الجمعة 3 شباط (فبراير) 2012

الجامعة العربية، الميثاق والأزمة السورية

الجمعة 3 شباط (فبراير) 2012 par رغيد الصلح

اقترنت المناقشات التي دارت في مجلس الأمن عن الأزمة السورية بردود فعل إيجابية وتفاؤل كبير لدى الأطراف التي ترى أن تغيير النظام في دمشق هو الطريق الأنجح إلى إنهاء الأزمة التي تمر بها سوريا . بالمقابل قوبلت الجهود والمبادرات التي أطلقتها جامعة الدول العربية بالتحفظ الشديد والنظرة المتشائمة من قبل الأطراف نفسها . في هذا السياق وجد البعض أن الجامعة تتدخل “لإعطاء النظام السوري المهلة تلو الأخرى حتى يتمكن من وأد الثورة وتحويل سوريا إلى أرض محروقة” . على خلفية هذه النظرة، دعت هذه الأطراف الجامعة إلى إعلان فشلها في إيجاد حل للأزمة السورية وإحالة الملف السوري إلى مجلس الأمن باعتبار أنه الأقدر على إيجاد حل للأزمة السورية . فهل كانت هذه الأطراف محقة في تقييمها لدور الجامعة في الأزمة السورية؟ ولئن فشلت الجامعة حقاً في إيجاد حل لهذه الأزمة، وإذا صح ذلك، فكيف يمكن تفسير هذا العجز؟

تضمنت مقاربة الجامعة للأزمة السورية عدداً من الخطوات كان من بينها رسم إطار عام لما دعي بالخطة العربية لحل الأزمة السورية، والتداول في الأدوات المساعدة على تحقيق أهداف هذه الخطة مثل إرسال المراقبين إلى سوريا لحماية المدنيين وإنهاء العنف، وعلى هامش الخطة وإرسال المراقبين مورست على الحكومة السورية ضغوط سياسية واقتصادية وإعلامية واسعة بلغت حد التلويح بإرسال قوات عربية إلى سوريا بغرض حماية المدنيين فيها من المؤسسات الأمنية . فهل حققت أية خطوة من هذه الخطوات أهدافها؟

الهدف الأساسي للخطة العربية التي تبنتها الجامعة هو تسريع الانتقال إلى الديمقراطية وإحاطته بضمانات ملموسة تؤكد جدية القرارات والخطوات التي تتخذها الدولة السورية في هذا الاتجاه . كانت عناوين هذه الخطة تشكيل حكومة وحدة وطنية تضم الموالاة والمعارضة معاً، واستبدال نظام ديمقراطي تعّددي بالنظام القائم في سوريا، وإجراء انتخابات عامة نزيهة وحرة على مراحل لاختيار جمعية تأسيسية تضع دستوراً جديداً للبلاد يطرح على استفتاء شعبي، ومن ثم اختيار مجلس تشريعي واحترام قاعدة تداول السلطة وحقوق السوريين في التعبير عن رأيهم وفي الاجتماع، وتكوين الأحزاب والتأهيل الديمقراطي للأجهزة الأمنية السورية .

توفر هذه الأهداف والمبادئ إطاراً سليماً لحل الأزمة السورية وإخراج سوريا من محنتها . وهي تقدم إجابة صحيحة عن الكثير من المشكلات التي تعترض الطريق السوري إلى النهضة والتنمية والتقدم، ولتعزيز دور سوريا الإقليمي والعربي، وحماية المصالح السورية والعربية من التهديدات والتحديات . ولقد نحت الجامعة في تقديم مثل هذا الحل المنحى نفسه الذي مشت عليه السوق الأوروبية المشتركة ومن بعدها الاتحاد الأوروبي في معالجة المشكلات التي عانت منها القارة الأوروبية .

لقد عانت أوروبا من الحروب ومن المآسي الكثيرة بسبب غياب الديمقراطية . لذلك كانت دمقرطة القارة الأوروبية هدفاً أساسياً للسوق وللاتحاد، وجرى تثبيت هذه الأهداف في الإعلان الأوروبي في مطلع التسعينات، وتمت بلورة شروط التحول الديمقراطي في وثائق مهمة صدرت عن الاتحاد مثل “شروط كوبنهاغن” الذي أدرجت فيه تفاصيل التحولات الديمقراطية التي ينبغي أن تطبقها أية دولة تود الانضمام إلى الاتحاد قبل قبولها عضواً فيه .

بالمقارنة بين المقاربة الأوروبية للمسألة الديمقراطية ومقاربة الجامعة العربية لهذه المسألة، يمكننا العثور على ثغرة رئيسة تشكو منها مقاربة الجامعة . فالدول الأوروبية الست التي وقعت معاهدة روما العام 1957 لكي تؤسس السوق، كانت كلها تطبق النظام، والدول الخمس عشرة التي أسست الاتحاد الأوروبي عام 1992 طبقت كل أو معظم شروط التحول الديمقراطي . هذا الأمر لا ينطبق على مبادرة الجامعة العربية، فمن الأرجح أن تسقط الدول العربية في “امتحان كوبنهاغن”، إذ إنها لم تحقق شروط الانتقال إلى الديمقراطية . هذا الواقع يفقد خطة الجامعة الكثير من مصداقيتها ومن زخم التأييد العام لها، إذ إنه سوف يثير أسئلة وإشكاليات لا تستطيع الجامعة أو المجلس الوزاري العربي الذي تابع المسألة السورية، تقديم إجابات مقنعة عنها .

يمكن للجامعة إغلاق هذه الثغرة واكتساب المزيد من المصداقية ومن ثم القدرة على التأثير في الحكومات الأعضاء، إذا أدخلت إضافات وتعديلات أساسية على ميثاقها بحيث لا يقتصر هدفها على التنسيق بين الدول الأعضاء، بل ويتجاوز ذلك إلى العمل على تنفيذ التحولات الديمقراطية في الدول العربية كافة من دون استثناء . كذلك إذا تضمت هذه التعديلات كل التفاصيل التي أشارت إليها الخطة العربية لمعالجة الأزمة السورية مثل إجراء انتخابات حرة ونزيهة بإشراف عربي ودولي، ووضع مشروع دستور يطرح على استفتاء عام بغية التثبت من موافقة أكثرية كبرى من المواطنين عليه . وغير ذلك من المبادئ والترتيبات والضمانات القيمة التي تضمنتها خطة الجامعة التي تصح أساساً للإصلاح السياسي في المنطقة العربية .

قد يقول البعض هنا إن خطة الجامعة العربية لم تعد ذات أهمية بعد أن نقل الملف السوري إلى مجلس الأمن، وبعد أن وضعت الدول الكبرى يدها على هذا الملف . ربما كان هذا الأمر صحيحاً لو أن هناك مؤشرات تؤكد نجاح هذه الدول في التوصل إلى مقاربة مشتركة للأزمة السورية . المداولات الأولية للمجلس لا تؤكد هذا الاحتمال بل تستبعده، والعقبة الرئيسة هنا أمام الوصول إلى المقاربة المشتركة هي الموقف “الأوراسي” الصيني الروسي المدعوم من دول “بريكس” وليس موقف موسكو وحده . وغياب التفاهم بين الدول والقوى الكبرى على المقاربة المشتركة، يفسح المجال أمام إعادة الأزمة السورية إلى الجامعة العربية .

إن صعوبة إصدار قرار أممي في الشأن السوري قد يعيد الأزمة السورية إلى الجامعة العربية، ولكن سواء اتخذ مجلس الأمن قرارات حاسمة في صدد هذه الأزمة أم لا، وسواء أعيد الملف السوري إلى الجامعة أم بقي في نيويورك، بل حتى إذا تم التوصل إلى حل للأزمة السورية أم لا، فإن مشروع الحل الذي تقدمت به الجامعة، والذي عد الدمقرطة أساساً لحل أزمة بلد عربي، يبقى أساساً سليماً لحل أزمات المنطقة العربية المستعصية البعيد منها والقريب، المستتر والظاهر .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 21 / 2165937

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

20 من الزوار الآن

2165937 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 13


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010