الأربعاء 25 كانون الثاني (يناير) 2012

ما هي الأسباب الحقيقية لإحالة الملف السوري إلى “مجلس الأمن”؟

الأربعاء 25 كانون الثاني (يناير) 2012

رغم التهويل الإعلامي الصخب المواكب لإحالة جامعة الدول العربية ملف الأزمة السورية إلى مجلس الأمن الدولي، والمتزامن مع التحريض القطري للمجموعات المسلحة على متابعة نشاطها الأمني بذريعة “الدفاع عن النفس” في سبيل إنهاك السلطات السورية، ومحاولة زيادة الضغوط عليها لتحسين شروط التفاوض معها، بعد فشل كل محاولات النيل من سورية ودورها في دعم حركات المقاومة في المنطقة، تأتي اليوم خطوة “الإحالة” إلى مجلس الأمن، لتشكل تراجعاً استراتيجياً واضحاً، وهروباً إلى الأمام، ومحاولة إقصاء ذاتي لبعض الدول العربية عن إدارة المؤامرة على سورية، بعد اقتناعها الضمني بقوة النظام في دمشق وتماسكه، والتماسها للتأييد الشعبي الكبير الذي يحظى به، ما يحتم سقوط أي محاولة جديدة لاستهداف الاستقرار السوري من الداخل، أو من خلال تسلل المسلحين وعمليات تهريب السلاح إلى الأراضي السورية عبر الدول المجاورة.

فبعدما سُدّت كل الطرق في وجه المتآمرين، وباتوا على وشك إعلان فشلهم في تنفيذ الأجندة الأميركية - الأوروبية الموكلة إليهم، والرامية إلى ضرب منظومة الممانعة في المنطقة التي تشكل سورية عمودها الفقري، قرروا اللجوء إلى مجلس الأمن لتحقيق هدفين في آن معاً.

أولاً: رمي “كرة النار” في المعلب الدولي، الأمر الذي يؤشر إلى سعي الجامعة العربية إلى التخلص من الملف السوري، خصوصاً بعد صدور التقرير الأول لرئيس لجنة المراقبين العرب محمد مصطفى الدابي الذي أقر بوجود مجموعات مسلحة تعمل على ضرب الاستقرار في سورية، وتعاون كبير من السلطات السورية مع مهمة المراقبين، الأمر الذي لم يكن متوقعاً لدى دول الخليج العربي، وشكّل عائقاً جديداً أمام مهتمها، وأخرجها عن طورها ودفعها إلى سحب مراقبيها من سورية.

ثانياً: إعطاء ذريعة عربية لأعضاء مجلس الأمن، لإقناع روسية والصين بالتخلي عن سورية، وتصوير الوضع السوري أمامها أنه وصل إلى حائط مسدود، بعد فشل الحلول العربية، وبالتالي حثهما على الموافقة على صدور قرار أممي يدين دمشق.

غير أن هذه الخطوة لم تشكل أي جديد، فالملف السوري طرح سابقاً على طاولة مجلس الأمن، فلاقى رفضاً روسياً - صينياً مشتركاً لاتخاذ أي قرار دولي يشكل اعتداء على السيادة السورية، ما دفع أصحاب مشروع المؤامرة إلى إحالة “الملف” إلى الجامعة العربية، ما يشير إلى أن مشروع قرار إدانة النظام السياسي السوري عاد من حيث أتى وبات يدور في حلقة مفرغة، خصوصاً أن التشدد الروسي - الصيني، لايزال قائماً في رفض صدور أي قرار عن مجلس الأمن ينتهك السيادة السورية في ضوء تأكيد موسكو موقفها الثابت حول ضرورة تذليل الأزمة السورية بطرق سياسية ودبلوماسية وعبر حوار وطني شامل، دون أي تدخل خارجي.

أما الموقف الروسي الأشد حيال سورية، فعبرت عنه روسيا برسالة عسكرية، من خلال تزويد الجيش السوري بطائرات “ياك 130” المخصصة لمؤازرة الجنود في القتال الميداني، وإطلاق صواريخ جو - جو، لمواجهة الطيران المعادي.

وعلى الصعيد الأمني، أكد مصدر مقرب من دمشق، أن الحدود اللبنانية - السورية لاتزال تشكل مصدر قلق لدمشق، في ظل عدم استجابة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي لطلب السفير السوري في لبنان علي عبد الكريم علي، تعزيز الوجود الأمني اللبناني على الحدود، لمنع أعمال التسلل وتهريب السلاح إلى العمق السوري .

في المحصلة، تشير كل الوقائع الميدانية والمعطيات السياسية إلى أفول المؤامرة على سورية ، فإن محاولات التضليل الإعلامي والسياسي، لن تغيّر في الواقع شيئاً.

من جهة أخرى نجحت الضغوط العربية والدولية على “المعارضة الخارجية” السورية في ضبط خلافاتها وتأجيلها إلى مرحلة لاحقة، تحضيراً للمرحلة الأصعب، التي بدأت ترتسم معالمها بوضوح مع التورط السعودي المعلن في الأزمة السورية، بعد أن دأبت الرياض على ترك القيادة الفعلية لإمارة قطر؛ “الدولة العظمى” كما وصفها ذات يوم رئيس الحكومة اللبنانية السابق سعد الدين الحريري.

وتقول مصادر عربية واسعة الإطلاع، إن المرحلة التالية من الهجمة على سورية ستكون خارجية بامتياز، بعد فشل المقاربات الداخلية العسكرية وغير العسكرية التي قامت بها المعارضة السورية طوال الفترة السابقة، غير أن الثمن الذي يجب أن يدفعه المجلس الوطني للانتقال من الحضن القطري إلى السعودي، قد يكون غالياً بعض الشيء، خصوصاً لجهة استبعاد أسماء معينة والإتيان بأخرى، كمثال المعارض السوري - غير المعروف - نوفل الدواليبي، الذي يعمل من الرياض، ويسعى إلى تشكيل مجلس وطني “انتقالي”، وكذلك “حكومة ثورية”.

وأشارت المصادر إلى أن اتصالات سعودية مع قيادة الإخوان، لم ترتقِ بعد إلى مرحلة اللقاءات المباشرة الرسمية، قام بها مراقب الإخوان الذي “مُنح” تأشيرة دخول إلى السعودية من دون أن يحظى بنعمة اللقاء المباشر مع القيادات السياسية، واكتفت بتدبير لقاءات له مع شخصيات سياسية من المستوى الثالث من خارج الإدارة السياسية الفعلية في الرياض، بالإضافة إلى لقاءات مع مسؤولين في الاستخبارات السعودية، وضعوا له بوضوح بالغ “لائحة المطالب السعودية” من أجل الدعم المباشر لهذه القوى، وتقول المصادر إن السعودية تفضل العمل مع غير الإخوان، نتيجة “تجربة غير مشجعة مع إخوان مصر”، ولهذا تريد أن يكون هناك من يمثلها داخل المجلس الوطني.

وأوضحت المصادر أن الجواب السعودي باستقبال وفد “مجلس اسطنبول” كان الثمرة الإيجابية الأولى للقاءات مراقب الإخوان، خصوصاً أن هذه اللقاءات ترافقت مع تصعيد عربي مفاجئ قادته السعودية يهدف إلى تدويل الأزمة في سورية، والضغط من أجل المزيد من التوتر في الداخل السوري.

وكشفت المصادر عن رغبة لدى السعوديين باستدعاء “المعارضين” العاملين في الداخل - من غير الميدانيين - إلى الخارج، وهو ما بدأت دلائله مع خروج بعض هؤلاء كجورج صبرة وسهير الأتاسي من سورية، بالإضافة إلى شخصيات أخرى يجري العمل على تهريبها من الداخل السوري بطريقة ممنهجة ومنظمة، بعد أن أصبح وجودهم في الداخل “غير ذي نفع”، لعدم قدرتهم على التأثير في الشارع.

نوفل الدواليبي هو ثري سعودي - سوري، يلقَّب في الرياض بـ“رفيق الحريري السوري”، وقد كان العرض السعودي واضحاً بإمداد المعارضة السورية بمليار دولار للمرحلة المقبلة، من أجل تحقيق هدف إسقاط النظام، عبر إعلان الدواليبي عن رغبته في إنشاء حكومة منفى مؤلفة من أحد عشر وزيراً برئاسته، يكون فيها وزير الدفاع ونائب لرئيس الوزراء يعمل على دعم الجيش السوري الحر لحماية المدنيين كمكون أساسي يتبع هذه الوزارة وزيراً للخارجية ووزراء آخرين، معلناً عن اعتماد هذه الوزارة المؤقتة في المنفى ميزانية مقدارها مليار دولار أميركي للأشهر المقبلة.

ورغم أنه ليس من الواضح بعد مدى جدية الرياض في دعم الدواليبي، إلا أن المصادر العربية التي لم تسقط من حسابها أن يكون “أداة ضغط” لتحسين الشروط، مشيرة إلى أن في جعبة الرياض “أكثر من دواليبي”.

- حسان الحسن / الثبات



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 14 / 2177890

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع تفاعلية  متابعة نشاط الموقع ريبورتاج   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

10 من الزوار الآن

2177890 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 11


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40