الجمعة 13 كانون الثاني (يناير) 2012

دعم إيران سياسة لا بدّ منها

الجمعة 13 كانون الثاني (يناير) 2012 par د. سمير كرم

أصبح الضجيج الناتج عن طبول الحرب من جانب أميركا ضد إيران يغطي على الأصوات المطالبة بمنع هذه الحرب من الوقوع، حتى على الأصوات التي تحذر من أن النتيجة المنطقية والعملية الوحيدة المرتقبة لهذه الحرب هي هزيمة قاسية للولايات المتحدة.

وللحقيقة فإن مناهضي الدعوة الرسمية الأميركية الى حرب ضد إيران يؤدون دورهم على أكمل وجه ممكن في الولايات المتحدة بالذات. الأمر الذي يكشف عن مدى قصور - وحتى تقصير - أولئك الذين يفرض عليهم في المنطقة العربية الواجب القومي والمصالح المباشرة أن يكونوا في مقدمة المتصدين لسياسة الحرب الأميركية ضد إيران.

وقد يقال في هذا الصدد إن إيران تقوم بدور «استفزازي» - او ربما تحريضي - يؤجج اندفاع الولايات المتحدة و«إسرائيل» نحو مهاجمة إيران. والرد الموضوعي على هذا القول يأتي من جانب مناهضي الحرب الأميركيين لأنهم يشرحون فيما يشرحون الأسباب الدافعة لإيران لاتخاذ موقف التحدي للدولة الامبريالية الأولى في العالم وحليفتها الصهيونية. وقد ارتفعت أصوات مناهضي الحرب الأميركيين الى حد غير مسبوق، ولكنه يبدو حتى الآن غير كاف لإثناء حكام أميركا عن أهدافهم. فحتى الديموقراطية الأميركية، على اتساع صدرها داخلياً، تبدو غير كافية لمنع خطر الحرب الخارجية، ولهذا فإن ضجيج طبول الحرب التي تدقها صباح مساء أجهزة الإعلام والدعاية الرسمية الأميركية تعلو على أصوات المطالبين بالكف عن مزيد من الحروب الأميركية والهزائم الناجمة عنها.

ولعل أعلى الأصوات الأميركية المناهضة للحرب قد تقدمت بجسارة نحو تحذير حكام أميركا من دفع بلادهم نحو حرب جديدة، عندما وضعت ضمن حججها القوية ضد هذه الحرب في التوقيت الراهن عدداً من الحقائق التي ربما تكون قد غابت عن أذهان حكام منطقة «الشرق الأوسط» - وبصفة خاصة الخليج - أولها أن «حكام أميركا تسببوا خلال قرن كامل من ممارساتهم للعنف في العالم في مقتل عدد يربو على 230 مليوناً من الكائنات البشرية». (كارل هيرمان المعلق السياسي الأميركي على موقع غلوبال ريسيرش الالكتروني). ووصل الأمر - من جانب المعلق نفسه - الى حد الدعوة صراحة وبلا تردد الى «اعتقال مجرمي الحرب الأميركيين من جانب العسكريين الأميركيين ومن جانب من يملكون سلطة فرض القوانين من اجل وقف الحرب على إيران، وذلك بهدف وقف هذا التاريخ الإجرامي». وربما تنبغي الإشارة هنا الى أن المعلق الأميركي هيرمان ليس يسارياً متطرفاً او شيوعياً وليس إسلامياً متطرفاً كما قد يتصور بعض المراقبين لهذا الوضع في منطقتنا. بل إن هذا ينطبق على كل المعلقين الأميركيين الذين يقودون حملة وقف او منع الحرب الأميركية و«الإسرائيلية» على إيران.

ويضيف المعلق الأميركي هيرمان - بعد تسع نقاط يعدد فيها الحروب غير العادلة التي خاضها حكام أميركا ضد إرادة الشعب الأميركي خلال قرن من الزمان - فيؤكد وجود سببين أساسيين زائفين ترتكز عليهما الإدارة الأميركية الراهنة في دعوتها الملحة لشن هجوم عسكري على إيران، هما بالتحديد السببان اللذان استندت إليهما الحكومة الأميركية (حكومة جورج بوش) في شن حربها ضد العراق : الأول تعريض «إسرائيل» لتهديد مادي مباشر، الأمر الذي لم تقدم عليه إيران، والثاني امتلاك أسلحة للدمار الشامل، وحتى الآن فإن كل الأدلة تؤكد أن إيران إنما تسعى لامتلاك قدرة استخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية وحدها. ولهذا فإن الوقوف موقف التأييد من إدارة باراك أوباما في دعوته لشن حرب على إيران - بمشاركة «إسرائيلية» او بدون هذه المشاركة - هو ابتعاد عن الوقوف مع حكومة أميركية تدافع عن الحقوق التي لا يمكن إنكارها، والتي تبدأ بحق الحياة وحق الحرية.

وكي لا نقف عند حدود الاستشهاد بمعلق أميركي واحد فإننا نمضي الى ذكر ما ينبه إليه أستاذ القانون الدولي، البروفيسور الأميركي الأشهر في مجاله فرانسيس بويل، من أن «شن حرب ضد إيران هو عمل إجرامي وانتهاك للقانون الدولي... انتهاك للمادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة التي تتطلب تسوية سلمية للنزاع الدولي بين الولايات المتحدة وإيران. والأمر نفسه تتطلبه المادة 33 من الفصل الرابع من ميثاق الأمم المتحدة التي تقضي بإجراءات متعددة لا بد أن تتخذ من اجل التسوية السلمية للنزاع الدولي بين الولايات المتحدة وإيران».

ويضيف بروفيسور بويل إن الولايات المتحدة وإيران طرفان موقعان على معاهدة لاهاي لعام 1899 التي تنص على التسوية السلمية للمنازعات الدولية.

بالإضافة الى هذا فإن موقع «غلوبال ريسيرش» يؤكد أن الملاحة البحرية عبر مضيق هرمز إنما تتم دائماً على صلة مع القوات البحرية الإيرانية... والحقيقة أن القوات البحرية الإيرانية تراقب وتحكم بوليسياً مضيق هرمز على طول الحدود مع سلطنة عُمَان ...وما هو أكثر أهمية من ذلك أن العبور في خليج هرمز يقتضي من كل الملاحة البحرية، بما في ذلك البحرية الأميركية، أن تبحر في المياه الإقليمية الإيرانية. بل إن معظم عمليات الدخول في الخليج يتم عبر المياه الإيرانية، كما أن معظم عمليات الخروج يتم عبر المياه العُمَانية. إن إيران تسمح للسفن الأجنبية باستخدام مياهها الإقليمية تأكيداً لحسن النوايا من جانبها وعلى أساس القسم الثالث من معاهدة الأمم المتحدة الخاصة بقانون البحار والمتعلقة بنصوص المرور العابر التي تنص على أن السفن حرة في الإبحار عبر مضيق هرمز والممرات المائية المماثلة على أساس الإبحار السريع والمستمر بين ميناء مفتوح وأعالي البحار».

فهل تملك الولايات المتحدة القوة العسكرية التي تمكنها من فرض الملاحة في مضيق هرمز على الرغم من إرادة الجمهورية الإسلامية الإيرانية؟

الإجابة هي أن أي سيناريو حقيقي لصراع عسكري مع إيران يتطلب على الأرجح أن يستند الى قوة حاملات الطائرات الأميركية من خارج الخليج ومن الجانب الجنوبي من خليج عُمَان وبحر العرب. يضاف الى هذا أن القوة البحرية الأميركية تملك أولوية في القوة على كل القوى البحرية الأخرى في العالم، ولكن هذه الأولوية لا تعني المناعة. ان القوات البحرية الأميركية في خليج هرمز والخليج كله قابلة للهزيمة. فإن العوامل الجغرافية تعمل ضد قوة أميركا البحرية في مضيق هرمز وفي منطقة الخليج ككل. فهنا - كما يؤكد المحللون العسكريون المناهضون لحرب أميركية ضد إيران - يبرز تميز القدرات الصاروخية المتقدمة الإيرانية. وهذا هو السبب في أن الولايات المتحدة شغلت في الفترة الأخيرة بنصب نظام درع صاروخية في الخليج لبلدان مجلس التعاون الخليجي.

وفضلاً عن هذا يعتقد هؤلاء المحللون العسكريون أن زوارق الدورية الإيرانية الصغيرة الحجم في الخليج - والتي قد تبدو صغيرة وضعيفة وغير ذات قيمة أمام حاملة طائرات ضخمة أميركية، او حتى أمام مدمرة أميركية، تشكل خطراً يهدد السفن الحربية الأميركية. «المظاهر يمكن أن تخدع. فهذه القوارب الإيرانية يمكن أن تشن بسهولة وابلاً من الصواريخ التي تستطيع أن تلحق تدميراً واسعاً بسفن حربية ضخمة أميركية وأن تغرقها. وفضلاً عن هذا فإن قوارب الدورية الإيرانية بسبب صغر حجمها يصعب على السفن الحربية الأميركية كشفها واستهدافها».

والأمر المؤكد أيضاً أن باستطاعة القوات الإيرانية ومن مواقعها البرية داخل الأراضي الإيرانية في شمال إيران أن تشن هجمات صاروخية على القوات البحرية الأميركية. «وحتى المناورات البعيدة الأميركية أظهرت «للبنتاغون» أن حرباً مع إيران في الخليج يمكن أن تلحق كارثة بالولايات المتحدة وقوتها العسكرية. وأحد الأمثلة على ذلك هو مناورات millinium challenge (لتحدي الألفية) التي جرت في الخليج في الفترة ما بين 24تموز/يوليو الى 15 آب/أغسطس 2002 وهي مناورات استغرقت في الإعداد لها زهاء عامين، وكانت أضخم مناورات أجراها «البنتاغون» وأكثرها تكلفة. وقد أجريت في أعقاب قرار اتخذه «البنتاغون» بمواصلة الحرب في أفغانستان عن طريق استهداف العراق والصومال والسودان وليبيا ولبنان وسوريا، والانتهاء باصطياد الهدف الأكبر وهو إيران تأكيداً لأولوية القوة الأميركية في الألفية الجديدة. وقد صورت هذه المناورات - إنما بعد انتهائها - على أنها كانت رسمياً مناورات تمثيل حرب ضد العراق في ذلك الوقت. ولكنها في الحقيقة كانت لتمثيل حرب ضد إيران. وذلك لأن واشنطن كانت تخطط لمهاجمة إيران بعد غزوها للعراق في عام 2003».

تبين للولايات المتحدة بنتيجة إعادة هذا السيناريو في عام 2007 ان باستطاعة رد صاروخي جارف من جانب إيران أن يلحق خسائر هائلة بالقوات الأميركية تصل الى تدمير 16 سفينة حربية ضخمة للولايات المتحدة، منها حاملة طائرات وعشر طرادات وخمس سفن حربية برمائية.

يتضح من هذه المعلومات التي يمكن ان تفاجئ أي مراقب عربي او «شرق أوسطي» ولا يمكن أن تفاجئ المراقبين الأميركيين - خاصة العسكريين منهم - ان احتمال هزيمة أميركية في حرب تُشن على إيران ليس احتمالاً مستبعداً بل إنه احتمال مرجح، وهذا هو السبب الرئيسي وراء تردد الولايات المتحدة، على الرغم من ضجيج طبول الحرب الأميركية الذي بلغ أعلى مستوى له في الأسابيع الأخيرة من دون أن ينال من معنويات إيران والذين يؤيدونها في المنطقة.

هل هناك في المنطقة من يؤيد إيران في المواجهة الراهنة؟

هنا أيضاً ينبغي الفصل بين تقديرات النظم الحاكمة وتقديرات شعوب المنطقة.

وعلى الرغم من - او ربما بسبب - تحولات ما اسمي بالربيع العربي فإن النظم الحاكمة التي ازدادت اقتراباً من الولايات المتحدة - وفي مقدمها المملكة العربية السعودية والإمارات والممالك التي شاركت حلف الأطلسي والولايات المتحدة في غزو ليبيا واحتواء ثورتها وتوجيهها لحساب الأهداف الامبريالية، أصبحت شعوب المنطقة أكثر حماساً لتأييد إيران في مواجهة أميركا. فهذه الشعوب تدرك من واقع تجاربها التاريخية ان محاولة أميركا إخضاع إيران إنما ترمي الى إغلاق دائرة النفوذ الأميركي على المنطقة، وهو ما تعارضه وتقف ضده القوى الشعبية التي أطلقت شرارات الثورة في المنطقة العربية وتمكنت الولايات المتحدة بطريق التدخل المباشر كما حدث في ليبيا، او بالاستعداد بكل السبل لتكرار التجربة نفسها في كل من سوريا واليمن، ثم المناورة بطرق مغايرة لاحتواء الثورة في مصر وتونس.

إن الظروف الراهنة في منطقتنا تجعل من دعم إيران هدفاً قومياً أساسياً لا يختلف عن الظروف التي جعلت شعوب المنطقة تدعم مصر عبد الناصر والثورة في مواجهة العدوان الثلاثي الذي استهدف قناة السويس والسيادة المصرية عليها في عام 1956. ولا بد هنا من أن نأخذ في الاعتبار أن مصر استطاعت بتأييد شعوب المنطقة أن تلحق هزيمة سياسية بالغرب الامبريالي المتحالف مع «إسرائيل» الصهيونية حينما لم يكن هناك احتمال لإلحاق هزيمة عسكرية به.

أما الآن فإن إيران تشكل خط مقاومة حقيقياً في مواجهة الغرب الامبريالي بزعامة الولايات المتحدة قادر على التصدي للعدوان الأميركي - الصهيوني وقادر على إلحاق الهزيمة به.

إن تأييد إيران في الظروف الراهنة يمكن أن يغير أوضاع المنطقة وأن يشكل ربيعاً حقيقياً، ربيعاً للتحرر من الهيمنة الأميركية و«الإسرائيلية». ولكن النظم الحاكمة في المنطقة تبدو وقد قررت أن تعلق آمالها على أميركا تمهيداً لسلام أوسع نطاقاً مع «إسرائيل» ضد إرادة شعوب المنطقة التي دلت انطلاقاتها الثورية قبل النكسات المتعاقبة على أن الشعوب لا تريد الرضوخ لهذا السلام تحت وطأة القوة الأميركية.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 60 / 2165758

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

16 من الزوار الآن

2165758 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 18


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010