الجمعة 13 كانون الثاني (يناير) 2012

مصر : الثورة الثانية

الجمعة 13 كانون الثاني (يناير) 2012 par د. سمير التنير

عرفت الدولة المصرية منذ عهد الفراعنة الحكم الاستبدادي الذي يقوم على قمع رجال الأمن. وكان البوليس خصماً لكافة السياسيين الذين أرادوا إصلاح الأمور. ولا تقوم الشرطة إلا بأعمال ضرورية جداً كي يشعر الناس بالحاجة إليها. وقد أطلق في شهر حزيران الماضي 700 شرطي من الذين اشتركوا في أحداث يناير. أما الأمن المركزي المكروه الذي تغير اسمه إلى الأمن الوطني (كان يدعى من قبل مباحث أمن الدولة). فقد نقل كثير من موظفيه إلى مراكز أخرى. ويقول اللواء عادل مرسي من المجلس العسكري إن 11879 شخصاً قد أحيلوا إلى المحاكم العسكرية. وقد حكم على الأغلبية منهم من دون ان يتاح لهم فرصة الدفاع عن أنفسهم.

«بعد شهور عديدة من سقوط حسني مبارك لا يزال نظامه قائماً»، هذا ما كتبته سمر الجمّال في افتتاحية جريدة «الأهرام». ويمكن التساؤل هنا هل كانت الثورة انقلاباً من المجلس العسكري كي يحول دون وصول جمال مبارك إلى رئاسة الجمهورية؟ إن الأحكام العرفية التي أعلنت بعد اغتيال السادات والتي خففت قليلاً، أعاد المجلس العسكري العمل بها مجدداً. ويتم الآن القبض على الناس بتهمة الترويج للمخدرات أو نشر الإشاعات أو غيرها.

يستمر المجلس العسكري في تأجيل تسليم السلطة إلى المدنيين على الرغم من أن الانتخابات أوشكت على الانتهاء. كما أن كمال الجنزوري، أحد الرموز البارزة في النظام السابق، أعاد تأليف حكومة من أنصار النظام السابق. ويقول الباحث أيمن مصطفى «كيف يمكن حكم البلاد ببروقراطية مترهلة وفاسدة؟».

إن الملايين من شباب الثورة الذين أخلوا الميدان لشهور، كانوا قد عادوا إليه لحماية ثورتهم من الاغتيال والسرقة. وكان عليهم أيضاً نشر الأفكار التي تؤسس لثقافة سياسية جديدة. إن إسقاط الفرعون الأخير لمصر، كان أمراً سهلاً نسبياً، أما إسقاط نظامه فيبدو انه بحاجة إلى القيام بثورة ثانية.

كان أداء المجلس العسكري سيئاً جداً، وذلك لتعثره وارتباكه. فهو لا يكاد يتخذ قراراً، حتى يعود عنه. فعند نجاح الثورة أرسل مبارك إلى شرم الشيخ فأغضب أنصاره. ثم نقله إلى المركز الطبي فأغضب شبيبة الثورة. وبعد الاستفتاء على الإعلان الدستوري، وضع علي السلمي، الذي كان نائباً لرئيس الوزراء، وثيقته المشهورة التي لم ترض أحداً وثار عليها الجميع. وحين وقعت مواجهات بين الأمن المركزي والأقباط في البدء، ثم بين شبيبة الثورة وبين الجهاز المذكور، كما ترتب عليه وقوع عشرات القتلى ومئات الجرحى، أصبح واضحاً أن نظام مبارك لم ينته بعد، وأن أجهزة الأمن كانت كما كانت من قبل أجهزة قمع وقتل وتعذيب.

وضع المجلس العسكري خطة معقدة جداً، يستطيع بواسطتها تأجيل تسليمه السلطة إلى أبعد وقت يستطيع الوصول إليه. فانتخابات مجلس الشعب تجرى على ثلاث مراحل. ومجلس الشورى يجري انتخابه أيضاً على ثلاث مراحل (اختصرت الآن إلى مرحلتين). ومن المجلسين يُنتخب 100 عضو لوضع الدستور ولتحديد صلاحيات رئيس الجمهورية المقبل. ثم يُجرى استفتاء على الدستور المقترح. وبعد ذلك يُنتخب رئيس جديد لمصر.

طرح اللواء ممدوح شاهين عضو المجلس العسكري بنوداً جديدة لإدخالها في القوانين الدستورية للدول، وذلك بتحديد صلاحيات مجلس الشعب الذي يجري انتخابه حالياً، مما يجعله عديم الفاعلية، كما كان الأمر في عهد مبارك إذ يقول : «إن دور مجلس الشعب في تشكيل لجنة الدستور تقتصر على 20 في المئة من أعضائها. وإن مجلس الشعب المقبل ليس له أي سلطة على الحكومة وليس من حقه سحب الثقة منها. وإن الأمر تحت سلطة المجلس العسكري وحده باعتبار ان ذلك هو السبب الأساسي لنجاح الثورة».

نستطيع القول إن تلك المقولات خاطئة كلياً. فموقف عدم إطلاق النار من قبل الجيش المصري موقف أخلاقي يُشكر عليه. ولكن ذلك الجيش كان عاجزاً كلياً عن إخماد الثورة. لأن ذلك كان مستحيلاً عملياً. ويقتضي مواجهة 20 مليون مصري خرجوا إلى شوارع المدن المصرية. ويؤدي إلى ارتكاب مذبحة كبرى تقتل الآلاف من الناس، ولا يستطيع أي جيش في العالم تحمل نتائجها وتبعاتها. والمثال السوري خير دليل على ذلك.

لا يمكن خداع الشعب المصري بعد الآن. وقد أدى القمع إلى نشوء تحالف واسع عريض من الإسلاميين والعلمانيين والليبراليين والناصريين، ومن ستة من المرشحين المحتملين لرئاسة الجمهورية، وكلهم يطلبون الإسراع في تسليم السلطة للشعب. فهل يكون تاريخ 25 يناير القادم موعداً لنجاح الثورة، أم موعداً لبداية الثورة الثانية؟



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 14 / 2165950

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

12 من الزوار الآن

2165950 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 12


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010