الجمعة 13 كانون الثاني (يناير) 2012

جمال عبد الناصر في مواجهة الصحافة

الجمعة 13 كانون الثاني (يناير) 2012 par د. هدى جمال عبد الناصر

نبتت فكرة هذا الكتاب عندما كنت أعد موقعاً على الـ «فيسبوك» «جمال عبد الناصر الغائب الحاضر»، أثناء ثورة 25 يناير. وبالطبع عندما رجعت إلى خطبه وتصريحاته وحواراته الصحفية (1)، كنت أبحث عن أوجه التشابه والاختلاف بين الثورتين، والبعد التاريخي لكل منهما. لقد وجدت نفسي أمام تراث ثري عميق، يلقي بضوئه على ما نعيشه الآن بأحداثه وتفاصيله ومشاعره.

لقد راجعت هذه الحوارات مع الخطب مرتين من قبل - وقد نشرت في 12 مجلداً منذ ست سنوات - ولكن هذه المرة كان وقعها مختلفاً. فقد قمت بإعدادها للنشر أولاً وفي قلبي غصة وألم، فكل تلك المبادئ الوطنية الحقة، وتلك الرؤى التي كانت تهدف الى رفعة الوطن والمواطن ومجد الأمة العربية بأكملها، كانت قد دُفعت عنوة في زاوية النسيان. ولكن رهاني كان على الشباب، فقد أصررت أن يعرف حقيقة تاريخه وماضيه المشرف، إلا أنني أعترف أن ما حدث في 25 يناير لم يقترب من خيالي. لقد فاقه الى أبعد حد.

لقد أحدثت ثورة 25 يناير، ولم يمض عليها أكثر من عدة أشهر، تغييراً جذرياً في مصر، ولا أقول في الإنسان المصري؛ فالتغيير في البشر يحتاج إلى وقت حتى يتبلور في فعل ثوري.

إن ما حدث عندنا لهو دلالة على أن الثورة كانت كامنة في نفوس المصريين، فما أن انطلقت الشرارة بقيادة الشباب حتى استجاب لها الجميع، وهي في هذا تتشابه مع ثورة 23 يوليو، مع الفارق أن شباب الضباط كانوا هم الطليعة الثورية.

وباختصار.. فإنني فجأة وأثناء ثورة 25 يناير وجدت الحياة تدب في النصوص، وأخَذَت وضعها الحي في حاضر هذه الأمة.

لقد تم في فترة وجيزة إحياء جميع القضايا الداخلية والخارجية التي دافع عنها جمال عبد الناصر من أجل مصر، وضحى بحياته في سبيلها.

- القضاء على الاستعمار والتبعية السياسية والاقتصادية، ومساندة حركات التحرر في العالم العربي وإفريقيا وآسيا.

- القضاء على الإقطاع والاحتكار وسيطرة رأس المال على الحكم.

- تحقيق العدالة الاجتماعية، وتكافؤ الفرص، وتذويب الفوارق بين الطبقات.

- تعميق المشاركة السياسية والوحدة الوطنية.

- سياسة خارجية مبنية على مبادئ الأمن القومي المصري، وساحته الممتدة من المحيط الى الخليج، وقائمة على علاقات الند للند، وعدم الانحياز.

- خطة اقتصادية تعبئ جميع الموارد الوطنية، وتخلق الوظائف للشباب، ومشروعات كبرى في مختلف المجالات تلبي الحاجات الحاضرة، وتؤمن مستقبل الأجيال القادمة.

وأكثر ما أثر في نفسي أثناء العمل في هذه الحوارات الصحفية هو ثبات جمال عبد الناصر على المبدأ، لم يتزحزح أو يلين منذ 1952 وحتى 28 سبتمبر/أيلول 1970، وأوضح مثل على ذلك إصراره على رفض نزع سلاح سيناء بعد عدوان 1967، على أساس أن ذلك يجعل قوات العدو «الإسرائيلي» على بعد اثنتي عشر ساعة من القاهرة.

وقد احتلت القضية الفلسطينية والصراع العربي -«الإسرائيلي» الجزء الأكبر من الحوارات مع جمال عبد الناصر؛ باعتبارها جوهر الأمن القومي المصري، فلم يكل خلال أكثر من ثمانية عشر عاماً عن شرح أهداف «إسرائيل» التوسعية، وقضية الشعب الفلسطيني والجرائم التي ارتكبتها «إسرائيل» في حقه من اغتصاب للأرض أو التهويد، وتجاهلها لقرارات الأمم المتحدة التي تفرض حق العودة للاجئين الفلسطينيين والتعويض عما لحقهم من أضرار.

ومن الملاحظ أنه مهما حاول المحاورون استفزاز جمال عبد الناصر في موضوع «إسرائيل»، والتفاوض معها، والاعتراف بها، ومرور سفنها في قناة السويس؛ فإنه كان يرد بدبلوماسية وحقائق تاريخية تفصيلية حاسمة، يربط فيها بين ذلك كله وبين تطبيق قرارات الأمم المتحدة.

والمدهش أنه كان هو الذي يفرض الشروط لتلقي المعونات الاقتصادية والقروض؛ والمعروف أن تلك عادة ما تأتي من جانب المانح، كما كان يرفض الاستثمارات الأجنبية.

ورغم أنني لا أريد أن أتدخل في انطباع القارئ عن هذه الحوارات، إلا أنني أعتبرها نموذجاً للحوارات السياسية الناجحة، خصوصاً إذا قُرئت في إطار الظرف التاريخي الذي تمت فيه، والأوضاع السياسية الداخلية والخارجية، والضغوط الاقتصادية التي كانت تتعرض لها مصر.

إن جمال عبد الناصر في هذه الحوارات يكشف عن صفات جد مختلفة عن خطبه . وبرغم من كوني ابنته، إلا أنني أستأذن القارئ في أن أخط انطباعي الشخصي؛ والنص هو الحكم.

لماح، ذكاء مفرط، حاد عندما يتطلب الموقف ذلك، لا يلين في مبدأ أو عقيدة، دبلوماسي بلا تفريط، سلاحه دقة المعلومات واتساع المعرفة وعمق الرؤية التاريخية.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 22 / 2165758

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

21 من الزوار الآن

2165758 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 21


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010