الاثنين 26 كانون الأول (ديسمبر) 2011

من المهد

الاثنين 26 كانون الأول (ديسمبر) 2011 par د. حياة الحويك عطية

هي الهدية التي يمكن لها أن تختلف هذا العام عن كل ما سبقها، هدية يطالب الفلسطينيون اليونسكو، وقد حصلوا على عضويته، بأن يضعها في كيس سانتا كلوز ويقدمها لأطفال بيت لحم: إدراج كنيسة المهد على قائمة التراث الإنساني التي تتكفل المنظمة الدولية بحمايته. هو حق لكل عضو في اليونسكو أن يمارسه، ولن يكون بإمكان هذا العالم الذي يقيم المغارات الرمزية من القطب الشمالي الى القطب الجنوبي، ويتفنن في تصميم الاحتفالات بميلاد السيد المسيح أن يرفض حماية الكنيسة التي أُقيمت فوق المغارة التي ولد فيها، أو على الأقل، التي تؤشر رمزياً إلى مكان ولادته.

وحتى لو افترضنا أن الغرب مضى في نفاقه حد الرفض، أو أن الضغوط اليهودية استطاعت أن تتصدى لهذا الطلب في المرة الأولى، فان تسجيل المطالبة وتكرارها لا بد وأن يؤديا في النهاية إلى إقرارها. خطوة يمكن أن تتبعها خطوة أخرى تتعلق بكنيسة القيامة في القدس، والمسجد الاقصى، وفي النهاية المدينة المقدسة كلها. أولم تعتبر صنعاء القديمة كلها وحدة تراثية أثرية، أدرجت على قائمة التراث الإنساني؟

نعرف أن المقارنة غير جائزة لصعوبة الاشكالية المتعلقة بالقدس، ولذا ستكون المعركة شرسة، لأنها معركة مقاومة ثقافية جوهرية. ولنبدأ بالمطالبة بكنيسة المهد لمناسبة عيد الميلاد الذي يقره العالم كله.

مطالبة تبدو ملحة في ضوء ما تتعرض له الكنيسة التاريخية من أخطار بنيوية، لا تنفصل عن المخطط «الإسرائيلي» العام الهادف إلى تدمير شواهد التاريخ الفلسطيني وخاصة معالمه الدينية، المسيحية والإسلامية التي تتناقض مع يهودية الدولة.

كما أنها تبدو ملحة من منظور آخر، هو ذلك المتعلق بالتذكير بما يريد الغرب الأمريكي والأوروبي أن يمحوه، أي مشرقية الرسالة المسيحية وارتباطها بأرض ليست فقط مهد السيد المسيح في بيت لحم وإنما هي مهد الرسالة كلها في القرون الأولى انطلاقاً من فلسطين.

لا نقول ذلك لنبني مشروعية الحق الوطني الفلسطيني على الجانب الديني، وإلا كنا نواجه اليهود بمنطقهم الذي نحاربه، والذي يتعارض مع العلم والتاريخ ومع تشكّل الأمم وحقوقها في أرضها . فحق الشعب في ارضه هو هو سواء كانت مقدسة أم عادية، وسواء كانت خضراء أم صحراء. إنه حق متأت من استمرار حياته على هذه الأرض وتفاعله معها عبر القرون، وهذا ما يفتقر إليه الادعاء الصهيوني.

لكننا من جانب آخر، لا يمكن أن نهمل ثلاثة أمور : الأول تأثير القيم المعنوية التي تمتلكها حضارة وثقافة شعب دون آخر، وقد لا يكون أغنى من بلادنا بها، رغم أننا الأكثر عجزاً عن استثمارها. خاصة استثمارها في تأكيد حقوقنا المغتصبة، ليس في فلسطين فحسب.

والثاني هو أننا نواجه عدواً لا يقيم ادّعاء حقه إلا على منطق ديني، يترجم بالتهويد، ولذلك يجب أن تكون حماية التراث الاركيولوجي والديني، مسيحي وإسلامي، واحداً من أهم الأسلحة التي يتوجب مواجهته بها.

أما الثالث الذي يعتبر مصيرياً، لا لفلسطين فحسب وإنما للمنطقة كلها، فهو جوهر الصراع بين الأحادية والتعددية، بين العنصرية والعقد الاجتماعي، بين واقع الوطن الذي تذوب فيه كل الأديان والإتنيات والأعراق، في كيان اسمه اجتماعيا الشعب، ودستورياً سياسياً: الدولة، وبين تجمع يعرف نفسه وطناً وشعباً ودولة بصفة دينية فحسب.

أليس ذلك جوهر ما يراد لمخططات تقسيم المنطقة أن تكرسه لتعطي مشروعية لـ «إسرائيل» دولة اليهود؟ أوليست فلسطين هي الرد الداحض الأول والأخير؟ فلتكن فاتحة حصولها على عضوية اليونسكو توقيعاً بالبصمة الدامغة على هذا الرد، عبر استغلال عيد الميلاد العالمي للمطالبة بإدراج كنيسة المهد على قائمة التراث الإنساني، وليدرك العرب كلهم الأهمية السياسية الحضارية لدعمهم هذا الطلب.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 26 / 2165923

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

20 من الزوار الآن

2165923 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 21


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010