الأحد 8 كانون الثاني (يناير) 2012

الجدران العازلة من جابوتنسكي إلى نتنياهو

الأحد 8 كانون الثاني (يناير) 2012 par علي جرادات

بعد بناء جدار التوسع والفصل في الضفة الغربية، قرر قادة «إسرائيل» إحاطة كيانهم بالجدران العازلة. فمن البدء ببناء جدار عازل على طول الحدود المصرية، إلى قرارٍ ببناء جدار على طول الحدود مع الأردن، كما أعلن نتنياهو، إلى قرارٍ ببناء جدار آخر، (قابل للتمدد)، في المنطقة الواقعة بين المطلة الفلسطينية وكفر كلا اللبنانية. إحاطة «إسرائيل» بالجدران العازلة ليست فكرة جديدة، ولا تنطلق من دواعٍ أمنية، كما يدعي قادتها، بل، هي فكرة صهيونية عنصرية قديمة، أسس لها زئيف جابوتنسكي، الأب الروحي الملهم لحزب «الليكود» الحاكم في «إسرائيل» اليوم، ثم تبناها، وعمل على تنفيذها، قادة الحركة الصهيونية عموماً، قبل، وبعد، فرضِ كيانهم على الأرض الفلسطينية العام 1948.

في العام 1937 طلب اللوبي الصهيوني من الخبير البريطاني تشارلز بتهارت وضعَ خطة لإقامة جدار على طول محاور الطرق الرئيسة من الحدود اللبنانية في الشمال وحتى بئر السبع. وقد قام بتهارت هذا برسم المرحلة الأولى من عملية إقامة هذا الجدار حسب المسوغات الصهيونية. وهو جدار من أربع طبقات وبارتفاع مترين تم بناؤه على طول 80 كم من طبريا في الشمال الشرقي لفلسطين وصولاً إلى رأس الناقورة في الشمال الغربي بالقرب من محاور الطرق المركزية، وكانت تكلفة المشروع آنذاك 60 مليون دولار، تكفلت شركة «سليل بونيه» الصهيونية ببنائه، وتولت مجموعات «الهاغانا» حراسته. وقد تم هدم هذا الجدار من قبل سكان القرى العرب على جانبيه. وفي أربعينات القرن الماضي، اقترح زئيف جابوتنسكي إقامة ما سماه بـ «الحائط الحديدي»، منطلقاً من رؤية مفادها أن أية تجربة استعمارية استيطانية لا بد أن تواجَه بمقاومة سكان الأرض الأصليين، وأنه لا يوجد شعب تنازل طواعية عن أرضه لشعب آخر، وأن حل هذه المعضلة هو أن يقيم المستوطنون الصهاينة «حائطاً حديدياً» حول أنفسهم، وأن يستمروا في البطش بالفلسطينيين إلى أن يقتنع هؤلاء بأنه لا مفر من التنازل عن الأرض للكتلة البشرية الوافدة.

وهذه هي ذات الفكرة التي عبر عنها شارون العام 2002، بعد أن قرر بناء جدار التوسع والفصل في الضفة الغربية، حيث قال : «العالم لن يقرر إن كنا سنبني الجدار أم لا .... الجدار سيبنى ... وما لا يؤخذ بالقوة يؤخذ بمزيد من القوة ....»، وذلك تجسيداً لما كان قد صرح به العام 1973، بالقول : «سوف نعمل من الفلسطينيين سندويش بسطرمة، وسندخل قطاعاً من المستوطنات بين الفلسطينيين، ثم قطاعاً آخر من المستوطنات، بحيث لا تستطيع الأمم المتحدة ولا الولايات المتحدة، ولا أحد آخر، تمزيق هذه المستوطنات بعد 25 سنة».

من هنا يتضح أن فكرة بناء الجدران العازلة فكرة مترسخة في الفكر والوجدان الصهيوني، ويصعب فهمها فهماً جذرياً، من دون الإلمام الدقيق بمنبعين فكريين أنتجاها، وحولاها، (بتداخل وتكامل)، إلى منظومة سياسية واجتماعية وقانونية وأمنية عنصرية عدوانية، صهيونية أولاً، و«إسرائيلية» ثانياً، وهما :

1- منبع الخرافات التلمودية البائدة، عن نقاء العرق اليهودي وتميزه وتفوقه، واعتبار فلسطين أرض الميعاد التي ستشهد نهاية التاريخ وحلول الرب فيها، وفقاً لإيمان الصهيونية الدينية، وهو الإيمان الذي استعملته الصهيونية العلمانية، ووظفته بالقول بإمكان حلول الشعب بالأرض دون إله، حيث تصبح الأرض هي الإله، فقد صرح دايان الصهيوني «المعراخي» العلماني «أن أرض «إسرائيل» هي ربه الوحيد». أما بيغن الصهيوني «الليكودي» العلماني فيقول : «انتييس، البطل الذي لا يُقهر، ويستمد قوته من اتصاله بأمه الأرض، أسطورة يونانية، ولكن القوة التي يمتلكها الشباب اليهودي من اتصالهم بأرض «إسرائيل» هي حقيقة واقعة».

2- منبع نظريات التمييز العنصري الحديثة، وأهمها نظرية «الحتمية البيولوجية» أو «الداروينية الاجتماعية» التي ترى أن «حيوات البشر وأفعالهم هي نتائج محتومة للخصائص البيوكيمياوية للخلايا التي تكون الفرد، وهذه الخصائص تحددها بدورها على نحو متفرد مكونات الجينات التي يحملها كل فرد» ... وأن «الجينات السيئة تسبب السلوك السيئ ...». وقد تبنى جابوتنسكي، ومنذ العام 1903، الكثير من أفكار منظري «الداروينية الاجتماعية» والفاشية. وكان من جملة هذه الأفكار ما كان قد عبر عنه في إحدى خطبه بالقول : «كل إنسان آخر على خطأ، وأنت وحدك على صواب، لا تحاول أن تجد أعذاراً من أجل ذلك، فهي غير ضرورية ...». وهي ذات الفكرة التي كررها سليله نتنياهو، يوم 31-10-2011 في افتتاح دورة «الكنيست» الشتوية بالقول : «إذا كنت تعتقد أن شخصاً يريد قتلك، فعليك أن تقتله أولاً، ولا تبحث عن أعذار، فهي ليست ضرورية ...».

وفي المنبعين ما ينتج أيديولوجيا الغطرسة التي ترفض مبدأ المساواة بين البشر، وتسوغ سياسة تقديس القوة والاستعمار والعدوان والتوسع و«الفصل العنصري»، والتي من تكتيكاتها إقامة «جدران الفصل العنصري»، سواء الجدران المادية «الأسمنتية»، أو المعنوية، كإجراءات «تعقيم النسل»، كما في التجربة النازية العام 1933، وقبلها التجربة الأمريكية العام 1927. وذلك انطلاقاً من زعْمِ أن الأجناس البشرية، تنقسم، تبعاً لخصائص بيولوجية ثابتة، إلى جنس بشري «راقٍ» وآخر «رديء»، ما يستدعي ضرورة حماية «نقاء» الجنس «الراقي» وصيانة «تميز» سلالته. بل وينادي متطرفو التمييز العنصري بإبادة الجنس «الرديء»، حماية للجنس «الراقي» من الذوبان أو الانصهار في الأجناس «الرديئة». ومن هؤلاء المتطرفين غلاة النازية والصهيونية. أما الأقل تطرفاً من دعاة التمييز العنصري، فيرون أن من واجب الجنس «الراقي» أن يعمل على «تعمير»، أي استعمار، بلاد الجنس «الرديء»، ليصبح صالحاً وقادراً على خدمة الجنس «الراقي» في طريقه إلى بناء الحضارة. ومن هؤلاء قادة الاستعمار منذ القرن السادس عشر، ومن يسمون بمعتدلي البيض في جنوب إفريقيا و«إسرائيل».

وعليه، ليس من التعسف القول : إن إحاطة «إسرائيل» بالجدران العازلة، هي فكرة لجابوتنسكي، استلهمها شارون وبدأ بتنفيذها، ويتمها نتنياهو ويوسع نطاقها.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 219 / 2176587

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع ملفات  متابعة نشاط الموقع فكرسياسي   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

9 من الزوار الآن

2176587 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 10


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40