الاثنين 2 كانون الثاني (يناير) 2012

يا أصيلة...عودي إلى رُشدِك

الاثنين 2 كانون الثاني (يناير) 2012 par مصطفى محمد أبو السعود

في الفترةِ التي أرخى الضَعفُ بِظِلالِه على ذراتِ تُراب الوطن، واكتسحَ الألمُ بواطنَ النُفوس، وتَراقصت الجِراحُ على الجَوارحِ، واستقر الصدأ في قَلبِ البنادق، وسكنت الحسرةُ في البيوتِ، وطُعنت الظُهور بِخناجرِ الصمت، وتحجرت الحناجر من شدة الصراخ، وشاخ الشبابُ قبل البلوغ، ووقعت الأنوثة في براثنِ الحياة القاسية، وتعادل الإجرام مع التضحية، وأضحى المسجدُ الأقصى أرخص من أصغرِ كازينو في أدنس بقعة على الأرض، ونفضَ الجميع أيديهم من ثِقلِ المسئولية، كانت القضية على موعدٍ مع انفعال الغضب في دم الشرفاء و «كانت فتح».

ولم تَبكِ على ما فات، قررت قطعَ حبال الرقص على جثةِ الشهامة، وإيقاف الموسيقى التي يُذبحُ أبناء فلسطين على إيقاعهِا، وأشعلت لهيبَ الغَضب، فارتفعت حرارة الأرض تحتَ أقدام الغُزاة، وتغيرت معالمُ الكثيرِ من تضاريسِ البلادِ والعبادِ.

مع «فتح»، الأرضُ انبتت أزهاراً جديدةً بألوانٍ رائعةٍ، وبدأت الأحلامُ تخرجُ للأفقِ، وتُعانقُ نُور السماءِ وفَضائها، وكان للشعبِ نصيبٌ كبيرٌ من الحياةِ ، فالشعب الذي كافحَ مِن أجلِ أن يَصلَ به الزمن لمرحلةِ البلوغْ، وصلْ، وبلغْ، وحملْ، وحافظ على حملهِ، رغم أثقال الزمنْ.

مع «فتح»، رُسِمت الابتسامات على شفاهِ المحرومين، وصُبِغت النُفوس بِصبغِة الأمل، وعادت الهامة ترفرفُ كالطيورِ في السماء، بعد موجات الهزائم التي استقرت في خواصرهم.

والتفت الجماهير حول «فتح» لأنها جادت بِكُلِ ما يُمكن، فكانت المظلة التي تَحمي القُلوب، كلما أمطرت الدنيا نوائب، والشجرة التي تُسقط غُصونها شهداء، كلما هز جِذعَها ألمُ الأرض، وصاغت بدماء الشهداء، وأهات الجرحى، وسنين الأسرى، خريطة الوطن السليب، وصنعت بصمةً رائعةً في تاريخِ القضية، كانت بحجم المأساة، ولم ينصع قادتها لأوامر الراحة والبقاء في كنف التنعم بما لذ وطاب من بطن الخليج.

لكن وفي زحمة المصائب، وأمام بريق الوعود، اضطرت «فتح» لتوقيع عقد يقضي بنهاية مجدها القديم، وتجريدها من زينتها الوطنية ، ومجدها المعطر بالدماء، وتجفيف لبن البطولة في نهديها، وتخفيف نسبة الثورة في أحشائها، وإجبارها على إبراز مفاتنها بهدوء، بعدما جُردت من ثوبِ الكرامة، واغتسلت بماء الفنادق، وأُلبست ثوباً جديداً، وأُجبرت على الشرب من سحر الامتيازات السياسية.

مع «فتح» دخلت القضية مرحلة خطيرة، بعدما مُحيت نصوص المبادئ التي تُحرر أرضنا، وبُدلت بنصوص الاتفاقيات التي تُشرعن بيعها، فلم تعد رائحة دماء الشهداء في بطنِ الأرض، تستثير فضول أغلب من تبقى من قادة على ذمة «فتح»، ولم يعد الثوار يرسمون قبلاتهم على جبينِ رفاقهم الشهداء، بل أصبحوا يُخططون كيف يتخلصون من الذين بقي في دمائهِم رائحة من عنفوان الثورة، ولم يعد بحر الفتح يموج بأمواج الغضب على العدو، بل دخلت أمواجه في هدنة دائمة مع قذائف العدو، ولم يعد أغلب ثوار «فتح» يشعرون بنشوة الوطنية حين تلامس أياديهم جلد البندقية.

ما أجمل الحديث عن تاريخ «فتح»، وما أسوا الحديث عن حاضرها، وليس صعباً التنبؤ بمستقبلها إن تنكرت هي لتاريخها، واستمر حاضرها على حاله.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 13 / 2178523

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

12 من الزوار الآن

2178523 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 11


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40