الجمعة 13 كانون الثاني (يناير) 2012

السجون الديمقراطية

الجمعة 13 كانون الثاني (يناير) 2012 par أمجد عرار

قبل يومين كانت الذكرى السنوية العاشرة لدخول أول معتقل، معتقل غوانتانامو أحد الشواهد، وهي كثيرة، على «الديمقراطية» بنسختها الأمريكية. بعد يومين فقط من هبوط باراك أوباما في مقعده الوثير في البيت الأبيض، وتحديداً في 22 يناير/ كانون الثاني 2009، أصدر مرسوماً رئاسياً ينص على إغلاق المعتقل في غضون فترة، أقصاها نهاية تلك السنة. كم سنة مرت على ذلك المرسوم الذي جاء تتويجاً لوعود «صارمة» خلال الحملة الانتخابية؟. في الحالة الأمريكية والغربية، الجداول الزمنية غير مهمّة، وفي حالات غيرها مطلوب أن يستجاب فوراً للأوامر الأمريكية والغربية، والوفاء الفوري والالتزام الحرفي بجداول زمنية محدّدة بالساعة.

«غوانتانامو» ذلك الكوكب الغارق في الظلمة والظلم صمد طويلاً و«لم يرحل». ولا نظن أن احتجاجات أعضاء منظمة «شاهد ضد التعذيب» الأمريكية أمام البيت الأبيض ستتمكّن من إسقاطه وشقيقه سجن باغرام الأمريكي في أفغانستان. في هذا وذاك تطبق الديمقراطية قانوناً مستنسخاً من قانون «إسرائيلي» مستنسخ بدوره عن قانون يعود للانتداب الاستعماري البريطاني في فلسطين واسمه قانون «ديفانس اوتورايزيشن آكت» (قانون الدفاع المشروع) الذي يسمح بالاعتقال لفترة غير محددة ومن دون محاكمة. «إسرائيل» تسميه «الاعتقال الإداري».

البعض يقول إن المعتقلين هناك مصادرة حريتهم، لكن الحقيقة غير ذلك حيث يسمح لهم بالانتقال من الزنزانة الضيقة إلى ساحة أوسع قليلاً، ويسمح بالصلاة لمن حمل في عقله «غوغل ايرث» للاستدلال على القبلة، ويسمح لعدد من المعتقلين بتناول الطعام معاً، ويمنح كل المعتقلين حق التنفّس. أما منع المشي والتحرك والكلام والحرمان من النوم وإضاءة أنوار النيون طوال أربع وعشرين ساعة وتشغيل المكيف بأقصى درجات البرودة، فهي إجراءات تأديبية لمن لا يسمع الكلام ويتجرأ على النطق بـ «ثلث الثلاث».

وثائق «ويكيليكس» أنصفت أمريكا وردت على «المزاعم» التي يراد منها «تشويه» سمعة الديمقراطية الأمريكية، وهي تؤكد بما لا يقبل الشك أن الظروف الاعتقالية هناك تحسّنت وأنه تم التحول من «الأساليب الأكثر وحشية في الاستجواب» إلى أساليب أقل وحشية، وهناك وعود بالوصول إلى «وحشية» فقط بعد تبخير «الأكثر»، لأن ما بعد الوحشية يعد انتهاكاً لحقوق الحيوان وبعض الآدميين.

ولأن الديمقراطية الأمريكية تقطر شفافية ومكاشفة، فإنها تتيح لدوائرها كشف الكثير من المستور ومنه مثلاً اعتراف الـ «سي آي إيه» بأنها استخدمت حتى 2006 سجناً سرياً في رومانيا التي أصبحت «ديمقراطية» بعد سقوط الدكتاتورية، وهي وافقت على طلب «الأصدقاء» الأمريكيين الجدد بافتتاح ذلك السجن كثمن لقبولها عضواً في حلف «الناتو» الأداة الضاربة للديمقراطية.

وهكذا فإن سقوط «إمبراطورية الشر» السوفييتية أتاح تعميم «الخير» على مستحقيه فكانت السجون السرية في ليتوانيا وبولندا شاهداً جديداً على التحوّلات الكبرى في شرق أوروبا، شاهداً يكذّب استنتاجات فلاديمير بوتين بأن سقوط الاتحاد السوفييتي كان أكبر كارثة في العصر الحديث.

لا نعرف إن كان أوباما سيستجيب للحراك الإنساني في بلده، أو يمتلك بضع ثوان من الوقت ليتذكّر وعوده بإغلاق الشقيق الأكبر لـ «أبو غريب»، والأرجح أن أنصار الحرية والحقيقة في أمريكا والعالم سينقلون أنظارهم إلى الرئيس الجديد القادم للولايات المتحدة، وربما يكون ذلك بعد انتهاء الولاية الثانية لأوباما الفائز حتماً طالما أن «إسرائيل» راضية منه وعليه. وقد تطول الحكاية مع الرئيس الجديد ويطول عمر نشيد الشاعر سميح القاسم «هنا غوانتانامو .. وجوهٌ وما من وجوهٍ. وصوتٌ ولا صوتَ. والوقتُ لا يعرفُ الوقتَ. لا ضوءَ. لا همسَ. لا لمسَ. لا شيءَ .. هنا كوكبٌ خارجَ الأرضِ. لا تُشرقُ الشمسُ فيه. وما من حياةٍ عليه. وما من حروبٍ. وليسَ عليه سلامُ».



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 16 / 2165328

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

22 من الزوار الآن

2165328 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 21


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010