الجمعة 23 كانون الأول (ديسمبر) 2011

طبائع العسكر.. موقعة سحل الفتاة

الجمعة 23 كانون الأول (ديسمبر) 2011 par د. حبيب فيَّاض

مستشار الشؤون المعنوية للقوات المسلحة المصرية اللواء عبد المنعم كاطو، يدعو إلى حرق الثوار المصريين في «أفران هتلر». الموقف هذا يختصر الكثير من الشرح والتنظير، حول مقاربة العسكر لمفهومي السلطة والشعب. المشاهد الدموية في محيط مجلس الوزراء وشارع القصر العيني في القاهرة تؤكد حقيقة واحدة، أن العسكر والديموقراطية لا يلتقيان. الوحشية المفرطة من قبل القوات المصرية المسلحة، بحق المتظاهرين المصريين، تفضح معنى وجود العسكر في السلطة : سذاجة في السياسة، قتل وسحل في الشارع، كذب في الإعلام، استعلاء في العلاقة مع الآخر، انعدام في الإنسانية.

يقوم النظام المستبد على شراكة بين سلطة ظالمة وقوة حامية لها. غالباً ما تكون هذه القوّة عسكرية وأمنية. سقوط السلطة في مصر مع بقاء حاميتها العسكرية، من دون إبعادها عن السياسة وحصر مهامها، يعني بالضرورة عدم اكتمال سقوط النظام. الجيش المصري تخلى عن سلطة حسني مبارك، لا على خلفية الانحياز إلى الشعب، بل على خلفية الالتفاف على الثورة. هنا، من الطبيعي أن تبقى المؤسسة العسكرية والأمنية، وفيّة للدور الوظيفي والبنيوي الذي اعتادت عليه. عقل المجلس العسكري المصري، في مثل هذا الوضع، يعمل غريزياً على الاستئثار بالسلطة أو الشراكة مع سلطة بديلة، بدلاً من مجيء حكم سوي يحول بين العسكر ومتعة الإمساك بالحكم.

المشهد المصري يؤكد أن ثورة 25 يناير، لم تفلح في محاربة الفساد ولجم الاستبداد. لا معنى لأي ثورة لا تضمن كرامة الإنسان وحريته. الثورة المصرية لم تؤت أكلها ما دامت القوات المسلحة تقتل المتظاهرين. إنها الجولة الثانية من القمع الدامي الذي يمارسه العسكر المصري بحق متظاهرين عزل منذ تنحي حسني مبارك. الشارع المصري مرشح لجولات مديدة من العنف حتى تكتمل عناصر الثورة.. ما معنى محاكمة المسؤولين عن موقعة الجمل - مثلاً - فيما المسؤولون عن القمع الدامي في موقعة محيط «مجلس الوزراء» ومواجهات القصر العيني، يمسكون بمقاليد السلطة في مصر؟ ما الفرق بين قتل المتظاهرين في عهد حسني مبارك وقتلهم في زمن المجلس العسكري؟ ما هي «الأحداث ذات السياق المتكامل والظروف التي يجب معرفتها»،على حد تعبير المجلس العسكري، والتي أدت إلى موقعة سحل الفتاة على الطريقة التترية أمام مرأى ومسمع وسائل الإعلام؟

ليس العنف من قبل القوات المسلحة نتاج هفوة في لحظة انفعال حرصاً على الأمن القومي. وليس سوء التدبير هو ما يدفع رجال الأمن والجيش إلى القتل، بل هو الطبع العنفي المستتر خلف الهيبة والعنفوان. العنف لدى هؤلاء أقرب إلى كونه ثقافة ونمط حياة.

لا يمكن الجمع بين الديموقراطية والعسكر في سلطة واحدة. العسكري في السلطة يستبدل المعايير المدنية بقوانين عسكرية. يضع سياسات الدولة كما يضع خططاً للحروب. يقود المجتمع على أسس تراتبية تتيح للأعلى التحكم بالأدنى. يبني على الهواجس والفرضيات أكثر من الوقائع. يتحسب دوماً لحرب تنعدم احتمالات حصولها. يسقط نظرية المؤامرة على كل حراك لا يروق له. والأخطر من ذلك كله اعتماده على القوة في قمع الإرادات التي تخالفه.

مصر بالأمس سلطة مدنية مدعومة من العسكر. مصر اليوم سلطة عسكرية مدعومة من ذاتها. مصر غداً ماذا؟

من يبدي استعداداً لحرق الناس في «أفران هتلرية» خلف شعار «منع تخريب الدولة»، لن يتردد يوماً في الالتفاف على نتائج الانتخابات، بذريعة الحفاظ على أمن الدولة، إذا ما وجد أن هذه النتائج لن تؤول إلى بقائه على رأس السلطة.

«مستشار الشؤون المعنوية» للقوات المسلحة المصرية، دعا إلى حرق المتظاهرين في «أفران هتلر». «قائد القوة الضاربة» أو «التدخل السريع» إلى ماذا سيدعو؟



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 14 / 2165379

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

19 من الزوار الآن

2165379 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 19


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010