولاً إلى هذا المجلس للبحث عن مسؤوليته السياسية وربما الجنائية أيضاً، بدءً من موقعة الجمل وفي المجازر التي تتالى وقوعها منذ تولى السلطة، من ماسبيرو إلى مسرح البالون إلى وزارة الدفاع إلى السفارة الإسرائيلية إلى محمد محمود إلى مجلس الوزراء إلى قصر العيني إلى بورسعيد، وما واكبها من جرائم في الأقاليم، خاصة في السويس والإسكندرية وغيرهما، وكذلك مسؤوليته بصفة خاصة عن سلخانة تعذيب الثوار في أقبية مبنى البرلمان، وعن اختبارات كشف العذرية، وعن سحل الفتيات المتظاهرات، وهي الجرائم التي لم تسئ إلى المجلس بقدر ما أساءت إلى شرف العسكرية المصرية.

هذه الجرائم ترجع في الأساس إلى فشل المجلس الذريع في إدارة البلاد في الفترة الانتقالية ليس فقط بسبب نقص الخبرة ولكن أيضاً بسبب الدلائل المتزايدة على سوء النية، أي بسبب تواطئه مع القوى المناهضة للثورة التي تعمل لحساب نظام الفساد والاستبداد المخلوع. أول ما يجب أن يجري التحقيق فيه هو صلة المجلس العسكري بالنظام البائد، وهنا لابد من أن يتم الفحص بدقة في خبايا أيام مبارك الأخيرة ودور المجلس فيها بالتحديد، وألا يترك تأريخ تلك الفترة الحساسة من تاريخ مصر لصحفيين من أذناب النظام السابق، وأن تسلم كل الوثائق والتسجيلات الخاصة برئاسة الجمهورية وقيادة الجيش ومباحث أمن الدولة المنحل وقيادة الحزب الوطني بهذا الخصوص إلى الجهة التي ستكلف بالتحقيق إن لم يكن قد تم إخفاء هذه الوثائق بعد بواسطة المجلس ذاته، أو بواسطة تابعين له معروفين أو مجهولين، أو بواسطة زكريا عزمي الذي تُرك طليقاً يمارس مهام منصبه لمدة ثلاثة أشهر بعد قيام الثورة، أو بواسطة ضباط بعينهم في أمن الدولة.

أغلب الظن أن بقايا هذه الوثائق في حوزة جهاز المخابرات العامة الآن أو أنها يجب أن تكون في حوزته، والمؤسف أن مسلك الجهاز في قضية الرئيس المخلوع لا يوحي بالثقة، إذ امتنع عن تقديم المعلومات التي طلبتها منه النيابة العامة بمبررات واهية، كما أن وزارة الداخلية هي الأخرى تنصلت من تقديم معلومات إلى النيابة، وهو الأمر الذي يوجب تقديم المسؤولين عن هذه الأجهزة إلى المحاكمة.

في جلسة مجلس الشعب يوم 24 يناير دعا النائب سعد عبود إلى التحقيق مع جهاز المخابرات في هذا الخصوص، إلا أن أحد نواب الأغلبية اعترض على ذلك بدعوى أن اللائحة الداخلية للمجلس لا تبيح للبرلمان التحقيق مع الجهاز، وهنا فإن السؤال يثور عما إذا كان الجهاز محصناً من أي مساءلة، وعما هي إذن الوسيلة لمساءلته ومساءلة غيره من الأجهزة المسماة عادة ﺒ«الأجهزة السيادية»، ومن ذا الذي يستطيع إذن مساءلة المجلس العسكري ذاته.

في الأسبوع الماضي بدأ بعض أعضاء البرلمان يطالبون على استحياء بمثول المجلس العسكري أمامهم لسؤاله في مذبحة بورسعيد، وربما يكون الأكثر حكمة بالنسبة للمجلس العسكري، وهو قابض على السلطة الآن، أن يبلغ مجلس الشعب بأنه مستعد على الفور للمساءلة فيما يوجه له من اتهامات بشأن جميع الأحداث الدامية التي وقعت منذ اشتعال الثورة قبل أن تتزايد المطالبات بذلك من النواب وقبل أن تتزايد الضغوط عليهم من القوى الثورية.. وربما أسهمت هذه المبادرة في تخفيف حدة الاتهامات أو في إيجاد مخرج كريم له منها.. وكل تأخير في هذا الخصوص سيوسع نطاق المساءلة رغم حرص رئاسة مجلس الشعب الواضح على لملمة الأمور وتفادى الاصطدام مع العسكر.

الذي أراه في الأفق أنه إذا لم يعجل المجلس العسكري بتوضيح موقفه في هذا الخصوص فسوف ينجر مجلس الشعب عاجلاً أو آجلاً، ربما قبل أن يبدأ وضع الدستور، إلى مناقشة الأمر الشائك المتعلق بوضع القوات المسلحة ككل ضمن مؤسسات الدولة، وعلاقتها بالمؤسسات الأخرى، ومراقبة أعمالها ومراجعة ميزانيتها، بل يجرنا أيضاً إلى الأصول التي يمتلكها الجيش في القطاع المدني، وإلى رواتب ومخصصات أعضاء المجلس العسكري وإقرارات ذمتهم المالية.

عندئذ سيحاسب المجلس العسكري على مجمل سياساته في الفترة الانتقالية، ليس فقط فيما يتعلق بالشؤون الداخلية ولكن أيضاً بالشؤون الدولية.. والواقع أن من حق الشعب أن يعرف لماذا تقزم الدور المصري في الخارج تحت حكم المجلس تماماً كما كان أيام مبارك، ولماذا تقاعست مصر عندما قتلت إسرائيل الجنود المصريين في سيناء، ولماذا كانت سياستها باهتة أمام الأحداث في جوارها الليبي وفي سوريا واليمن، ومن حقه أيضاً أن يعرف خبايا علاقاتها مع أمريكا.. أما في الشأن الداخلي فإن الأسئلة بلا حصر: لماذا التراخي في استعادة أموال مصر المهربة؟ لماذا يعامل «مبارك» رغم كل جرائمه معاملة خاصة؟ ولماذا يحاكم فقط على رشوة الغاز وإطلاق النار على المتظاهرين ولا يحاكم على الإفساد في الأرض والحنث باليمين الدستورية؟ لماذا لا تطهر مؤسسات الدولة من حثالة العهد البائد؟ لماذا توجه الاتهامات بالعمالة لبعض الجماعات التي شاركت في الثورة؟ لماذا لم يتم الكشف عن الطرف الثالث، اللهو الخفي، إذا ما كان هناك بالفعل لهو خفي؟ لماذا التخبط في مسار الفترة الانتقالية ولماذا كان الاستفتاء على مواد الدستور ثم الإعلان الدستوري الذي نسف الاستفتاء؟ لماذا لم تتم هيكلة وتطهير جهاز الشرطة ولماذا تفاقم الانفلات الأمني؟ لماذا لا يعزل النائب العام؟ لماذا لا يعتقل أذناب عهد الفساد والاستبداد؟ لماذا انهار الاقتصاد... ولماذا... ولماذا؟

هذه كلها أسئلة حان الوقت للكشف عن إجاباتها، تدفعنا إلى ذلك محاولة تدارك أن تنهار الأوضاع في البلاد بأكثر مما انهارت نتيجة لسياسات المجلس العسكري، بل خشيتنا أيضاً من أن تكون الأحداث التي وقعت منذ قيام الثورة وانخراط الجيش كطرف رئيسي فيها قد أدت إلى خلخلة في المؤسسة العسكرية ذاتها.

مصر تمر الآن بأخطر فترة في تاريخها بعد الثورة، والأحداث الأخيرة تؤكد أن البلاد تسير بقياداتها الحالية نحو الهاوية، ولا مجال لتفادي ذلك إلا بأمرين، الأمر الأول أن يتنحى المجلس العسكري عن السلطة بترتيب محكم يضمن ألا يفلت الزمام، أما الأمر الثاني فهو أن يخضع الكل للمساءلة حتى أكبر رأس في البلد.. لا أحد فوق القانون، لا سيادة حتى لمؤسسات السيادة.. السيادة للشعب وللثورة.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 20 / 2165528

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

14 من الزوار الآن

2165528 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 8


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010