الجمعة 3 شباط (فبراير) 2012

الردة السياسية، وإنكار الديمقراطية

الجمعة 3 شباط (فبراير) 2012 par هشام عبد الحميد الشلوي

سأحاول هنا أن أنقل مصطلح الرده من مجاله التداولي الديني إلى المجال السياسي، والذي يعني في الأدبيات الدينية التراجع والنكوص عن عقيدة ما يرتب نتائج اختلفت حولها الأديان العالمية الكبرى.

هذه الأيام طالعنا جميعا عبر وسائل الإعلام المختلفة الجدل الواسع حول انتخابات المؤتمر الوطني العام، وكيف أن منتسبي التيارات المعلمنة على تباين توجهاتها تعارض أغلبها التعددية السياسية القائمة على الأحزاب السياسية، محتجة بحجج أغلبها إن لم يكن كلها مبني على الوهم، بل وقصد إفساد الحياة السياسية.

منها مثلا أن الليبيين غير مؤهلين لخوض معارك انتخابية قائمة على التعددية السياسية ( نلاحظ طبعا نقل حجج نظام القذافي والاستعانة بها فيما يتعلق بجهل الشعب) حيث أن الليبيين لم يمارسوا طوال العقود الماضية أي عمل سياسي قائم على هكذا أسلوب، وبالتالي نظام انتخاب المستقلين هو ما يناسب هذه العقلية الجاهلة والساذجة حسب ما يسوقون.

كما أنهم يقولون بأن الوقت غير كاف لتأسيس الأحزاب السياسية، وهي أحزاب ضعيفة وجهوية، وليست لها امتدادات على كل التراب الليبي، وأن الشعب الليبي لم ينخرط أو ينضم بعد لهذه الأحزاب السياسية.

لكن بنظرة بسيطة على تقرير الأمم المتحدة للتنمية البشرية لسنة 2010 سنرى أن ليبيا مثلا معدلات التعليم العالي بها بصرف النظر عن الجودة أعلى من مصر وتونس، كما أن ساكني المدن بليبيا أكثر كثافة من مصر وتونس، ومعدلات القراءة والكتابة لمن هم فوق 15سنة أعلى من ممصر وتونس، الحزب الجمهوري لأجل الديمقراطية برئاسة منصف المرزوقي تأسس في 2011 ووصل لسدة الحكم بائتلاف مع حزبين تونسيين، حزب النور تأسس هو الآخر، ويشكل الآن ثاني أكبر كتلة برلمانية في مجلس الشعب المصري.

كما أن أغلب التقنيات المتعلقة بالعملية الانتخابية هي في ملعب المؤسسة الرسمية، فهي المطلوب منها ترسيم الدوائر الانتخابية، وإعداد الجداول الانتخابية، وانتداب الموظفين، وإصدار البطاقات الانتخابية، وإعداد أوراق الاقتراع، ودوائر ومراكز الاقتراع، وفرز البطاقات وإعلان النتائج واستلام الطعون والفصل فيها، أي أن كل هذه العملية هي من اختصاص المؤسسة الرسمية، ودورنا نحن كهيئة ناخبين أو جمهور انتخابي أن نذهب لصندوق الاقتراع ووضع بطاقة انتخابنا في الصندوق فقط، كما أن لجنة إصدار قانون الانتخابات جاءت بطريقة غريبة في نهاية التسعين يوما الممنوحة لها وأصدرت القانون، ثم دعتنا في خلال عشرة أيام لنناقشه، وهو ما يسمى بلغتنا الشعبية ( زر على الزنقو).

أي أنه لدينا إمكانيات لو تعاطينا معها فقط بقليل من الجدية لخلق حياة سياسية صحية قائمة على التعددية السياسية، خاصة وأننا في مرحلة الانتقال من الثورة إلى الدولة، وإن لم نؤسس لها بشكل يليق بتضحيات شعب، أعتقد أنه لم ينتفض فقط لأجل قتل القذافي، وإنما من أجل أن يكون له دور في صنع قراره السياسي.

الطبيعة لا تعرف الفراغ

في حال إقرار قانون الانتخابات بشكل يغلب المستقلين على القوائم الحزبية، ستعود القبائل للسيطرة من جديد، وسيعود رأس المال السياسي الفاسد للتحكم باللعبة، وما تاريخ الحياة السياسية زمن المملكة منا ببعيد، إذ كان المال والقبيلة هما اللاعب الأساسي، ولنتخيل حجم الفساد وانعدام الرؤى العامة في مؤتمر يقال أنه وطني، يسيطر عليه رجل القبائل.

ائتلاف القبليين والليبراليين.

الثورات أحيانا تأتي بالعجائب، ففي مصر مثلا تحالف أهل الآخرة ( المتصوفة) مع أهل الدنيا ( الليبراليين) والأشاعرة ( الإخوان المسلمين) مع الحنابلة السلفيين)، وهي صور من التحالف الإيجابي في نهاية الأمر لأنها قائمة على المصالح السياسية البرامجية، وليست تكتلات مناطقية، جهوية قبلية.

الأغرب في ليبيا وداخل المؤسسة التشريعية الليبية ( المجلس الوطني الانتقالي) هو تحالف الليبراليين وأصحاب التوجهات اليسارية السابقة، والتي حادوا عنها تحت ضغط اليسار الدولي الذي انكمش أمام فشل تجربته الواقعية، مع أصحاب التوجهات القبلية من أجل ضرب الديمقراطية في ليبيا، وذلك باعتراضهم على نظام القوائم النسبية أساسا، ثم اعتراضهم على نسبة تمثيل القوائم مقارنة بالمستقلين، معتقدين عن جهل بل وسخف أن ذلك يمثل سيطرة للإسلاميين بليبيا على المؤتمر الوطني، ولو أنهم تريثوا قليلا وحاولوا فهم طبيعة نظام التمثيل النسبي مع نظام القائمة لعلموا أنه مع هذا النظام تحديدا من المستحيل أن يسيطر تيار سياسي ما على المؤتمر الوطني، لأن كل حزب سيكون له تمثيل داخل المؤتمر الوطني بصرف النظر عن توجهاته الايدلوجية.

وكان المعترضون على التعددية السياسية ونظام القائمة، ثم نسبة تمثيل القوائم هم ، مصطفى عبد الجليل والذي قالها صراحة لا مواربة فيها لراشد الغنوشي ويوسف القرضاوي، أنه رجل قبلي، ولا يؤمن بالأحزاب السياسية، وبالتالي عندما تكون قبليا فأنت لا محالة ستظلم الآخرين شئت أم أبيت. فإن كنت من الشرق فستظلم الغرب والجنوب، وداخل الشرق أو الغرب أو الجنوب ستظلم مدن على حساب مدنن وقبائل على حساب قبائل( من المحتمل أن تكون منطقة سيدي عبد الواحد أو منطقة اقفنطة، هما سرت القديمة الجديدة) محمد الرماش عن سرت، عثمان المقيرحي عن طبرق والذي اعترف بعظمة لسانه أنه لا يفهم في أو عن الانتخابات شيئا، وأن مجيئه للجنة الانتخابات كان قدرا ،فتحي البعجة، الذي خرج عن طوره في اجتماع اليوم واتهم الاسلاميين بالخيانة، الآن اتضح لي من الذي تعلم من الآخر، إذ أن القذافي من زمن أرسل ولده خميس ليتعلم كرس علوم سياسية على يد فتحي البعجة، وأهداه البعجة مذكرة علوم سياسية، وذلك حسب معلومات صرح بها فتحي البعجة نفسه لصحيفة ميادين في أعدادها الأولى، لكن يبدو أن خميس هو الذي غير مفاهيم البعجة عن الديمقراطية برفضه للتعددية السياسية، بسبب احتمال (( احتمال أن تأتي بالإسلاميين)) . خالد السايح عن بنغازي، سالم قنان عن نالوت، احبيل، من الجبل الغربي، طاهر ذياب، وعبد المجيد سيف النصر.

قصة اجتماع اليوم.

أمس قام البعجة ومجموعته بقفل هواتفهم، حتى يتجنبوا اجتماعهم مع د الكوني اعبوده، د صلاح المرغني، د الهادي بوحمرة، خوفا من تأثير اللجنة الفنية الاستشارية وما يملكونه من حجج قوية تبرر تعديل قانون الانتخابات، وفي اليوم التالي حضروا وأنكروا شرعية إقراره بطريقة 136 للقوائم و 64 للمستقلين، واتهم البعجة الإخوان بالعمالة لصالح أمريكا، ( نلاحظ منطق القذافي المتفشي كمرض مستشري عند البعجة) فرد عليه د ميلاد منصور عضو الانتقالي عن غريان، بأنه ليس من الإخوان ومع ذلك يؤمن بضرورة التعددية الحزبية، فاتهمه البعجة بأن الإخوان قد دفعوا له المال من أجل أن يؤيد التعددية السياسية والحزبية، فقال عبد الرزاق العرادي عضو الانتقالي عن طرابلس، بأنهم إذا كان غير مرغوب بوجودهم بالمجلس فسيعلنون استقالتهم، كما قال نفس الكلام أحمد الدايخ، فصفق البعجة لهم مرحبا بذلك.

وقال عثمان المقيرحي أن اللجنة الاستشارية الفنية أعضاؤها خونة، وسبب خيانتهم تمسكهم بالتعددية الحزبية والسياسية، ونحن كنا نثق فيهم فإذا بهم مجموعة من الخونة والإخوان المسلمين الذين يريدون السيطرة على المؤتمر الوطني. وهذا مما قد يعرض حياة أعضاء اللجنة الاستشارية للخطر في ظل انتشار السلاح، ولذا سأقوم أنا شخصيا برفع دعوى قضائية ضد عثمان المقيرحي عضو الانتقالي عن طبرق لاتهامه للجنة كنت أحد أعضائها بالخيانة.

فقام عضو انتقالي عن صرمان وهو رجل أعمال مشهور فرحات الشرشاوي قال نأخذ بنظام 120 مقعد للمستقلين، و80 للقائمة، وعلى هذا الأساس الممسرح انفض الاجتماع، وطلب مصطفى عبد الجليل من أحمد الدايخ ضرورة الموافقة على مقترح الصادق الغرياني بالانفراد بالإفتاء، مخالفا مقترح الدايخ بضرورة تشكيل مجلس للإفتاء يضم جميع التخصصات، وتمسك الصادق الغرياني بضرورة عرض كل القوانين والقرارات عليه لإقرارها قبل نفاذها، مخالفا بذلك المعايير المتعارف عليها في إصدار القوانين والقرارات.

انقلاب العلمانيين على الديمقراطية.

اتضح بما لا يدع مجالا للشك أن العلمانيين هم من يبارزون الديمقراطية والتعددية السياسية العداء البين والصريح، بل ويكرهون التعددية السياسية، نتيجة فشلهم وعدم وجود أي سند لهم داخل الشارع الليبي ولفوقية خطابهم وعجزه، وعدم قدرتهم على تنظيم أنفسهم، لذا يستعملون سياسية أنا ومن ورائي الطوفان، أو علي وعلى أعدائي، ويرهنون مستقبل بلد بالكامل لحساب أهدافهم الخاصة.

كما اتضح أيضا وبما لا يدع مجال للشك أن الإسلاميين بليبيا هم الأحرص على الديمقراطية، وعلى التعددية السياسية والحزبية بصرف النظر عن نتائجها.

لم يتعلم العلمانيون بعد ما يسميه علماء السياسة الثقافة المدنية والتي تعني الالتزام المخلص بمجموعة من قيم المساواة وتقبل الرأي الآخر والاستعداد للمشاركة والتهيؤ لقبول الهزيمة دون الإحساس بأن في ذلك إهانة أو إهدار للكرامة. وهذه الثقافة لا يمكن صوغها ضمن سلسلة من التشريعات والقوانين، بل تتراكم وتترسخ تدريجيا من خلال القدوة والممارسة من جانب الحكام والمحكومين على حد سواء.

عودة المبادرة للشارع

الشارع الذي بادر بالانطلاق في تدشين ثورته دون إشارة من أحد أو فتوى تحلل له أو تحرم عليه الخروج، سيعود ويمتلك زمام المبادرة من جديد، لأن المجلس الوطني الانتقالي انحرف انحرافا خطيرا عن المسار الديمقراطي القائم على التعددية السياسية والحزبية، بحجج واهية ولصالح أجندات ضيقة، فإذا كان الإسلاميون يسعون للتعددية السياسية، لأن الشارع يسعى لها، لأنها تعني أي التعددية السياسية وببساطة مشاركة الشارع في صنع القرار السياسي، ولن تنطلي ما سبق وأن روجه بعض الموسوسين بأن الناس تحتاج إلى المعرفة لا الايدولوجيا، وهي حجة سخيفة نتيجة إفلاسهم الداخلي وعدم قدرتهم على التواصل مع الشارع، وحتى يسلم لهم الشارع، لأنهم سيقولون لهذا الشارع أنت جاهل ولا تملك ما نملك من معرفة، فسلم لنا زمام أمرك ولا تشاركنا في شيء، كل دورك أيها الشارع أن تسلم لنا نفسك، ولا تسأل ولا تشارك ولا تراقب.

على الشارع الذي رفض احتقار القذافي له، ورفضه لئن يكون شريكا في صنع مستقبله، أن يرفض نفس المنطق الذي ينتهجه المجلس الوطني الانتقالي، برفضه لئن يكون الشارع الليبي شريكا أساسيا له، بل إن بعض أدبيات وسلوكيات القذافي المتعلقة بشخصيته بدأت تظهر واضحة في سلوك بعض أعضاء المجلس الوطني الانتقالي.

الليبراليون يتهمون الشارع بالجهل والتخلف والعاطفية وفقدان العقل في حال اختار الإسلاميين، وبالعقل وبالشجاعة وبالتقدمية في حال اختارهم هم.

وهم هم من سبق وأن تحالفوا مع معظم الأنظمة الديكتاتورية في الوطن العربي، وفقدوا بالتالي ثقة الشارع بمصر وتونس والمغرب، سألت صديق تونسي التقيته بالأردن، لماذا اخترتم حزب النهضة؟ قال وببساطة لأنهم شرفاء. ولم يتحالفوا مع نظام بن علي، وكانوا يقدمون الخدمات الاجتماعية يوم أن غابت الدولة ويساعدون الناس.

كذلك فعل الإخوان بمصر على الصعيد الاجتماعي يوم أن أعلنت الدولة إفلاسها وعجزها عقب الزلازل الذي اجتاحها أوائل تسعينات القرن الماضي، أنقذ الإسلاميون آلاف الأسر من التشرد، أعلمتم لمن يجنح الناس؟! لمن يساعدهم لا لمن يتعالى عليهم.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 27 / 2178810

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

13 من الزوار الآن

2178810 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 14


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40