السبت 24 كانون الأول (ديسمبر) 2011

دور إيران في التوازن الإقليمي

السبت 24 كانون الأول (ديسمبر) 2011 par د. غضنفر ركن أبادي

منذ أن انتصرت الثورة الإسلامية في إيران في العام 1979م وهي تضع نصب عينيها هدفين أساسيين. الأول، داخلي يتصل ببناء دولة قويّة، تقوم على الإرادة الشعبية وموازين العدالة الاجتماعية والحرية والاستقلال والتنمية من أجل توفير أفضل فرص الحياة للمواطن الإيراني على هدى التعاليم الإسلامية. والأمر الثاني، يتصل بالخارج الإقليمي ويتمثل بإيجاد استقرار في الإقليم، من خلال إنشاء علاقات على أساس الاحترام المتبادل بين إيران ودول الجوار، يعيداً من التواجد الأجنبي في المنطقة، وتحديداً التواجد الأميركي الذي ما زالت الجمهورية الإسلامية تنظر إليه هو والاحتلال «الإسرائيلي» لفلسطين، بوصفهما سبباً مباشراً لمشاكل المنطقة وعدم الاستقرار فيها.

وإذا كانت الجمهورية الإسلامية قد استطاعت، باعتراف الجميع، أن تحقق إنجازات هائلة على مستوى الداخل الإيراني، بمختلف المجالات الاجتماعية والسياسية والثقافية والاقتصادية، فهي في الوقت نفسه، قطعت شوطاً كبيراً على مستوى الأهداف الإقليمية من خلال سياساتها الخارجية.

تنطلق إيران في سياساتها الخارجية، وفي تحديد رؤيتها إلى القضايا الإقليمية من التعاليم الإسلامية المباركة، ومن مستلزمات هذا الالتزام أن الجمهورية الإسلامية كانت وما زالت تغلّب منظومة المبادئ التي تؤمن بها على المصالح، وليس أدلّ على ذلك من القضية الفلسطينية، التي لو تخلت عنها إيران، لتحولت إلى دولة تحظى بدعم وتأييد كل دوائر الاستكبار العالمي. لكنها ظلت على الدوام إلى جانب الشعب الفلسطيني المظلوم، انسجاماً منها مع مبادئ الحق والعدل وشرعة حقوق الإنسان.

على هذا الأساس يمكن القول، إن للجمهورية الإسلامية ثوابت تنطلق منها في سياساتها الإقليمية، ولا يمكن لها أن تحيد عنها أو تفرط بها. الثوابت هي :

الجمهورية الإسلامية تؤمن بضرورة قيام علاقات، أخوية وإيجابية وعلى أساس الاحترام المتبادل، مع الدول العربية والإسلامية كافة في المنطقة. وان إيران إذ تؤكد على عدم وجود أي نيات سيئة تجاه الدول المجاورة، فإنها تعمل بصدق وجدية على التعاون والتكامل بينها وبين دول المنطقة، ولهذا هي أكدت مراراً على استعدادها لوضع خبراتها وإمكاناتها في خدمة أشقائها العرب والمسلمين، في مختلف المجالات، لا سيّما في مجاليّ الطاقة النووية والصناعات الثقيلة.

الجمهورية الإسلامية تتبنى القضية الفلسطينية، ولا تذيع سراً إذ تقول إنها إلى جانب الشعب الفلسطيني المظلوم وإلى جانب الشعوب العربية المضطهدة من قبل الكيان الصهيوني الغاصب وإلى جانب المــقاومات التي تعمل على تحرير الأرض والإنسان من هيمنة هذا الكيان، وتؤمن بأن خيار المقاومة هو لغة التفاهم الوحيدة مع هذا العدو. وخلاصة الكلام لا يمكن لإيران أن تعترف في يوم من الأيام بـ «إسرائيل» تحت أي ظرف من الظروف.

الجمهورية الإسلامية تعتقد أن التواجد الأجنبي في المنطقة، هو السبب الرئيسي في عدم استقرارها، وتعمل على أن تكون هذه المنطقة خالية من التواجد العسكري الأجنبي. ولا يخفى في هذا المجال أن الطريق الأفضل من أجل توفير الاستقرار والهدوء في الإقليم إنما يكون عبر تشكيل منظومة أمن إقليمية، تتشكل من دول المنطقة، بعيداً عن الوجود الأجنبي وتدخلاته. ويمكن القول إنه لولا التدخلات الأجنبية، وتحديداً الأميركية والصهيونية، في شؤون المنطقة لما كان هناك الكثير من المشاكل التي نعيشها حالياً.. أميركا تعمل بالتنسيق مع الكيان الصهيوني في الخفاء على إيجاد المشاكل، ثم تتظاهر بالعلن أنها تعمل على حلها، وهي في كل ذلك، لا همّ لها سوى توفير الحماية لـ «إسرائيل» وضمان تفوقها، والهيمنة على ثروات الشعوب، وخاصة الطاقة.

لقد حاولت قوى الاستكبار العالمي، على مدى ثلاثة عقود، إسقاط الثورة الإسلامية المباركة وحصارها من خلال الكثير من المؤامرات التي خططت لها، بدءا من اليوم الأول لانتصار الثورة، عن طريق محاولة إسقاطها من الداخل، مروراً بدعم الحرب المفروضة مدة ثماني سنوات من خلال نظام صدام حسين، وصولاً إلى سياسة الحصار والعقوبات على خلفية المسألة النووية الإيرانية. وإذا أردنا إجراء مقاربة هادئة وموضوعية لميزان الربح والخسارة في الحرب الباردة بين إيران وهذه القوى طوال هذه الفترة، يمكن أن نخلص إلى نتيجة أن إيران انتصرت في كل المواقع، فيما فشلت هذه القوى في كل مؤامراتها ضدّ إيران.

وإذا كانت إيران قد استطاعت أن توجد توازناً استراتيجياً، على مدى العقود الماضية، من خلال تشكيلها سداً منيعاً أمام المخططات الأميركية، فإننا اليوم أمام بداية مرحلة جديدة، أبرز ما فيها اختلال هذا التوازن لصالح إيران في مقابل انكفاء المشروع الأميركي ـ الصهيوني عن الإقليم. إذ مع الانسحاب الأميركي من العراق يمكن أننا بتنا في ربع الساعة الأخير من هزيمة هذا المشروع في المنطقة.

لقد تحولت الثورة الإسلامية إلى نموذج اقتدت به شعوب المنطقة على صعيدين : المقاومة والثورة على أنظمة الطاغوت والظلم.

1- المقاومة في لبنان، ساهمت في إسقاط المشروع الصهيوني المدعوم أميركياً من خلال نجاحها في تحرير جنوب لبنان العام ألفين، وأيضاً من خلال انتصارها التاريخي على «إسرائيل» في العام 2006.

وكذلك المقاومة الفلسطينية، التي استطاعت أن تقف سداً منيعاً أمام تصفية القضية الفلسطينية على خلفية المشاريع الإسلامية، هذه المقاومة حققت انتصاراً كبيراً على هذا العدو في أواخر العام 2008، بحيث يصحّ القول إن «إسرائيل» اليوم في أضعف مراحل وجودها، في حين أن المقاومة في أقوى مراحلها منذ انطلاقتها.

أما المقاومة العراقية، فقد أثمرت تضحياتها انسحاب أميركا بشكل مهين من بلاد الرافدين، من دون أن تتمكن من تحقيق أي من أهدافها هناك. وهي مثقلة بخسائر بشرية ومادية ومعنوية كبيرة جداً. ويمكن القول إن هذا الانسحاب بمثابة مؤشر على انسحاب أميركا من سائر الإقليم.

2- وكذلك فإن صحوة الشعوب العربية أسقطت أنظمة عميلة لأميركا، ووضعت الشعوب أمام نضال من أجل الحرية إلى جانب نضالاتهم من أجل التحرير، والشعوب العربية بذلك تشترك مع الشعب الإيراني في ثورته الإسلامية بمسألتين :

إسقاط الطاغوت داخلياً ثم الاستقلال عن الهيمنة الخارجية بمنطلقات إسلامية وإنسانية.

الدليل على أن إيران باتت اليوم قوّة تتفوق على المشروع الصهيوني المدعوم أميركياً في المنطقة، هو جبن هؤلاء جميعاً عن القيام بأي عمل عسكري ضدّ إيران رغم تهديداتهم المتواصلة لها. «إسرائيل» التي اعتادت على حلّ مشاكلها من خلال اللجوء إلى القوة العسكرية، والمتمرسة على الحروب، لماذا لا تجرؤ على توجيه ضربة عسكرية لإيران، رغم تهديداتها اليومية لها؟ ورغم ادعائها ان إيران تشكل خطراً نووياً عليها. أميركا أيضاً التي احتلت أفغانستان والعراق، وضربت من قبل في الصومال وليبيا ولبنان، ومتواجدة عسكرياً في المنطقة بكثافة، أميركا هذه تهدد إيران بشكل شبه يومي منذ ثلاثين عاماً، لكنها لا تجرؤ على التحرش بإيران لأنها تعلم بأن إيران تستطيع أن تُلحق بها هزيمة كبرى. والطائرة RQ170 التي قامت قواتنا بإهباطها في إيران من خلال كمين الكتروني، خير دليل على بلوغ الموقف الأميركي من إيران ذروة الضعف. طالبتنا أميركا باسترداد الطائرة فرفضنا، ماذا تستطيع أن تفعل أميركا معنا سوى الصمت؟

ورغم العقوبات الأوروبية والغربية المفروضة علينا، فإننا اليوم في أحسن الأحوال، وباطمئنان يمكن أن أقول إن إيران أصبحت دولة تعيش الاكتفاء الذاتي في مختلف المجالات، وبإمكانها الاستغناء عن أي طرف أجنبي.

لم يبقَ أمام مشروع الصهيوني ـ الأميركي من ورقة تلعبها في المنطقة سوى الفتنة المذهبية، والمؤامرة على سوريا، يريدها أن تصب في هذا الاتجاه، لكن سوريا بصمودها شعباً ونظاماً وجيشاً ومؤسسات، أوصلت المتآمرين عليها إلى طريق مسدود.

نحن متأكدون من أن مصير الشعوب العربية والإسلامية هو الانتصار على الاحتلال «الإسرائيلي» والاستكبار الأميركي.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 16 / 2176747

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

11 من الزوار الآن

2176747 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 3


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40