الجمعة 10 شباط (فبراير) 2012

العدوان الثلاثي على سوريا

الجمعة 10 شباط (فبراير) 2012 par سوسن البرغوتي

على الرغم من اختلاف الظروف والمعطيات، وأهم أسباب الظرف الذي نشبّهه هو في دعم ثورة الجزائر، التي مثّلت التهديد المباشر للاحتلال الفرنسي، وتزويد الاتحاد السوفيتي لمصر آنذاك بالأسلحة المتقدمة والمتطورة بهدف تقوية القوات المسلحة لردع الكيان الصهيوني، وتأميم قناة السويس الذي أعلنه الرئيس جمال عبد الناصر في يوم 26 يوليو عام 1956م، لوقف تربّع وتربّح بريطانيا من القناة، تأتي الآن أسباب مشابهة لتبرير العدوان الثلاثي على سوريا في ظل أحداث عربية صاخبة، تعج بالمتغيرات الداخلية. فظهور روسيا الاتحادية على مسرح السياسة الدولية بعد ثلاثة عقود، ورفضها وقف اتفاقيات توريد الأسلحة لسوريا، دلالة واضحة على الأخذ بهذا السبب، مقابل خوف أمريكا على (أمن اسرائيل) الذي لا حدود له، وعلى مصالحها النفطية، وهيبتها المتهالكة. وكذلك الصين القوة الاقتصادية والعسكرية، التي ترفض عملياً، استمرار هيمنة القطب الواحد، ورغبتها مع دول البريكس ومجموعة الالبا، تشكيل عالم متعدد الأقطاب، وتنامي قوة إيران العسكرية، كلها أسباب للتصدي لهذا العدوان الثلاثي، فأمريكا وحلفاؤها وأتباعها، لا يرغبون بدولة عربية مركزية تخلو من القواعد العسكرية، وعصية على التحكم بها، والسبب الثالث، إدخال سوريا في منظومة “الاعتدال” التابع للمظلة الأمريكية، والتخلي عن المقاومة العربية، بهدف القضاء عليها.

أعلنت روسيا بالخط الواضح أنها لن تتخلى عن سوريا في أزمتها، وستقف معها إلى النهاية، والشيء بالشيء يُذكر، فقد أدى إنذار الاتحاد السوفيتي بضرب لندن وباريس بالصواريخ الذرية، بانسحاب المثلث المعتدي من مصر. فكان انتصار ثورة مصر الفتية، ممهداً لقطب دول عدم الانحياز، الذي لم يدم طويلاً. صحيح أن الظروف مختلفة، وأن العالم يسير بسرعة فائقة نحو الانهيار، اقتصادياً، سياسياً وعسكرياً جراء حروب لم تخرج منها أمريكا وحلفائها منتصرين، خاصة بعد الاعتداء الهمجي الصهيوني على غزة، وقد تلا العدوان الصهيوني المنهزم في جنوب لبنان، وبالتالي قوض انتصار الصمود في الجنوبين، مشروع التوسع الصهيوني، ناهيك عن تصدي المقاومة العراقية للاحتلال وأعوانه، كل ذلك يمثل خطراً على أمن الكيان الصهيوني، ونفوذ أمريكا ويهدد مصالحها. وبعد ما حدث في ليبيا، والسطو على ثروات البلاد المدمرة على أنقاض جماجم العباد، استفزت تلك الأحداث القوى الصاعدة والمؤهلة لتشكيل أقطاب متعددة، تعيد التوازن القيمي، تعادل توزان قوى الردع بالعالم، وتعتمد اقتصاد مستقل عن سطوة المؤسسات الصهيونية، لا احتكار فيه، وقائم على العدل وتكافؤ الفرص. فكان لا بد من وجود كوابح قوية، توقف الانهيار.

إن مساعي التصعيد الإعلامي والدبلوماسي بعد العقوبات الاقتصادية على سوريا، وبعد الفيتو، لتجهيز عدوان خارج إطار مجلس الأمن، تفادياً لنقض جديد، تتزامن مع إطلاق صافرة قاطرة معادلة جديدة، لعالم قائم على تبادل المصالح، واحترام سيادة الدول، والعمل على إبعاد شبح الحروب. وما زيارة وزير الخارجية الروسي إلى دمشق، إلا للإسراع في الاصلاح الجذري، والحسم العسكري ضد المسلحين القادمين من كل حدب وصوب، والمدعومين بالسلاح والمال، لتفويت الفرصة على المضي قدماً بتنفيذ العدوان.

ولكن ماذا لو استطاع المثلث العدواني مباغتة التحضير لحوار وطني سوري شامل، وتشكيل حكومة وطنية تعددية، وإصدار دستور جديد، في ظل هذا التصعيد الإعلامي والسياسي، خاصة أن المعارضة الخارجية تشدد على ضرورة التدخل العسكري الاستعماري وأعوانه، ودعم التمرد المسلح؟!.
على ضوء ما تقوم به روسيا الاتحادية من الوقوف إلى جانب سوريا، إن حصل ونفذوا جريمتهم، فإن القوى الناهضة، ستظهر معارضتها للعدوان بصورة جلية، فضلاً على أن إيران وحزب الله والمقاومة الفلسطينية، لن يقفوا بموقع المتفرجين، وبالتالي سرعان ما ستمتد إقليمياً إلى أبعد من حدود سوريا، وتُفتح جبهات بلاد الشام والعراق، إن تم تحييد مصر!. وستدخل الصين كطرف معني، لوقف إطلاق النار، تخرج سوريا والمعادلة الجديدة منتصرة من معركة الصراع معها وليس عليها. ما سيترتب على نتائج المعركة، أمور تتشابه أيضا، بما حدث بعد انتصار مصر، وستكون سوريا أول دولة عربية تلتحق بقطار المعادلة الجديدة.

إن قرار العدوان الثلاثي على سوريا، ليس بالأمر الهيّن، خاصة أن أمريكا المهزومة تغرق بأزمة اقتصادية، وكذلك منطقة اليورو، والكيان الصهيوني لا يقوى على شن عدوان على عدة جبهات، حتى بدعم القوى الاستعمارية وأعوانها، وسياسياً ليسوا بوضع يؤهلهم على اتخاذ قرارات حرب موسعة، في مرحلة ما قبل الانتخابات الأمريكية والفرنسية.

في حالة اعتماد سياسة المقامرة لا المغامرة، فطبول الحرب العالمية ستدق وتُدق في كل عواصم العالم، والانهيارات تفجر أزمات داخلية وتزيد في منسوب التوتر العالمي، لن يكون بالإمكان السيطرة عليها، والفوضى الشاملة مدخل لتوترات تقود إلى تلك الحرب التي أصبحت تأخذ صفة الكونية. لذا على تلك القوى الاستعمارية وملحقاتها، أن يعيدوا قراءة التاريخ ويدرسوا جيداً، تداعيات التصعيد ضد المعادلة العالمية الجديدة وسوريا المتجددة القوية، بصمود شعبها وحزم جيشها وعزم قيادتها.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 40 / 2165402

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

16 من الزوار الآن

2165402 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 16


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010