الاثنين 9 كانون الثاني (يناير) 2012

رحيل المناضل العربي عبد القدوس المضواحي

الاثنين 9 كانون الثاني (يناير) 2012 par معن بشور

قلّة هم الذين حملوا مشعل الثورة منذ سنوات عمرهم الأولى حتى الرحيل الأخير، وبقوا مع ذلك يحملون نقاء البدايات، وصدق الرسالات، وصفاء الثورات. من هذه القلّة كان الطبيب عبد القدوس المضواحي : اليمني العربي المؤمن والناصري القومي المنفتح.

عارفو أبي إيهاب عزّ عليهم أن ينطفئ قلب هذا الثائر المستديم المستقيم في اللحظة التي كان فيها حلمه بالثورة في بلده وأمته قد بدأ بالتحقق، ولكن هل هي قسوة القدر أن يحرم مناضل من رؤية ثمار نضاله، أم أنها رحمة الله تكمن في أن يغمض عبد القدوس عينيه على صور لشعبه يحتل الميادين، ويحرّك التظاهرات، ويطلق الشعارات التي أفنى عمره وهو يسعى لإقناع الآخرين بها؟

منذ أن تعرّفت على عبد القدوس المضواحي في العام 1987، وكان يعمل في مستشفى في صنعاء وهو تحت المراقبة الأمنية على مدى الليل والنهار، عرفت نموذجاً من المناضلين الذين يجمعون بجدارة بين صبر يستعين عليه بالتفاؤل وتصميم مغمّس بروح الثبات، وبين جرأة معزّزة بالإيمان وشجاعة مقرونة بالتواضع.

امتزجت حيويته النضالية بدماثة أخلاقية أصيلة، كما اقترنت صلابته المبدئية بانفتاح إنساني مميّز، فكان محباً لكل من حوله ومحبوباً من كل من عرفه.

حين أُجبر على مغادرة صنعاء في العام 1978، بعد مشاركته في قيادة حركة 13 يونيو الناصرية الثورية متنقلاً بين عدن ودمشق وبيروت وغيرها من المدن والحواضر العربية، لم يسقط في عيوب كثيراً ما ترافق اللجوء السياسي، فلم يساوم على مواقفه، ولم يجمع الأموال على حساب شعبه، ولم يحرّض أجنبياً على وطنه، كما لم يتساهل في حق لأمته من أجل حلّ مشكلة شخصية أو حزبية.

وحين عاد إلى صنعاء بعد اتفاقية الكويت الشهيرة عام 1986، كان أبرز الرافضين لتقديم أي تنازل لحكم علي عبد الله صالح كثمن لعودته إلى بلده لأن إقامته في وطنه حق لا يستطيع أحد أن يساومه عليه. لم تقده معارضته الدائمة للنظام إلى أن يقدم أي تنازل على حساب مبادئه، فتحمس للوحدة بين شطري اليمن، وكان نائباً في مجلسها الموحد، كما رفض بالمقابل أخطاء النظام وخطاياه من دون أن يجد فيها مبرراً للعودة إلى التشطير، لأن الانفصال ليس حلاً، كما قال آنذاك المؤتمر القومي العربي.

وما كان يعتبره البعض تزمتاً حزبياً و«انغلاقاً» ناصرياً لدى عبد القدوس المضواحي كان يتراجع بوضوح أمام حرصه الدائم على التلاقي بين التيارات العقائدية والسياسية اليمنية، الإسلامية منها والقومية واليسارية والليبرالية، فهو ابن مدرسة تؤمن أن الممر الإجباري لنهوض الأمة يكمن في تلاقي قوى الأمة وتياراتها الرئيسية على مشروع نهضوي، وفي أطر تكامل وتفاعل وتحاور وتشاور تجمع بينها، بعيداً عن شعارات تفرّق، وممارسات تقصي فريقاً لصالح آخر.

قلّما انعقد مؤتمر عربي أو ملتقى دولي أو ندوة فكرية إلاّ وكان لأبي إيهاب حضور لافت، وحركة دؤوبة، وسعي حثيث لجمع الصفوف وصون المبادئ.

وإذا كان اليمنيون يذكرون لثورتهم «السبتمبرية» الأولى عام 1962، رموزاً مهّدت لها، وشاركت في التحضير لانطلاقها والإعداد لانتصارها، فمن الصعب أن ينسى يمني واحد دور عبد القدوس المضواحي في التمهيد لثورته الشعبية المستمرة، والتحضير لانطلاقتها، والإعداد لانتصارها في أصعب الظروف، وفي أكثر المراحل ظلمة وظلماً.

أما العروبيون والناصريون الشرفاء على امتداد الأمة، فلا يمكن أن ينسوا أنه حين بات القابضون على عروبتهم كالقابضين على الجمر، وحين أصبح الأوفياء، من دون مقابل، لجمال عبد الناصر قلّة تواجه بشجاعة الاتهامات من هذا الطرف أو ذاك، كان عبد القدوس المضواحي واحداً من أولئك العروبيين والناصريين الذين ما تساهلوا يوماً في هويتهم وعقيدتهم ووفائهم.

وكانت الأمانة العامة للمؤتمر القومي العربي نعت، في بيان، المضواحي الذي كان «أحد أبرز مؤسسيه وعضواً في أمانته العامة لعدة سنوات». وذكرت أن «المناضل العربي اليمني الكبير بات عضواً مؤسساً في المؤتمر في ربيع العام 1990، وانتخب عضواً في أمانته العامة على مدى دورات عدة منذ العام 1994 حتى العام 2009».

وذكر البيان أن الراحل ووري الثرى في صنعاء، بعدما نقل جثمانه من القاهرة، أمس الأول. وهو متزوج وله ستة أبناء وبنات.

كما نعى حزب الاتحاد بدوره المضواحي باعتباره «أحد أبرز وجوه الحركة القومية في اليمن والوطن العربي، وهو من مؤسسي حركة الناصرية في اليمن ومن قيادات العمل القومي».



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 47 / 2165292

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع تفاعلية  متابعة نشاط الموقع ريبورتاج   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

25 من الزوار الآن

2165292 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 26


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010