الجمعة 30 كانون الأول (ديسمبر) 2011

ربيع بلا زهرة المدائن

الجمعة 30 كانون الأول (ديسمبر) 2011 par أمجد عرار

لن نمل من الصراخ والتحذير مما يجري في مدينة القدس وما يجري لها. هناك من لا ينتبه وهناك من لا يريد لنا أن ننتبه، بل هناك من يتعمّد حرف البوصلة إلى اتجاهات أخرى بعد أن زيّن الاتجاهات بكثير من البريق وقليل من الحقيقة. هناك في القدس تجري مذبحة تهويد، بكل ما تحمل الكلمة من معنى وفعل ميداني يصل الليل بالنهار للإجهاز على ما تبقى من فلسطينية المدينة وعروبتها ومسيحيتها وإنسانيتها. من الصعب إلقاء الضوء، ولو في إيجاز مقتضب، على ملامح المذبحة وأعمال الصهيونية سكاكينها في الجغرافيا والتاريخ والهوية والبعد الديني، في مدينة تذبح من الوريد إلى الوريد مع أنها تسمى مدينة السلام. عشرات الأدوات الصهيونية تشمّر عن سواعدها وتفعل كل شيء ينتزع المدينة من نفسها ومن نفوسنا.

بلدية الاحتلال التي يحتل رؤساؤها مكانة تفوق مكانة الوزراء في الكيان الصهيوني، ومنهم من أصبح رئيس وزراء (إيهود أولمرت)، تشرف على مسلخ التهويد وتركّز جهودها على النبش والتزوير والتمهيد لهدم المسجد الأقصى، وتبخير البلدة القديمة بما تحتويه من أهم معالم هوية المدينة وتاريخها. هذه البلدية تعمل وحولها كثير من المؤسسات ليلاً نهاراً وعلى نحو منظّم وبلا قفزات كبرى، كي يصحو العالم ذات صباح على مشهد آخر، وعلى مدينة بلا أقصى وبلا قيامة وبلا خيط يربطها بتاريخها، ومفرّغة من سكانها الأصليين حيث يجري جلب مستوطنين من شتى بلاد العالم لتسكينهم فيها.

اليوم، وفي هذه الأثناء تعمل ما تسمى «سلطة الحدائق الوطنية» وجمعية «إلعاد» الاستيطانيتان على إقامة مشروع يعطيانه قشرة سياحية تخفي حقيقة التهويد. فما يجري في حي سلوان المحاذي للبلدة القديمة من الجهة الشرقية ويسميه الصهاينة زوراً «بلدة داوود»، يختزل المخطط الأشمل للتهويد من حيث أهمية المكان وتاريخيته.

هذا المخطط الاستيطاني المجنون يشمل مركّبات متّسقة لمشروع متكامل ومتسارع، ولا علاقة لكل ما يجري تغليف هذا المشروع به من مسمّيات سياحية وخدمية، بالحقيقة التهويدية المدمّرة له.

فعلى 8400 متر مربع تقام مبان من طبقات عدة، وقاعة اجتماعات ومعارض تقدم للزائرين تاريخاً مزيّفاً، ويجري إنشاء مدرج ومعبرين تحت الأرض، يصل أحدهما إلى باحة حائط البراق، وتقام مواقف سيارات ومكاتب استعلامات وغرف دراسية وقاعات وحوانيت، ومكاتب لإدارة المشروع المسمى «مدينة داوود» بديلاً لسلوان.

أين القوى الفلسطينية من هذا الذي يجري، وهي التي صدّعت رؤوسنا بأسطوانة «الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف»؟ وهل سيبقى شيء من شرف القدس لتصبح عاصمة؟ أين منظمة التعاون الإسلامي؟ منظّمة تضم سبعاً وخمسين دولة وترفع العتب بمناشدة المجتمع الدولي الذي تشكّل دولها نصفه بالحجم وأربعة أخماسه بالإمكانات. ونسأل : ألم يتم تأسيسها لأجل القدس بعد حريق الأقصى عام 1969؟ الحريق الآن يطال القدس كلها، وفلسطين برمتّها، ولن يسلم منه أحد إن ظلت أمتنا صامتة كشواهد القبور أو تنطق بما الصمت أفضل منه.

ماذا نقول لهذه الأمة؟ ألأنها أعارت مرآتها للآخرين : يا أمة نسيت وجهها وأخرجت نفسها من التاريخ، وغداً من الجغرافيا؟ وإلا لماذا تغيب القدس عن المنابر والشوارع؟ ولماذا التعتيم على ذبح هذه المدينة المستغيثة بلا مجيب؟ لا تضحكوا علينا بربيعكم .. لا ربيع بلا زهور فكيف به بلا زهرة المدائن.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 12 / 2165883

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2165883 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 18


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010