الجمعة 6 كانون الثاني (يناير) 2012

مأزق المجلس العسكري

الجمعة 6 كانون الثاني (يناير) 2012 par د. محمد السعيد ادريس

تلكؤ المجلس الأعلى للقوات المسلحة الحاكم في مصر في تحقيق تقدم ملموس بملف محاكمات رؤوس النظام السابق وفي مقدمتها محاكمة الرئيس ونجليه علاء وجمال وضع المجلس في مأزق صعب بعد أن طالب محامو الدفاع عن المتهمين بالربط بين أحداث الثورة ابتداء من يوم 25 يناير/كانون الثاني وحتى يوم 11 فبراير/شباط يوم سقوط رأس النظام وما وقع خلال تلك الأحداث من تطورات دامية وبالذات سقوط شهداء وإصابة الآلاف وبين الأحداث الصدامية الأخيرة ابتداء من أحداث ماسبيرو وبعدها أحداث شارع محمد محمود ثم أحداث مبنى مجلس الوزراء الدامية وحتى احتراق المجمع العلمي بشارع قصر العيني. الربط هنا هدفه إحراج المجلس الأعلى والتشكيك في جدية المحاكمات من منطلق أن محاكمة رموز النظام السابق على جرائم قتل وإصابة متظاهرين تنطبق على المجلس الأعلى العسكري الآن في ظل اتهامات لقوات الأمن وللشرطة العسكرية بقتل وإصابة متظاهرين، ومن ثم فإن المجلس يواجه أحد خيارين إما إنهاء محاكمة رموز النظام السابق أو أن يدخل القفص هو الآخر ليشارك هؤلاء الرموز التهم نفسها.

المحامون لم يطالبوا بذلك مباشرة ولكنهم قالوا إن طرفاً ثالثاً هو من قام بالقتل في الحالتين مستفيدين من بيانات المجلس العسكري التي نفت أي تورط للشرطة العسكرية أو لقوات الأمن في قتل المتظاهرين في ماسبيرو أو شارع محمد محمود أو أمام مبنى مجلس الوزراء، وأن طرفاً ثالثاً هو المسؤول عن ذلك. المحامون ركزوا على أن الطرف الثالث هو طرف خارجي، وأن هناك مؤامرة خارجية تستند إلى أطراف داخلية هي من ارتكب أحداث الثورة وكذلك الأحداث الأخيرة، والنتيجة واحدة هي المطالبة ببراءة رموز نظام مبارك من أية اتهامات. المجلس الأعلى هو المسؤول عن وصول الأمور إلى ما وصلت إليه من خلال إساءة استخدام السلطة والتراخي والتلكؤ في إنجاز أهداف الثورة وهو التراخي والتلكؤ الذي وصفه البعض بالتواطؤ مع النظام السابق.

ولذلك فإن المجلس يواجه الآن بخيارات صعبة فهو لا يتحمل مسؤولية تبرئة رموز النظام من الجرائم التي ارتكبت لكن التلكؤ في المحاكمة، وقبلها عدم إحالة المتهمين إلى محاكمات سياسية أو عسكرية أعطى للدفاع فرصة تمييع القضية وإطالة أمدها والتقدم بآلاف المطالب في محاولة لتفريغ القضايا من مضمونها وتبرئة المتهمين، وإذا حدثت هذه البراءات فإن وضع المجلس سيكون شديد الصعوبة شعبياً.

كما أن المجلس لا يتحمل مسؤولية تصوير الثورة على أنها مؤامرة على النحو الذي يريد محامو النظام تصويره فقد كشف رئيس هيئة الدفاع المتطوعة للدفاع عن حسني مبارك وهو بالمناسبة محامي الجالية «الإسرائيلية» في مصر على مدى سنوات مضت أن هيئته توصلت إلى ما أسماه «أدلة ومستندات جديدة» تتعلق بأحداث شارع محمد محمود ومجلس الوزراء الأخيرتين من شأنها أن تظهر براءة مبارك من تهمة قتل المتظاهرين أثناء الثورة المصرية، وأن ما تم الحصول عليه من مستندات ووثائق وشهود إثبات جدد تدعم كلها ثلاثة عوامل رئيسة مترابطة بين هذه الأحداث الأخيرة والثورة هي : أن نوعية السلاح المستخدم في قتل المتظاهرين واحد، وأن التحريض على استفزاز الأمن سواء كان من الداخلية أو من الجيش تم بذات الأسلوب والتكتيك.

هذه الأقوال جاءت متوافقة مع ما ورد في مرافعات محامي الدفاع عن أركان وقادة النظام السابق التي أجريت يوم الأربعاء 28 ديسمبر/كانون الأول الماضي، وخاصة أقوال المحامي الذي قال في بداية مرافعته : «في بداية محاكمة الرئيس السابق محمد أنور السادات لم أكن أنوي أن أترافع فيها» وهنا رد القاضي أحمد رفعت إن «الموجود في القفص هو محمد حسني مبارك وليس محمد أنور السادات». هذا المحامي قال في تلك الجلسة إنه حصل على مستندات من المخابرات الأمريكية و«الإسرائيلية» «تؤكد أن الثورة قامت لتنفيذ مخطط تقسيم مصر إلى 3 دول : مسيحية وإسلامية وثالثة لتوطين فلسطينيي المهجر في سيناء».

وجاءت هذه الأقوال متوافقة أيضاً مع مطالب محامي حبيب العادلي وزير الداخلية الأسبق بالربط بين أحداث شارع محمد محمود ومجلس الوزراء وبين أحداث الثورة من خلال المطالبة بضم صورة من تحريات وزارة الداخلية عن الأحداث التي وقعت في 25 يناير/كانون الثاني 2011 وتلك الأحداث الأخيرة.

الرابط بين هذا كله هو الترويج لوجود «مؤامرة»، وأن هذه المؤامرة بدأت مع الثورة، وأن الثورة جزء أصيل منها، ومازالت مستمرة حتى الآن. وإذا كان الهدف من هذا الربط عند محامي مبارك وأركان نظامه هو الحصول على الحكم ببراءة المتهمين، أو وضع المجلس العسكري أمام مأزق صعب يقضي بأن يدخل شريكاً هو الآخر في تهمة قتل وإصابة متظاهرين في أحداث ما بعد الثورة، وهذا يعني أن المجلس العسكري ربما يجد نفسه أمام خيارين كلاهما صعب، الأول أن يقبل برواية المؤامرة ويدخل طرفاً مباشراً مع الثوار وكل من انحازوا للثورة، أو أن يدخل في مواجهة مع مبارك وما بقى من نظامه وهو ما ظل متردداً في الانسياق إليه على مدى العشرة أشهر الماضية.

يبدو أن المجلس لا يريد هذا ولا ذاك، لكنه أميل إلى القبول بنصف مؤامرة، أو تجنب وصف الثورة بالمؤامرة ومن ثم التغاضي عن محاولات هيئة الدفاع عن مبارك ونظامه توريط المجلس في الصدام مع الثورة، لكن مع قبول حديث المؤامرة بالنسبة لأحداث ما بعد الثورة التي كان المجلس طرفاً مباشراً فيها على نحو ما يحدث هذه الأيام من ترويج لوجود طرف ثالث هو من قام بقتل وإصابة المتظاهرين في أحداث شارع محمد محمود وأحداث مجلس الوزراء، وهو من يريد تحويل الذكرى الأولى للثورة يوم 25 يناير/كانون الثاني الحالي إلى مواجهة دامية بين الشعب والجيش على ما جاء على لسان مسؤول رفيع المستوى لوكالة أنباء الشرق الأوسط المصرية (الرسمية).

فقد نقلت الوكالة عن مسؤول «رفيع المستوى» لم تسمه وجود مخطط لإشعال «حرب أهلية» في ذكرى يوم الثورة، وأن «جهات أمنية سيادية رصدت ما أسمته تحركات واتصالات لشخصيات مصرية مع جهات أجنبية خارجية هدفها إحداث اشتباكات دامية بين الشعب والقوات المسلحة في ذكرى الثورة، وسقوط قتلى وإشعال حرائق، وإثارة الفوضى في الشارع لإسقاط الجيش ومن ثم إسقاط الدولة».

حديث المؤامرة قد يكون هدفه ترويع شباب الثورة من خطر تفجير موجة ثورية ثالثة في الذكرى الأولى للثورة، لكنه في جوهره جزء أصيل من مأزق المجلس العسكري قد يكون أول من يدفع ثمنه إذا نجح محامو مبارك وفلول نظامه في توظيفه ضد المجلس العسكري وضد المحاكمات.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 11 / 2178192

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

25 من الزوار الآن

2178192 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 17


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40