الاثنين 26 كانون الأول (ديسمبر) 2011

«الأخوان المسلمون» : حتى لا تتكرّر الخطيئة...!

الاثنين 26 كانون الأول (ديسمبر) 2011 par أيمن اللبدي

يتشدَّد عدد لا بأس به من منظري الإسلام السياسي منذ فترة بعيدة على توصيف ما يخص نشاطهم تحت مصطلح «الحركة الإسلامية»، وفي كثير من الأحيان وعند معظمهم يقصرون هذا المصطلح بينهم على ما يشير إلى انتمائهم الحزبي السياسي بحسب موقع ما يؤيدون، فإن كانوا ينتمون إلى جماعة «الأخوان المسلمون» فهم يقصدونها ولا يقبلون توسيع ذلك لغيرهم إلا على مضض، وإن كانوا لخارج ذلك منتمين فهم يقصدون ما اتسع منها بحيث يشملهم ويستقرُّ خارج حدودهم قليلاً، ومع أن أقوى صراعات الإسلام السياسي داخليا كان قد بدأ باكراً منذ تشكيل «حزب التحرير الإسلامي» في الخمسينات، هذا على اعتبار أن مواجهة «الأخوان المسلمون» مع الصوفية وإن غلب عليها الطابع الفكري لم تخف الوهج السياسي المضمر فيها، إلا أنه اتسع في دائرته لاحقاً ليشمل التعبيرات السلفية بأنواعها المختلفة.

منذ انطلاق الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، لم يعد مفهوم «الحركة الإسلامية » ولا حتى الهدف والغاية من نشاط الإسلام السياسي في «الحكومة الإسلامية» حكراً على دائرة نشاط جماعة أو جمعية «الأخوان المسلمون » ولا حتى ما انبثق عنها أو فرخته من مجموعات وتنظيمات وأحزاب وحركات يطيب للإخوان دوما الإشارة إليها وإن بمزيج من الفخر والاستياء معاً، بأن ذلك كلّه قد خرج من تحت عباءة الأخوان أنفسهم، والواقع أن في هذا حقيقة لا يمكن التغافل عنها بحال، فإن واحدة من أهم منجزات النشاط الإخواني في المنطقة العربية كان في إحياء أو استعادة نشاط الفكرة الإسلامية سلوكاً وبحثاً وطرحاً، ومواجهة موجة عاتية من محاولات أو تراكمات الانزياح عن الموروث الحضاري لهذه الأمة، إن بفعل التغريب الهاجم مع الاستعمار القاصد طمس هوية هذه الأمة، أو نتيجة وضع الأمة الداخل إلى القرن الجديد على مشارف ما انصرم وهي ترزح تحت ثقل الجهل والفاقة والمرض والعجز.

فرضت التغيرات التي طرأت منذ نجاح قيام «الإسلام الثوري الحركي» بتكريس جمهوريته في إيران على الفكر الإسلامي الدعوي في العالم العربي نفسها، مما أدى إلى تسرب فكرة الحركية إليه وضغطها على حملة شعار «الإسلام هو الحل»، فالأخوان الذين اختلفوا باكراً بينهم وانشق عنهم الذين وجّهوا الانتقادات الشديدة والعنيفة لكتالوج طريقة تحقيق الهدف بإقامة «الحكومة الإسلامية » وطبعا تالياً الخلافة عبر برنامج التربية المتحقق عن طريق «الدعوة»، لم يستطيعوا تبرير إخفاقهم الواضح اليوم في تحقيق هذا الهدف رغم انطلاق برنامجهم هذا منذ العشرينات من القرن الماضي، بينما تحقق هذا الهدف في منطقة أخرى من العالم الإسلامي عبر برنامج كفاحي حركي مختلف تماماً، صحيح أنه لا يشابه ولا يسير وفق ما اقترحه المنشقون الأول عن الأخوان في ما تبناه الخارجون في تشكيل «حزب التحرير الإسلامي» شبها تاما وخاصة فكرة طلب «النصرة»، ولكنه على الأقل يتحرك في الأفق الأوسع ضمن ذات الاتجاه العام في فكرة الحراك. عندما أصبحت «الحكومة الإسلامية» الحركية واقعاً في طهران، كانت مرارة الأخوان مزدوجة لأنها جاءت من خارج عباءة الأخوان ومن خارج فكرتهم وكتالوجهم أيضا، وبدلا من أن يجد تنظيم الأخوان المسلمون الدولي طريقه للقاء مع هذا النجاح الذي يخدم ما أعلنوه وما طمحوا إليه، باتوا يحتالون الفروقات والتصنيفات سبيلا وصولا إلى الطرق على اختلاف «المذهب الفقهي» والاستحكام حوله مانعا من اللقاء الذي كان سيكون مفيداً لهذه الأمة، وتماما مثلما واجهت الجماعة استحقاق الخمسينات في ثورة الضباط الأحرار في مصر المحروسة، وبدلا من الإسهام في إنجاح التجربة القومية والمشروع النهضوي الحقيقي الذي طرحه الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، ذهبوا إلى خيار المواجهة واستنزاف الجهد ولو أنتج التخريب والتعطيل في فترة كان مشروع مواجهة الاستعمار الكولونيالي وإرثه الثقيل الذي أبقاه في المنطقة العربية بأمس الحاجة إليها، ليس فقط في اللحظة التي أراد فيها تحقيق أولى خطوات التقدم والتطوير للمجتمع العربي، بل في اللحظة التي أراد فيها أيضا مواجهة أخطر ما فرضه هذا الاستعمار في اغتصاب فلسطين وزرع الكيان الصهيوني في العمق العربي لضرب مشروع القومية العربية في قلبه.

المواجهة المفتعلة والمجانية مع المشروع النهضوي القومي العربي الذي حمل لواءه وفكرته الراحل عبد الناصر تمت باسم الاسلام السياسي ويتحمل وزرها الأخوان حكما فرضت نفسها، صحيح أن بعضهم قام بمراجعات تالية بعد نصف قرن واعترف بهذه الخطيئة التاريخية، وصحيح أن بعضهم الآخر خطا إلى اللقاء مع الفكر القومي أو إطاره النظري الفكري وما تبقى من مفاعيله لتحقيق صيغة «مؤتمر قومي إسلامي» مثلاً، إلا أن هذا النتاج كان سيكون لو تم إبان حاجته الملحة قبل نصف قرن سببا رئيساً ربما لتغيير المستقبل العربي برمته، وكان مستحقاً بالقطع ليفضي ضمن أسباب القوة ليكون مستقبل هذه المنطقة مشابها لمستقبل جغرافيا إسلامية مثل ماليزيا أو تركيا التي كانت يومها أقل قدرة وفرصاً بكثير من أن تخلق ربع النجاحات التي خلقتها لو تحقق ذلك، ولعل هذا في الأسباب الرئيسة التي لا يجب إغفالها عند مواجهة السؤال الموجع لماذا وصلت هذه الجغرافيا إلى ما وصلت إليه في التنمية والتطور وعزّت على جغرافيا العرب، حتى أن التبرير الذي قد يستخدم وهو تحدي الكيان الصهيوني نفسه كان سيكون التعامل معه مختلفا ولربما كان أيضا مساره ومصيره مختلفاً إلى حد كبير.

اليوم لدينا تحقيق لهدف «الحكومة الإسلامية» وربما سيشهد العالم العربي هذا الوضع على أوسع مساحة ممكنة منه وفي أقطار رئيسة مثل مصر، والأخوان المسلمون وليس تنظيم «الجهاد الإسلامي» أو صوره المذهبية المختلفة هم الذين يصلون إلى تحقيق هذا الهدف، ليس عن طريق «كتالوج التربية» الشهير، وإنما عبر ما لا يخفى من استغلال الفرصة التاريخية بما يثبّتها مما يقال عن تفاهم أو اتفاق أو حتى تقاطع مصالح استراتيجي مع الغرب وخاصة أمريكا، وهم في هذا موضع اختبار وامتحان ليس فقط على صعيد تحقيق صورة وصيغة «الحكم الرشيد » في الأقطار التي سيتسلمون دفة السلطة فيها، وبالتالي ترجمة الشعار التاريخي «الإسلام هو الحل »، بما يشمل ذلك كل من تظله راية الفكرة سلفية أم صوفية أم إخوانية وسواها طالما وصلت سدة الحكم وكانت فيه شريكة، إذن هو ليس فقط في الحيّز القطري أو «الولاياتي» - إن أردنا التعبير الإسلامي - بل الأهم والأساس في مفصلين أساسين لا يمكن القفز عنها عند متابعة سير وحصاد هذه التجربة التي طالما تمناها وبشّر بما سيشهده زمانها الأخوان المسلمون إن تحقَّقت، وهذه المفاصل جلية في اثنتين :

الأولى : مسار تحدي الاستقلالية والعزة والكرامة فضلا عن التنمية والتطور لهذه الأمة وإجابتها في التحدي العالمي عن سؤال الموقع والدور، فبدون أن يكون هناك تحقيق مناسب لهذا الأمر، ستكون تجربة «الاسلاميون أو الإسلامويون» تجربة ليس فقط فاشلة على نفسها وما ادعته، بل مسيئة للفكرة الإسلامية وما تقتضيه ولا تقوم بغيره، وصحيح أنها ستلحق فقط كما كل عصر بحامل الفكرة وليس بالمحمول، إلا أن وزرها سيمتد في حالة الفشل لا سمح الله إلى قادم لا بأس به من الزمن، وقد يعيق حاملا آخر أكثر حظوظاً بتحقيق هذه الغاية.

الثانية : مسار تحدي ذروة سنام الفكرة المحمولة في الإسلام، أي الرد على اغتصاب فلسطين واحتلالها من قبل العدو الصهيوني وحلفه المعلوم، ومسار تدنيس المقدسات والاعتداء اليومي على مدار الساعة على أرض الإسلام فيها واستباحة الدماء والأعراض والذمم، وخاصة عندما يحاول بعض الفرَّار استخدام نصوص التأويل في تحليل الحرام فيها . وإذا كانت الدعاية الانتخابية في هذا الموضع عند الإسلاميين قائمة على استخدام الموروث التاريخي وخاصة في أداء صلاح الدين الأيوبي وإنجازه، فإن المنتخب اليوم والمقدّم على أساس هذا البرنامج ينتظر منه ما هو أكثر تجلية وحصولا عندما يخلى بينه وبين الميدان.

عندما ترشح اليوم ملاحظات مخيفة عن تخطيطات استراتيجية غربية (أمريكية - أوروبية) بتحريض صهيوني وتسعى إلى تحويل في المسارات بحيث تستبدل التحديات الأصل ببديل يراد فرضه على هذه الأمة يتلخص في تخليق عدو غير حقيقي هو إبران عبر شيطنتها وفرض المواجهة معها، فإن ثمة الكثير ليقال هنا وليتم التحذير منه دون تأخير ولا مواربة، وإذا كان الهدف هو إدخال المنطقة في أتون فتنة مذهبية تبدأ بعيارات محلية النطاق وقطرية الطابع ليصار منها اختلاق فتنة مركزية العيار فإن التحذير يكون قد استوجب نفسه مكرراً ومكبّراً، ولا يمكن بحال إخفاء الحفاوة التي تسوقها حكومة حزب العدالة والتنمية في تركيا لسيناريو خاص يفضي إلى «عثمانية جديدة» في العالم العربي وربما الإسلامي حاجزه الأساس المواجهة مع إيران،ويكرّر الإخوان المسلمون الخطأ التاريخي الذي اقترفوه مع المشروع القومي الناصري ذاته هذه المرة مع المشروع الإسلامي الإيراني إن استمرأوا فكرة كهذه بأي صورة كانت، وستكون أمامهم فرصة تاريخية للتعويض عن هذه الخطيئة إن فعلوا اليوم عكس هذا المسار تماماً وقادوا لقاءا تاريخيا وتوحيداً حقيقيا لما يفترض أنه هدف وسمة المشروع الإسلامي الحقيقي والدور الحضاري الحقيقي المطلوب لهذه الأمة ، ولا يكون ذلك إلا عبر وحدة من هذا النوع تجمع التجربة الإسلامية في إيران مع التجارب الإسلامية في العالم العربي، يمكن لهكذا لقاء أو حلف استراتيجي ولو في حدوده الدنيا تيل قسط هام من تحقيق الإجابة الحقيقية على هذه المسارات.

الذين ينفخون في نيران الفتنة المنكرة ربما بدأ بعضهم منذ فترة ليست بالقصيرة في التهويل من «خطر شيعي» على العالم العربي وبعضهم زاد قطره ليصل الدائرة الإسلامية، وهذا غير صحيح ومناف لكل الحقائق الملموسة على الأرض، يهيئون لخطيئة جديدة تساق إليها هذه التعبيرات الإسلامية الصاعدة في الأقطار العربية بقطع النظر عن طريقة صعودها، فالحكومة الاسلامية في إيران المتهمة بفرية السعي إلى تشييع العالم العربي لم تنشئ تنظيما دوليا للمذهب الشيعي مثلا وهي قادرة بكل المقاييس لو أردادت ذلك عليه، وهي لم تستغل طلائع وتجارب ناجحة قوية مثل حزب الله في لبنان مثلا ليفتتح له فروعاً في العالم العربي، وهو افتراض نعلم عدم حقانيته أولا من جهة حق حزب الله نفسه في هذه المسألة، فهو ما انفك مؤكداً على وطنيته ولبنانيته ومحددا إطار نشاطه وإطار مقاصده وإن كان واضحاً في مسألة طرحه جهة تحديد معسكر أعدائه بدءا بالعدو الصهيوني وجهة تحديد غايته بتحرير فلسطين انطلاقا من محركات انتمائه العقدية والشرعية وهي مسألة لا تدينه بل تقدّم له المواضع الأمامية في هذه الأمة خاصة وهو يحقق انجازات إستراتيجية في ردع عدوان هذا العدو ويهديها إلى الأمة كافة. وطبعا فإن مسألة استقلالية قراره الوطني والسياسي من فمه ومن شواهد فعله قائمة بحيث تقطع حتى شبهة «الأداتية» لطهران التي يحاول البعض الرقص من حولها، هذا كله عوضا عن إعلان إيران الإسلامية والذي لا مسوّغ لعدم الإجابة فيه وهو المستمر والمتوالي لرغبتها في اللقاء مع أشقائها العرب والمسلمين لتحقيق أهداف هذه الأمة ومواجهة الاستحقاقات والتحديات الأصيلة المشتركة لها وأساساً في مسألة فلسطين، وواجب تحريرها الذي هو هدف ونتيجة معا يحققان عزة هذه الأمة ودورها الحضاري المستلب بدلا من أن تكون نهبا لسياسات وخطط المستغل المستكبر الآخذ طريقه للانكفاء استراتيجيا في هذه الأيام لا سيما وهم مقبلون على هزيمة اقتصادية لا مثيل لها في المستقبل القريب مزاوجة للهزيمة العسكرية الثقيلة بما ستفرضه من استحقاقات في حوضه وحديقة بيته نفسه، ذلك في الوقت الذي يتحضّر فيه العالم لقطبيات جديدة جلُّها تقع في مصلحة الأمة من حلفاء سابقين ومستمرين لها من روسيا والصين والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا وسواها. ذلك يأتي على ضوء الناجاحات الاستراتيجية التي حققتها التجربة الإسلامية الإيرانية في مجال التنمية والتطور واستحقاق وامتلاك قوة إستراتيجية بارزة في هذا الإقليم لا يمكن إنكاره وبدلا من مواجهته لتحطيمه يكون المقصد الإسلامي في التعاون هو موضع الحق وسواه موضع الظلم للنفس الذي لا تبرير له بحال .هل يسجّل الإسلاميون النقلة الإستراتيجية لهذه الأمة أم يسجّلون أخطر فتنة في تاريخها منذ اندلاع الفتنة الكبرى بين الصحابة؟



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 37 / 2166097

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع مستشار التحرير   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

13 من الزوار الآن

2166097 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 12


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010