الأربعاء 28 كانون الأول (ديسمبر) 2011

المأساة الجزائرية في التنابز التركي - الفرنسي

الأربعاء 28 كانون الأول (ديسمبر) 2011 par فيصل جلول

ما كانت تركيا الكمالية شديدة الاهتمام بالجرائم الفرنسية التي ارتكبت في الجزائر خلال 130 عاماً من الاحتلال. ولم يسبق لحكومة التيار الإسلامي أن تناولت هذه القضية أو رفعت صوتها دفاعاً عن الشهداء الجزائريين، حتى عندما قرر البرلمان الفرنسي 2001 اعتبار مجازر الأرمن خلال الحرب العالمية الأولى جريمة إبادة جماعية. ولا نلحظ في أدبيات التيار الإسلامي التركي أية إشارة إلى هذه القضية، ما يعني أنها ذريعة طارئة «لمعايرة» فرنسا بتاريخها الوحشي.

وإذا كان المثال الجزائري، بغض النظر عن تبنيه من طرف أردوغان، يلقي الضوء على المذبحة الفرنسية الأهم في القرنين التاسع عشر والعشرين، وبالتالي يجرم باريس بتهمة الإبادة البشرية، فالصحيح أيضاً أن الموقف التركي من هذه القضية لم يكن صادقاً للأسباب التالية :

- أولاً : لقد امتنعت تركيا عن التصويت في الأمم المتحدة على قرار يعترف باستقلال الجزائر عن الاستعمار الاستيطاني الفرنسي، الأمر الذي ألحق أذى بالقضية الجزائرية، ولربما أسهم بصورة غير مباشرة في إعانة الحكومة الفرنسية على تشديد قبضتها الحديدية على الشعب الجزائري المنتفض.

- ثانياً : عندما احتلت فرنسا الجزائر في عام 1831 اتفقت مع البعثة العثمانية الموجودة في العاصمة على مغادرتها من دون أن تصاب بأذى، وتمكن الحاكم التركي من الخروج سالماً، ونجا بأمواله وحاشيته، تاركاً الجزائريين يواجهون مصيرهم بأيديهم ووسائلهم الخاصة.

- ثالثاً : لقد كانت الجزائر في ظل النظام الإمبراطوري الدولي في القرن التاسع عشر تابعة للخلافة العثمانية، وبالتالي كان على العثمانيين أن يدافعوا عنها بواسطة أسطولهم البحري، غير أنهم امتنعوا عن ذلك، بل ثمة من يعتقد أنهم اتفقوا مع فرنسا على احتلال هذا البلد.

- رابعاً : لم يبادر العثمانيون إلى دعم المقاومة الأولى بقيادة الأمير عبد القادر الجزائري الذي أصدر فتوى تحرم وجود الأجانب على الأرض الجزائرية، بيد أن الفرنسيين استطاعوا أن يحصلوا على فتوى مضادة من أصدقائهم تعتبر أن وجودهم على الأرض الجزائرية لا غبار عليه.

- خامساً : لقد نظم الشعب الجزائري موجات متتالية من المقاومة ضد الاستعمار الفرنسي، ولا نجد أثراً مهماً لمعونة عثمانية أو تركية كمالية من بعد للمقاومة الجزائرية.

- سادساً : في كتيب أصدره عام 1939 (دار فرنان سورلو) بعنوان (أتاتورك وتركيا الجديدة) يروي السفير الفرنسي في أنقرة الكونت شارل دو شامبران جانباً من محادثاته مع مصطفى كمال وفيها يؤكد «... أن تركيا يتهددها خطران، الأول يتمثل بالقومية السلافية في الشمال، والثاني يتمثل بالوحدة العربية في الجنوب. إن انتدابنا على سوريا هو بمثابة ضمانة ضد توحيد العرب الذين يغلون من أجل تحقيق هذا الهدف، وهذا الأمر كان موضع ترحيب في أنقرة»، والواضح أن السفير لم يأت على ذكر الاحتلال الفرنسي للجزائر لأنه كان يعتبر أن أمرها مفروغ منه، بوصفها جزءاً لا يتجزأ من الأراضي الفرنسية، وبالتالي فإن توحيد العرب الذي يضر بالأتراك في حينه، هو نفسه كان يضر بالفرنسيين، وأن الطرفين كانا يتعاونان من أجل دفع هذا الخطر عنهما، وبالتالي كانت مقاتل الجزائريين في حينه أو «الإبادة الجماعية» التي يشكو منها أردوغان اليوم تنطوي على مصلحة مشتركة، وأن الحديث التركي الذرائعي اليوم هو الوجه الهزلي لمأساة الأمس الناجمة عن التحالف التركي الفرنسي، على وجوب إبعاد الخطر التوحيدي العربي عن الأمتين المتحالفتين، واللتين ستتعايشان معاً في الحلف الأطلسي من بعد، وستشتركان في معارك عديدة ضد الناصرية والتيار التوحيدي العربي الذي احتل المسرح السياسي العربي خلال الحرب الباردة.

بالمقابل تبدو الحجة الجزائرية في الرد التركي على تجريم البحث في جريمة الأرمن وكل جرائم الإبادة الجماعية شديدة القوة، وإن لم تكن الوحيدة، فقد ارتكبت فرنسا الملكية الكاثوليكية فعل الإبادة الجماعية ضد البروتستانت فيما يعرف بمذبحة سانت بارتليمي، وبادرت الجمهورية العلمانية في عهد اليعاقبة إلى إبادة مسيحيي منطقة الفاندي شرقي البلاد، وهؤلاء رفعوا أعلاماً سوداء رداً على الاحتفالات الشهيرة بالمئوية الثانية للثورة الفرنسية عام 1989.

هذا إذا أردنا إهمال الجرائم الفرنسية المختلفة في العهد الاستعماري في آسيا وإفريقيا، وكل ذلك يجعل هذا البلد في موقع لا يحسد عليه إذ يتصدى لجرائم الإبادة الجماعية عند غيره، ويعتبر أن جرائمه الوحشية غير جديرة بالذكر.

يبقى أن الجزائر هي صاحبة القضية، وهي المعنية أولاً بالدفاع عن شعبها، وبطلب العدالة لمئات الآلاف من أبنائها ممن أبيدوا في عهد الاستعمار الفرنسي الاستيطاني، علماً بأن هذا البلد ارتكب خطأ كبيراً لحظة الاستقلال، عندما وقع على بند في «اتفاقية إيفيان» يمنع الجزائريين من طلب تعويضات مادية ومعنوية عن فترة الاستعمار، ويحول دون مقاضاة فرنسا عن تلك الفترة الدموية.

.. والراجح أن هذا الخطأ قابل للتصحيح، ذلك أن الأمم المتحدة اعترفت في عام 1948 بوجوب إدانة جرائم الإبادة الجماعية، ووفرت بذلك الفرصة للشعوب المظلومة كي تحصّل حقوقها من الشعوب الظالمة، ما يعني أن الكرة في ملعب الجزائريين الذين لم يتنازلوا يوماً عن حقهم، لكنهم لم يجتهدوا كفاية لتحصيله.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 23 / 2178770

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

13 من الزوار الآن

2178770 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 13


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40