الجمعة 6 كانون الثاني (يناير) 2012

«إسرائيل» تقترب من نهايتها!

الجمعة 6 كانون الثاني (يناير) 2012 par د. سمير كرم

ليس من قبيل المصادفة أبداً ان تأتي من داخل «إسرائيل» في وقت واحد الأنباء التي تتحدث عن الاستعدادات التي تتخذها الحكومة «الإسرائيلية» لإقامة دعاوى مطالبة لحكومات عربية متعددة بدفع تعويضات مالية عن أموال فقدها اليهود الذين هاجروا من هذه الدول، من وقت إنشاء دولة «إسرائيل»، والأنباء التي تتحدث عن موجة يأس بين اكبر المفكرين «الإسرائيليين» من إمكان استمرار «إسرائيل» في الحياة واقترابها من النهاية كدولة لليهود.

قد لا تبدو العلاقة بين هذه الأنباء واضحة للوهلة الأولى، ولكن المرء لا يحتاج الى وقت طويل من التفكير والتمعن في هذا الأمر ليدرك أن بين أنباء سعي «إسرائيل» الى الحصول على ما يقدر بنحو ثلاثمئة مليار دولار من الدول العربية كتعويضات، على غرار ما حصلت عليه من تعويضات من المانيا بعد هزيمة الأخيرة في الحرب العالمية الثانية، وأنباء تحملها تصريحات ابرز المفكرين «الإسرائيليين» عن قرب نهاية «إسرائيل» الدولة، علاقة ما. فعلى الرغم مما يبدو على السطح من أن «إسرائيل» راكمت قوة عسكرية لا تضاهيها أي قوة أخرى في المنطقة، إن لم يكن في العالم، فإن مقومات الدولة آخذة في التراجع ان لم يكن في الانهيار، الأمر الذي ينبئ بقرب نهاية الدولة «الإسرائيلية». (انظر : حلمي موسى، «كتّاب «إسرائيليون» يحذّرون من وهم «القوة العظمى» : الدولة العبرية لن تصمد ...والغرب لن يهب لحمايتها - «السفير» في 11/12/2011، ص أولى).

إن فكرة الحصول على تعويضات من العرب عما تركه اليهود خلفهم من أموال في البلدان العربية التي كانت أوطاناً لهم قبل نشأة «إسرائيل» ليست جديدة، فقد راودت القادة السياسيين «الإسرائيليين» منذ عام 1948، اي منذ العام الذي شهد تأسيس دولة «إسرائيل». وهناك ما يدل في كتب التاريخ «الإسرائيلي» على ان ديفيد بن غوريون، رئيس الوزراء الأول لدولة «إسرائيل»، كان واحداً من أكثر مؤيدي فكرة الحصول على تعويضات عربية لليهود. وفضلا عن ذلك، فإن الفكرة نفسها كانت تتغلغل في العقل السياسي والمالي «الإسرائيلي»، كلما ازداد الضغط الفلسطيني والعربي على «إسرائيل»، بشأن حق اللاجئين الفلسطينيين في البلدان العربية في العودة الى وطنهم الذي طردوا منه او اضطروا للفرار هرباً من المذابح «الإسرائيلية».

وليس من شك في ان وراء إثارة موضوع التعويضات العربية لليهود أهدافاً تتجاوز الأهداف المالية، حتى مع افتراض ان هذه الأهداف تحتل المكانة الأبرز بينها جميعاً. وأول ما يبدو من هذه الأهداف في الظروف الحالية لما يمكن ان نسميه «العلاقات العربية - «الإسرائيلية»» هو إقناع العرب والعالم بأن «إسرائيل» تشعر أن لديها من القوة ما تستطيع به - عبر الضغط والتهديد -أن تجبر الحكومات العربية على الاستجابة لها في هذه المطالب. ويعني هذا أيضاً ان «إسرائيل» تريد ان تترك انطباعاً عالمياً بأن العرب لا بد ان يكونوا مستعدين في الظروف الراهنة لهذه «العلاقات» للاستجابة لمطالب التعويض «الإسرائيلية». ذلك ان الدول العربية التي تقيم علاقات كاملة او ناقصة مع «إسرائيل» او التي أعلنت صراحة انها تعتزم إقامة مثل هذه العلاقات، هي من بين الدول التي حددها المسؤولون «الإسرائيليون» في تصريحاتهم عن اقتراب «إسرائيل» من إقامة الدعاوى للحصول على هذه التعويضات. وهذه الدول العربية التي حددتها «إسرائيل» هي مصر والأردن (اللتان تقيمان علاقات كاملة مع «إسرائيل») وموريتانيا والجزائر وتونس وليبيا والسودان وسوريا والعراق ولبنان، إضافة إلى المغرب التي تقيم علاقات شبه كاملة مع «إسرائيل».
ويلاحظ ان المسؤولين «الإسرائيليين» افردوا مكاناً خاصاً للسعودية حينما قالوا إن قيمة التعويضات التي ستطلبها «إسرائيل» من المملكة تبلغ مئة مليار دولار تغطي العصور «منذ عهد الرسول محمد» أي منذ البدايات الأولى للإسلام. وتترك تصريحات المسؤولين «الإسرائيليين» انطباعاً لا يمكن تجاهله، بأن «إسرائيل» تتوقع استجابة ايجابية من المملكة العربية السعودية، بالنظر الى عدد من الأمور، أولها ما تبديه السعودية من اهتمام بإظهار استعداد للتقارب مع «إسرائيل» والتعاون معها في إطار تحالف كل منهما مع الولايات المتحدة وفي إطار ما تبديه المملكة من تفهم لدور «إسرائيل» الاستراتيجي في مواجهة إيران. وليس مستبعداً بأي حال أن يكون لدى «إسرائيل» توقع بأن تمارس الولايات المتحدة دوراً ضاغطاً على حليفتها السعودية لصالح حليفتها «إسرائيل» في قضية التعويضات العربية لليهود.

وفيما يتعلق بالتوقيت فإن من الواضح ان «إسرائيل» تستعد لإثارة قضية التعويضات العربية لليهود، في وقت تراجعت فيه مكانة «إسرائيل» - أكثر من اي وقت مضى - مع معظم بلدان العالم، في ضوء ما أحرزته القضية الفلسطينية من تقدم نحو الحصول على اعتراف دولي بدولة فلسطين. ان «إسرائيل» تريد ان تقدم دليلاً جديداً للعالم على قدرتها على تحقيق أهداف كبرى من نوع التعويضات من الدول العربية، الأمر الذي يعطيها مكانة - ليست فقط سياسية بل مالية - على الصعيد العالمي.

وهنا ينبغي أن نلاحظ أن أياً من الدول العربية - بما في ذلك تلك الدول التي تقيم نوعاً ما من العلاقات مع «إسرائيل» وتلك التي لا تقيم أياً من هذه العلاقات - لم تعلن موقفاً محدداً من هذا المشروع «الإسرائيلي» على الرغم من خطورته ومن التأثيرات السلبية التي يمكن - بل من المؤكد - أن تنتج عن هذه الدعاوى الجديدة. وعلى سبيل المثال فإن مسؤولاً سعودياً واحداً لم يدل بتصيرح يرد فيه على الفكرة «الإسرائيلية» القائلة بحق اليهود في الحصول على تعويضات عن أملاكهم «منذ عهد الرسول محمد». وعلى سبيل المثال أيضاً، فإن مسؤولاً مصرياً واحداً لم يرد على هذه الدعاوى والمطالب «الإسرائيلية» بحقيقة تاريخية لا ينكرها احد، وهي ان اليهود الذين غادروا مصر مع النبي موسى متجهين الى سيناء، وبعد ذلك الى فلسطين من دون ان يصحبهم النبي موسى، اخذوا معهم كل ما أمكنهم حمله من ثروات الذهب التي كانت مملوكة للسادة المصريين آنذاك. أليست هذه الثروات أيضاً مما يمكن الادّعاء على اليهود بالتعويض عنها؟

لكن بصرف النظر عن مواقف الحكومات العربية فإن مطالب «إسرائيل» الجديدة من أموال العرب من شأنها ان تزيد من تأجيج العداء تجاه «إسرائيل» لدى الجماهير العربية وفي اوساط الشعوب العربية، تلك التي تطالبها «إسرائيل» بدفع تعويضات لليهود وتلك التي لا تشملها هذه المطالب. ان «إسرائيل» تدرك حقيقة الهوة الشاسعة التي تفصل بين مواقف الحكومات العربية منها ومواقف الشعوب التي تسيطر عليها - حتى الآن - تلك الحكومات. ولعل هذا واحد من أفدح الأخطاء التي ترتكبها «إسرائيل» حينما تقارن بين ديموقراطيتها واستبدادية الحكومات العربية. إنها تغفل تماما الحقائق المتعلقة بمشاعر ومواقف الشعوب العربية مقارنة بما تتبعه الحكومات العربية من سياسات تجاه «إسرائيل»، ما هو حقيقي منها وما هو اقرب الى الزيف، إرضاء للولايات المتحدة الراعي الأول والأقوى نفوذاً لبقاء «إسرائيل» وازدهارها في المنطقة العربية. وعند هذا الموقع لا بد من ذكر حقيقة ان «إسرائيل» - وفقاً لتصريحات مسؤوليها أعلنت أيضاً أنها تنوي إقامة دعاوى للمطالبة بالحصول على تعويضات من إيران، وهنا تبدو إيران الدولة الوحيدة في «الشرق الأوسط» التي يمكن التأكيد بأنها أبداً لن تستجيب لطلب «إسرائيل» الحصول على تعويضات عن أموال اليهود الإيرانيين الذين هاجروا من إيران الى «إسرائيل» او غيرها من دول الغرب وخاصة الولايات المتحدة.

هل يمكننا ان نرى علاقة بين بروز موضوع التعويضات العربية لليهود منذ 14 قرناً من الزمان وبين ثورات الربيع العربي التي بدأت قبل عام واحد؟

هذا سؤال تبدو الإجابة عليه على قدر عال من الصعوبة، وإن كان يبدو سؤالا مشروعاً في الوقت نفسه. مع ذلك فإننا نميل الى الاعتقاد وفقاً لمنطق التقارب الزمني على الأقل، ان «إسرائيل» توجه بهذا التحرك الجديد نوعاً من الإنذار للحكومات الجديدة التي صعدت الى السلطة خلال احداث عام 2011 - وهي في مجموعها حكومات ذات توجه إسلامي - بأن «إسرائيل» لا تنوي المهادنة مع هذه الحكومات مهما بدا من هذه الحكومات من استعداد لإقامة علاقات وئام مع الولايات المتحدة. وهو توجه سياسي يتطلب مهادنة لـ «إسرائيل». وليس خافياً على احد الآن ان جماعة الإخوان المسلمين التي جنت أغلبية كبيرة في انتخابات مصر لمجلس الشعب، أصدرت من البيانات والتصريحات ما يؤكد التزامها بمعاهدة كامب ديفيد الموقعة بين مصر و«إسرائيل»، اي التزامها بإقامة علاقات طبيعية مع «إسرائيل». وهو موقف يتعارض تماماً مع مواقف جماعة الإخوان المسلمين طوال السنوات التي سبقت هذه الانتخابات. ويمكننا ان نقول إن موقف الإخوان المسلمين الجديد يتعارض مع قناعات الغالبية العظمى من الناخبين المصريين الذين آثروا الإدلاء بأصواتهم لصالح هذه الجماعة، الأمر الذي اكسبهم ما حصلوا عليه من أغلبية.

ان اهتمام «إسرائيل» برفع وتيرة المطالب من الحكومات العربية التي اجتاحتها حالة «الثورة» إنما يؤشر الى رغبة في الحصول على مزيد من النوايا الحسنة من تلك الحكومات تجاه «إسرائيل».

إن ضخامة المبالغ التي تتحدث عنها «إسرائيل» لا بد ان تثير انزعاج الولايات المتحدة من جوانب عدة. اول هذه الجوانب انه إذا حصلت «إسرائيل» على هذه التعويضات فإنها تبيد - لا اقل - قدرة الدول العربية على دفع أثمان الأسلحة التي تشتريها من الولايات المتحدة. والعربية السعودية مثال صارخ على هذه النتيجة. وبوجه عام فإن انتقال مبالغ بهذه الضخامة الى «إسرائيل» من شأنه ان يخل بالميزان المالي العالمي، ويعطي «إسرائيل» نفوذاً مالياً عالياً لا يرضي الولايات المتحدة بأي حال.

وإذا أخذنا بعين الاعتبار حقيقة ان علم «إسرائيل» قد احرق على مشهد من الجماهير الأميركية بل بأيدي الجماهير الأميركية في إحدى تظاهرات «احتلال وول ستريت» في أوائل الشهر الماضي هو حدث دال بذاته على اقتراب ساعة النهاية لـ «إسرائيل»، ولا بد ان نستنتج ان سياسات أميركا الرسمية الموالية لـ «إسرائيل» أكثر من أي دولة أخرى في العالم، لم تعد تستند الى تأييد شعبي في الولايات المتحدة كما كان الحال في السابق. وستتضح هذه الحقيقة أكثر بعد ان تنقضي انتخابات الرئاسة الأميركية في تشرين الثاني /نوفمبر القادم، حينما يعود منسوب الاهتمام الانتخابي بـ «إسرائيل» الى مستوى «عادي». بل ان الانتخابات الرئاسية الأميركية كفيلة بحد ذاتها أن تظهر مدى تراجع نفوذ اللوبي الصهيوني عن مكانته المعروفة في الولايات المتحدة.

إن «الإسرائيليين» أنفسهم يعرفون الى أي مدى تراجعت مكانة «إسرائيل» في أميركا - على الصعيد الشعبي أكثر من الصعيد الرسمي - وهذا بالتحديد ما يعكسه ما عبر عنه المفكرون «الإسرائيليون» في كتاباتهم الأخيرة (حسب «السفير») باعتبارهم أكثر حساسية ومعرفة من الرأي العام «الإسرائيلي» في عمومه.

فهل تفلح طريقة إثارة قضية طلب التعويضات لليهود من الدول العربية في رفع شأن «إسرائيل» الى مكانتها السابقة في العالم او على الأقل في الولايات المتحدة؟

إننا نعتقد ونؤكد أن زمن «إسرائيل» قد ولى كما تنبئ كتابات المفكرين «الإسرائيليين». وكل ما بقي من نقاط الخلاف حول هذه الحقيقة يدور حول ما بقي من عمرها... عشرون سنة او ثلاثون على الأكثر.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 12 / 2176750

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

9 من الزوار الآن

2176750 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 10


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40