الأحد 15 كانون الثاني (يناير) 2012

درس إيراني

الأحد 15 كانون الثاني (يناير) 2012 par عبداللطيف مهنا

كثر محللو وقارئو كف الاحتمالات التي قد يؤدي لها احتدام الأزمة المتعلقة بالملف النووي الإيراني والتي مسرحها الراهن مضيق هرمز. هناك من أدهشتهم نبرة التحدي الإيرانية الموجَّهة لمن لا تزال تعد القوة الأعظم المهيمنة في العالم، وآخرون من دب فيهم الذعر وهم يسمعون بحكاية الخطوط الحمر الأميركية التي لن يُسمح بتجاوزها، وهناك من طفقوا يعدون الساعات والأيام التي قد تسبق لحظات الانفجار المقترب. كما لم نعدم من شكك في جدية التهديدات الإيرانية، وحتى من كان يتحدث عن صفقة ما محتومة تقترب بين أصحاب الخطوط الحمر ومن يتوعَّد بتجاوزها. حتى الآن لم يتراجع الإيرانيون عن مواقفهم ولم يتزحزحوا عنها. لم يعبأوا بتحذيرات بانيتا، ولا يبدو أنهم يأخذون خطوطه الحمر في حسبانهم، بل ينصحونه بعدم إعادة حاملة طائراته وتوابعها الى الخليج بعد مغادرتها، كما لم يلتفتوا كثيراً لإدلاء البريطانيين بدلوهم عبر إرسال حاملة طائراتهم الفخورين بها «ديرينج» وتوابعها إلى المنطقة... مازالوا يؤكدون أنه في حال منعهم من تصدير نفطهم فلن يتوانوا عن إغلاق مضيق هرمز فمنع تدفق 17 مليون برميل نفط تمر عبره يومياً باتجاه عالم يعاني أزمة اقتصادية كونية ويرتعد لمجرد تصور اقطاع شريان الطاقة هذا عنه... فالمناورة البحرية الإيرانية الأخيرة المستعرضة للقوة في الخليج ومضيقه وما تخللها من اطلاقات صاروخية متعددة المديات المستهدفة الردع. والمناورات البرية التي تلت على مقربة من الحدود الأفغانية وما يعنيه اختيار مسرحها. ولاحق الإعلان عن مناورات أخرى قادمة مسرحها يتسع من مضيق هرمز وحتى مضيق باب المندب مروراً ببحر عُمَان وخليج عدن ... والإعلان عن بدء تخصيب اليورانيوم بدرجة العشرين في المئة في مفاعل فوردو المستجد المتحصن تحت الأرض في جبال قم ...... بالمقابل، حتى الآن يوالي الأميركان إرسال رسائلهم عبر الطرق الدبلوماسية، والمرسال التركي، يبتغون تهدئةً لا تصعيداً، ورغم كل ما نسمعه من ضجيج في كل الغرب المنذر المتوعِّد، نسمع في «البنتاجون» من يقول : «إن كلام الإيرانيين متشدد جداً ولابد من تهدئة الأمور، نريد بالفعل تهدئة التوتر حول مضيق هرمز المعبر البحري المهم»، ويتساءل ليجيب، ربما مبرراً جنوحه للتهدئة، «هل يقومون بإنتاج سلاح نووي؟ لا، لكننا نعلم أنهم يسعون الى امتلاك قدرة نووية وهذا يشعرنا بالقلق»... ومع هذا القلق، يمضون مهدئين بالإعلان عن أن حاملة طائراتهم ومجموعتها التي غادرت الخليج لن تعود إليه، لكنها ستراقبه من المحيط الهادئ ، ولاحقاً عندما أعلنوا عن توجه حاملتي طائرات أخريين مع ما برفقتهما من سفن الحرب الى بحر العرب لم يفتهم التأكيد على أن جولتهما «روتينية ولا علاقة لها بالتهديدات الإيرانية»... ترى ما هو سر هذا التحدي الإيراني وما يقابله تهدوياً؟!

لندع خطوط بانيتا الحمر جانباً، وكذا العامل «الإسرائيلي» الفاعل تحريضياً ودافعه قلق حقيقي من تطور القدرات الإيرانية وتعاظم النفوذ الإيراني في المنطقة، فهو وإن كان المؤثر بلا منازع، ومهما تعالى تهويشه، يظل المنضبط الذي لا يجروء على الخروج على الإيقاعات الإستراتيجية الغربية الرئيسية وثوابت المصالح الأميركية أو ما درج عليه من التواؤم معها، وعليه، لن تقدم «إسرائيل» على عدوان على إيران دون تنسيق ومباركة أميركية، ولعله غير المتوافر راهناً لأسباب سنعرض لبعضها لاحقاً، كما لما استخلصته من دروس من تجربتين مريرتين في حربيها العدوانيتين الأخيرتين على لبنان في العام 2006 وغزة في العام 2008 ... لندع هذا جانباً ولنعد لسؤالنا فنقول : لا يعزو هذا التحدي الإيراني المشهود إلا لأمرين، الأول : إن إيران، ورغم أنها المعتادة على شتى أنواع الحصارات منذ أن كانت ثورتها الإسلامية، لن ترى في خطوة بخطورة وتأثير منعها من تصدير نفطها أقل من إعلان حرب لا تملك إلا مواجهتها والرد عليها وبمستواها، دون إغفالها للحرب الأخرى الموازية التي لم تتوقف يوماً ولن تتوقف ضدها وستتصاعد، أي الاستخباراتية، والتي منها مطاردة علمائها اغتيالاً وخطفاً، كما جرى في الأيام الأخيرة من استهداف للعالم الرابع خلال عام واحد في هذه السلسلة الجهنمية من العمليات الإرهابية التي تشن لحرمانها من عقولها... والحروب المستهدفة لها عبر استهداف حلفائها في المنطقة، الحرب على سوريا، على «حزب الله»، و«حماس» وفصائل المقاومة الفلسطينية. والثاني : يدرك الإيرانيون ما بات يدركه كل العالم الذي كابد عقدين من العربدة الأميركية، وهو أن بدايات أفول زمن الهيمنة الأميركية الكونية قد دقت ساعته، وأن حدود قدرتها الجامحة بات يفضى إلى عجز فتراجع كشفت عن مستوره نتائج الحربين العدوانيتين على العراق وأفغانستان ويعبر عنه قتاد حصادهما بتجلياته المختلفة، العسكرية والاقتصادية والأخلاقية، وما تبع بالتالي من تخبط غدا من سمات سلوك الإمبراطورية المنكفئة الآفلة الهيبة. الأمر الذي حتما يسرِّع من ارتخاء قبضتها على عنق العالم، ليغري عديد القوى الصاعدة الطامحة لانتزاع أدوارها التي ترى أنها تستحقها، أو المشاركة في إدارة شؤون عالم ضاق ذرعاً ببلطجة آحادية القطبية الأميركية، لذا، فلم لا تسارع طهران كسواها للإفادة من فرص تتاح لملء الفراغات التي تنجم عن متوالية هذا الأفول؟!

إلى هذين الأمرين، يمكن إضافة، دخول واشنطن لجة الانتخابات الرئاسية بمزايداتها ومحاذيرها، ورفض المزاج الشعبي الأميركي للتورط في حرب مضافة الى فاشلتين سبقنها يعاش راهناً تداعياتهما وذيولهما، ثم ان الأميركان يدركون عظم حجم ما راكموه من عداء تليد لهم ورفض لسياساتهم في العالمين العربي والإسلامي أسهم ازدياد منسوب حماقاتهم وعدوانيتهم في العقدين الأخيرين في إثرائه وتعميقه، وقد لا يرغبون الآن، على الأقل، في المزيد.

وإذ بدأ الأميركان، وفق استراتيجية أوباما المعلنة مؤخراً، يستبدلون حروبهم المباشرة المكلفة والفاشلة بالقذرة التي لهم فيها تراث وباع طويل، واعتماد القوة ذات المنحى الإلكتروني والأبعاد التكنولوجية المتطورة والأقل اعتماداً على العامل البشري، والتركيز على تعزيز بحريتهم في المحيطات، وغدت «إسرائيل» تعد للعشرة قبل شن حرب عدوانية جديدة في المنطقة تعلم أنها لن تنجو من عواقبها، ما الذي يمنع إيران من مزاولة التحدي، لاسيما وإنها تدرك أن جاريها الكبيرين، الروسي العائد من بياته الشتوي والصيني المتحفز لدورٍ يستدعيه وزنه الكوني المتعاظم، يلتقيان معها في المصالح ويباركان مواربةً تحديها. هذا التحدي الذي حمل الرئيس نجاد الى أفنية الحديقة الخلفية للولايات المتحدة، أميركا اللاتينية، المائرة بنزعتها الاستقلالية ونشدانها الانعتاق من ربقة التبعية الأميركية ... هل هناك من مواجهة لا يريدها لا الأميركان ولا الإيرانيون ولا دول المنطقة ولا عطشى الطاقة في الغرب والشرق؟!

حتى الآن فرص التهدئة ومكره التعايش هما الأقوى ... ويظل السؤال : هل العرب في وارد الإفادة من مشهود الدرس الإيراني؟؟!!



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 33 / 2165305

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

21 من الزوار الآن

2165305 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 21


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010