الجمعة 6 كانون الثاني (يناير) 2012

عام الإنجازات التاريخية

الجمعة 6 كانون الثاني (يناير) 2012 par عوني فرسخ

بعد أربعة وخمسين عاماً من تأميم عبدالناصر لقناة السويس، هبّت نسائم الربيع العربي مؤشرة لاستعادة مصر وأمتها العربية دورهما الحضاري. إذ اعتُبر فشل العدوان الثلاثي بداية نهاية الاستعمار الأوروبي، كما غدت القاهرة قدوة حركات التحرر الآسيوية والإفريقية وحاضنتها، وصارت أخبار الوطن العربي في مقدمة اهتمامات وكالات الأنباء العالمية. وبعد ذلك الحضور الإقليمي والدولي عاش الوطن العربي أربعة عقود من فقدان المنعة وانكار انتمائه القومي، بالتحول إعلامياً إلى استخدام مصطلح «الشرق الأوسط وشمالي إفريقيا»، وباتت شعوبه تعاني أزمات متفاقمة على مختلف الصعد، وتواجه ضغوطاً ومداخلات إقليمية ودولية.

ولقد توالى في السنوات الأخيرة إصدار تقارير التنمية الإنسانية عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، مسلطة الضوء على قصور الأقطار العربية، خاصة في مجالات الديمقراطية وحقوق الإنسان والتقدم العلمي والمعرفي. مقابل تكثيف الظلال على دور القوى الاستعمارية في دعم أنظمة الاستبداد مادامت تخدم مصالحها، وفي تدمير محاولات تجاوز التخلف الموروث، كما في تجربتي مصر زمن محمد علي وعبدالناصر، وتجربة العراق على يدي قوات الاحتلال بقيادتها الأمريكية. فضلاً عن تجاهل إسقاط المقاومة أساطير التفوق الصهيونية وإفشالها الطموحات الإمبراطورية للمحافظين الأمريكيين. وبالتالي بدت المجتمعات العربية راكدة ومستسلمة لأنظمة متخلفة وعاجزة عن معالجة أزماتها المتفاقمة.

وفجأة بزغ فجر الربيع العربي على يدي شباب أدهشوا العالم بإرادتهم الصلبة في التصدي لأنظمة الاستبداد والفساد والتبعية. وبعد أن كان العرب مضرب المثل في الاستكانة والركود، صار حراك شبابهم وصباياهم مثالاً يُقتدى به في أوروبا والولايات المتحدة، حيث تعددت الميادين والساحات المسماة «ميدان التحرير»، وبهذا يكون الجيل العربي الجديد قد حقّق في العام 2011 أربعة إنجازات تاريخية.

[**■*] الأول والأهم، كشف الغطاء عما تختزنه الشعوب العربية من قدرة على التغيير كانت معطّلة بفعل القهر السلطوي، والآن غدت مرشحة للفعل والإنجاز وقد أسقط شبابها وصباياها حاجز الخوف وثقافة الهزيمة وأعادوا إلى الشارع العربي فعاليته السياسية، واضعين بذلك أقطارهم على عتبة تغييرات جذرية سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية، وقد بات جلياً استحالة استمرار ما كان يغلب على شعوبها، وبخاصة أجيالها الشابة من استكانة وعزوف عن الاهتمام بالشأن العام.

[**■*] الثاني، جلاء الصورة الحقيقية للعرب والثقافة العربية الإسلامية، إذ لطالما عانى المواطن العربي في المهجر من الصورة النمطية الشوهاء للعرب وثقافتهم. وما شهده العام 2011 من تقدير عالمي لشباب وصبايا الربيع العربي مرشح للإسهام في تصويب نظرة الآخرين إلى العرب والثقافة العربية الإسلامية، وبالتبعية نزع مصداقية المواقف العنصرية المعادية للعروبة والإسلام، وانحسار دعوة التخويف من العرب والمسلمين.

[**■*] الثالث، إعادة وصل ما انقطع منذ مطلع سبعينات القرن الماضي، باستعادة الإسهام العربي في الحراك السياسي - الاجتماعي على مدى العالم. فالشعوب العربية غدت في أغلبيتها تعيش مخاض تغيير جذري سياسي اجتماعي يلقى متابعة واهتمام شعوب العالم، بل وتقتدي به أغلبيتها، بفضل المبادرات الشجاعة للجيل العربي الجديد الذي ظلم ظلماً بيّنا بالصورة التي كانت شائعة عنه، والتي ثبت عملياً أنها مخالفة لما أظهره من إبداع.

[**■*] الرابع، وضوح أن عوامل وحدة النسيج الاجتماعي العربي أعمق جذوراً وأكثر فاعلية من نوازع التفرقة الطائفية والعرقية والجهوية، وإن هي بدت خلال عقود الركود الأربعة مهددة الوحدة الوطنية في أكثر من قطر عربي. بل وقابلة لأن تستغلها القوى الإقليمية والدولية التي حققت اختراقات غير مسبوقة في أوساط نخب معظم الأقطار العربية، بإشاعة دكاكين الارتزاق بالتمويل الخارجي المسماة «هيئات المجتمع المدني» المدعومة أمريكياً وأوروبياً كما اتضح أخيراً في مصر.

ولم يعد خافياً أن الربيع العربي مستهدف من القوى المحلية والإقليمية والدولية التي ترى في تحقيق كامل طموحات الشعوب العربية تهديداً خطراً لمصالحها، كما يتضح من تلاقي تلك القوى على محاولة احتواء الحراك الشعبي بإقصاء الشباب والصبايا، أصحاب المبادرات الشجاعة في إسقاط حاجز الخوف وتفعيل الشوارع العربية. ما جعل عام المنجزات التاريخية الأربعة يحمل في مخاضه ثلاثة تحديات مصيرية تواجه العرب كافة، وشباب وصبايا التغيير بصفة خاصة.

وأول التحديات وأخطرها التصدي الشجاع والواعي للقوى الدولية والإقليمية واسعة التدخل في أدق الشؤون العربية، وما تستند إليه في تدخلها من معاهدات واتفاقيات عقدت بمعزل عن المشاركة الشعبية في إبرامها، والتي تمسّ بشكل خطر السيادة الوطنية والثوابت القومية في الصراع العربي الصهيوني وحق المقاومة المشروع دولياً.

وثاني التحديات، مواجهة الأزمات الاقتصادية في أغلبية الأقطار التي تشهد حراكاً شعبياً وتعيش مخاض التغيير، والتي يواجه قادتها ضغوطاً مالية تدفع إلى طلب الدعم الخارجي، الأمر الذي له تأثير سلبي في صناعة قرارهم. وبمقدار ما هو مهم ومصيري العمل الجاد لتفعيل الإمكانات المادية المتاحة والقدرات البشرية المتوافرة في كل قطر عربي، فإنه في غاية الأهمية التوجه الصادق نحو التكامل العربي وتفعيل وتطوير الاتفاقيات الاقتصادية حبيسة أدراج جامعة الدول العربية منذ توقيع معاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي سنة 1950.

وثالث التحديات المصيرية تأصيل الالتزام بالديمقراطية والعدالة الاجتماعية والتقدم الثقافي وإشاعة الوعي الوطني والقومي، واعتماد الدولة المدنية ومفهوم المواطنة والحكم الدستوري.

ويمكن القول وبكثير من الثقة إن عام الإنجازات التاريخية والتحديات المصيرية شكّل مفصلاً في التاريخ العربي المعاصر، وإن ما كان قبله لن يكون إلا من بعض ذكريات ما أسس له شباب وصبايا الربيع العربي من مخاض قد يطول ويكون مكلفاً ولكنّه واعد.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 23 / 2165355

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

17 من الزوار الآن

2165355 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 17


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010