الخميس 22 كانون الأول (ديسمبر) 2011

مخيم «عين الحلوة» يؤرق لبنان

الخميس 22 كانون الأول (ديسمبر) 2011

في نهاية الأسبوع الماضي أخذ اللبنانيون قسراً فرصة من مشكلاتهم وتناقضاتهم الخاصة وراح المراقبون يتابعون عن كثب تطورات الموقف في مخيم عين الحلوة بعد سقوط عدد من المحسوبين على جهاز الكفاح المسلح وحركة «فتح» قتلى وجرحى في عمليات اغتيال جرت على مدى ثلاثة أيام جعلت المخيم الذي يضم أكثر من 150 ألف لاجئ فلسطيني يبدو وكأنه بركان على فوهة الانفجار، بل ان بعض الكتّاب ووسائل الإعلام، ذهبوا الى حد الاعتقاد بأن الوضع في المخيم ذاهب الى تكرار تجربة مخيم نهر البارد الذي صار دماراً منذ نحو ثلاثة أعوام بفعل انفجار الصراعات داخله ومع محيطه.

بطبيعة الحال ليست المرة الأولى التي تندلع فيها اشتباكات وأحداث قتل وعملية استنفار في هذا المخيم القابع على كتف مدينة صيدا، فاللبنانيون والفلسطينيون اللاجئون في لبنان اعتادوا بين الفينة والأخرى سماع أنباء عن عمليات قتل واغتيال محدودة وواسعة داخل هذا المخيم الذي يكاد يكون المخيم الفلسطيني الوحيد الخارج عن قبضة السلطة اللبنانية المباشرة نظراً للكثافة السكانية ولضمه أنواعاً وأشتاتاً من المسلحين والفصائل المسلحة.

ولكن الأمر أخذ هذه المرة بعداً آخر أكثر خطورة لاعتبارات أمنية وسياسية متعددة على صلة بأكثر من اتجاه محلي وإقليمي وأبرزها :

[**1-*] إن هذه الأحداث المقابلة للتصعيد وفق المعلومات الواردة من داخل المخيم جاءت متزامنة تقريباً مع الانفجار الذي طاول الدورية الفرنسية العاملة في إطار القوات الدولية بالجنوب ومع الصواريخ التي أطلقت من الجانب اللبناني في اتجاه الأراضي الفلسطينية المحتلة، ما دفع الكثير من المراقبين إلى البحث جدياً عن قنوات ارتباط بين كل هذه الأحداث غايتها القصوى وضع الجنوب اللبناني بما يمثله في خريطة الصراع العربي «الإسرائيلي» في واجهة الأحداث، تمهيداً لرسائل متعددة في أكثر من اتجاه أو تمهيداً لتغييرات في معادلة الصراع في هذه البقعة.

[**2-*] إن الأحداث التي شهدها مخيم عين الحلوة أخيراً، شهدت تطويراً مفاجئاً قال كثيرون انه صار من الماضي، وتمثل في عودة عناصر من تنظيم «جند الشام» كطرف في الصراع المتجدد في المخيم مع العلم أن هذا التنظيم كان أعلن مراراً انه حل نفسه وانه لم يعد له وجود تنظيمي ولم يعد موجوداً كجسم مقاتل.

[**3-*] ثمة شيء يربط بين اندلاع هذه الأحداث وتطورها لاحقاً وفكرة إبقاء الوضع في الجنوب ملتهباً، وثمة بطبيعة الحال من يربط بين إشعال فتيل هذه الأحداث والمساعي المبذولة منذ فترة لانجاز المصالحة بين حركتي «فتح» و«حماس» أو بين السلطة الفلسطينية وحركة «حماس». وبناء على كل ما تقدم فإن الأحداث الأمنية في المخيم الفلسطيني الأكبر في لبنان لم يعد ينظر إليها في بيروت على أساس أنها أحداث روتينية اعتاد هذا المخيم أن يشهدها بشكل دوري ودائم بل ان ثمة من يراها حلقة من حلقات الحدث الممتد بين الجنوب وصولاً الى دمشق لا سيما مع استمرار الأحداث الأمنية في سوريا، وبالتالي فإن في وسط المراقبين في العاصمة اللبنانية من يربط بين أحداث الساحة الجنوبية عموماً بما فيها أحداث مخيم عين الحلوة، وبين الأحداث على الحدود الشمالية بين لبنان وسوريا التي تعيش كما هو معلوم منذ خمسة أشهر تداعيات الحدث السوري وارتداداته إن لجهة تظاهرات المؤيدين للمعارضة في سوريا، او لجهة استمرار وصول الجيش السوري إلى بعض القرى والبلدات اللبنانية في الشمال والبقاع المتاخمة للحدود مع سوريا التي يشير إليها النظام في سوريا على انها قاعدة خلفية لانطلاق المجموعات المحلية المعارضة لتزويد المعارضين بالسلاح والمقاتلين. وهو ما تجسد أخيراً في سقوط أشخاص لبنانيين من سكان هذه القرى برصاص القوات الأمنية السورية قتلى أو جرحى.

وبما أن الحديث عن الوضع في الجنوب، لابد من الإشارة إلى أن تداعيات الانفجار الذي تعرضت له الدورية الفرنسية العاملة في إطار «يونيفيل» قبل نحو ثلاثة أسابيع على مقربة من مدينة صور، ظلت تتردد في الوسط السياسي والأمني اللبناني حتى الأسبوع الماضي أيضاً. فقد بادر «حزب الله» إلى الرد على اتهامات وجهتها باريس إليه بالضلوع في هذا التفجير الذي طاول جنودها في «اليونيفيل» معلنة أنها تسارع إلى تبني هذا الاتهام رغم أنه لا قرائن ولا أدلة لديها ما سهل على الحزب ومعه دمشق التي حملت أيضاً المسؤولية من الجانب الفرنسي النفي.

واللافت أن السفير الفرنسي في بيروت عاد وزار المسؤول عن العلاقات الخارجية في «حزب الله»، في إشارة إلى أن باريس لم تشأ أن تذهب في عدائها مع الحزب إلى حد القطيعة النهائية معه.

واللافت أيضاً أن قوى 14 آذار حمّلت الحزب أيضاً المسؤولية المباشرة عما حصل وما يمكن أن يحصل في الجنوب من الهجوم على «يونيفيل»، ومنها إطلاق الصواريخ على «إسرائيل»، انطلاقاً من أنه القوة الأقوى التي تمسك بالوضع في الجنوب. ومع أن الحزب اعتاد عدم الرد على اتهامات قوى 14 آذار ضده فإنه كان مضطراً هذه المرة إلى النفي وإلى إعلان أنه سيقدم شكوى إلى الجهات القضائية الرسمية اللبنانية ضد الذين أطلقوا هذا الاتهام.

ولكن الأكثر دراماتيكية في تداعيات حدث الهجوم على الدورية الفرنسية تجسد في أمرين اثنين :

[****] الأول، أن السلطات اللبنانية المختصة اضطرت إلى إطلاق حملة إعلامية مفادها أن هذا الحدث الذي أدى إلى جرح خمسة جنود فرنسيين لن يفضي إلى تغيرات دراماتيكية في الوضع في الجنوب وفي إبقاء القوة الدولية التي أتت إليه عام 2006 لتنفيذ القرار الأممي رقم 1701.

ورغم ذلك فإن ثمة في بيروت من يبقى مصرّاً على أن القوى الدولية لن تبقى في الجنوب طويلاً لأنها لن ترضى أن تغدو رهينة بيد من يرغب بإرسال الرسائل عبر البوابة الجنوبية.

[****] الثاني، سرت أحاديث ومعلومات عن إمكانية أن يكون ما حدث مقدمة لتغيير ما يسمى قواعد الاشتباك لدى القوة الدولية وهو تعبير يؤدي إلى تغيير في طبيعة عمل القوة الدولية ومهماتها وأماكن انتشارها وعلاقتها مع الجيش اللبناني شريكها الوحيد في ضبط الوضع في الجنوب بموجب مضمون القرار 1701.

وبالفعل سرت إثر ذلك معلومات تقول إن القوى الدولية عازمة على التخلي تدريجياً عن بعض بقاع انتشارها وتحركها في الجنوب لاسيما في المناطق الحدودية لمصلحة الجيش اللبناني.

وعموماً فقد طرحت بشكل جدي أكثر من أي وقت مضى فرضية أن يأتي حين من الدهر وتسحب فيه فرنسا قوتها المنضوية في إطار «اليونيفيل» تجنباً لمزيد من الإحراجات والمفاجآت.

وإذا كان الوضع في الداخل اللبناني قد تجاوز بسهولة ويسر، وكما كان متوقعاً سلفاً مسألة الحراك الاجتماعي والمطلبي الذي كانت بدأته الحركة النقابية في القطاعين التعليمي والعمالي، إثر إقرار مشروع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي لتصحيح الأجور، وانتهى الأمر بتظاهرة للأساتذة والمعلمين في القطاعين العام والخاص، وكانت تظاهرة محدودة في المكان والزمان، فإن اللافت أن أطراف الأكثرية الأساسية أي حركة «أمل» و«حزب الله» و«التيار الوطني الحر» نجحوا خلال الأسبوع المنصرم وبعد جهود مكثفة في تجاوز تداعيات ونتائج مسألة سقوط مشروع الوزير المحسوب على التيار العوني بتصحيح الأجور، وعدم تضامن حلفاء العماد ميشال عون معه في هذه المعركة ما اعتبره نوعاً من الإخلال بالوعود وغدراً بمقتضيات التفاهم القائم بين هذه الأطراف الثلاثة التي تشكل مجتمعة عصب الأكثرية وعمودها الفقري. وقد كانت المحطة الأبرز في إعادة لم الشمل بين هذا الثلاثي في لقاء عقد منتصف الأسبوع الماضي بين المساعدين السياسيين لأقطاب الأطراف الثلاثة، وحسب المعلومات فإن رئيس مجلس النواب نبيه بري كان السباق في الدعوة الى عقد مثل هذا اللقاء الذي جاء بعد سلسلة تهديدات وانذارات من رموز التيار العوني ونوابه بأنهم في مرحلة إعادة النظر بتحالفاتهم على خلفية ما حصل.

وحسب المعلومات نفسها فإن اللقاء نجح في تهدئة الموقف ووضع حد لعاصفة «الحرد» العوني وبالتالي طوى هذا اللقاء الصفحة الماضية وفتح المجال أمام آلية تنسيق المواقف بين وزراء الأطراف الثلاثة قبيل كل جلسة لجلسات مجلس الوزراء، حتى لا تتصادم الآراء والرغبات داخل كل جلسة وهذا ما جرى تطبيقه في الآونة الأخيرة، وفي المقابل عمل رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي أيضاً خلال الأسبوع المنصرم على استيعاب تداعيات مسألة تمويل المحكمة الدولية وبالتالي عمل على تعزيز الانتصار الذي يعتبر أنه صفقة في هذا المجال وفتح له أبواباً عدة كانت موصدة أمامه حتى الأمس القريب، وذلك من خلال تكثيف جلسات مجلس الوزراء بغية استدراك ما فات ومواجهة ما هو آتٍ.

وبالفعل انعقدت خلال الأسبوع الماضي، وبشكل غير مسبوق، ثلاث جلسات متتالية لمجلس الوزراء، ورغم أنه لم تصدر أي قرارات استثنائية عن هذه الجلسات الثلاث إلا أنها ادخلت فكرة كانت سرت سابقاً مفادها أن هذه الحكومة صارت في وضع صعب أو غير قادرة على الإنتاج بسبب التباينات بين مكوناتها. وأكدت في المقابل أن أطراف الحكومة جميعاً يقيمون على رغبة الاستمرار في هذه الحكومة وإعادة بعث الحياة ونفخ الروح فيها لأنه لا مجال لفتح أي حديث عن سواها في المرحلة الراهنة. وكان لافتاً في الأسبوع الماضي إماطة اللثام عن مسألة أن مصارف لبنان هي من بادر إلى دفع حصة لبنان في تمويل رصيد المحكمة الدولية . وقد كان ذلك أمراً مثيراً للاهتمام وبالتالي أرضى كل الأفرقاء، خصوصاً أن هذه المصارف «اشترت» بهذا التبرع السخي مخاطر أي عقوبات كان يمكن أن تفرض على القطاع المالي والاقتصادي في لبنان في حال تمنعت الحكومة اللبنانية عن تسديد حصتها من رصيد المحكمة الدولية. وكان لافتاً أيضاً أن الرئيسين بري وميقاتي سعيا إلى الإيحاء لمن يعنيهما الأمر بأنهما هما صاحبا هذه الفكرة الخلاقة التي كان من شأنها ان تحول دون وقوع الساحة السياسية في لبنان في مأزق حاد لاسيما بعدما هدد ميقاتي بالاعتكاف أو الاستقالة إذا لم ينجح في إمرار تمويل المحكمة.

وخلال الأسبوع المنصرم أيضاً برز تطوران لافتان تمثل الأول في اجتماع للأقطاب السياسيين للطائفة المارونية في بكركي بدعوة ورعاية من البطريرك الماروني بشارة الراعي، وقد خصص اللقاء لبحث توحيد الموقف الماروني من مسألة القانون الذي ستجرى على أساسه الانتخابات النيابية المقبلة في لبنان.

وكان لافتاً أن هؤلاء الأقطاب أصدروا إشارات أعربوا من خلالها عن أنهم في وارد تبني مشروع اللقاء الأرثوذكسي الأخير في الانتخابات، وهو يقوم على فكرة جوهرية وهي ان تنتخب كل طائفة نوابها . ورغم أن المجتمعين شكلوا لجنة لمواصلة دراسة الموضوع، إلا أن المشروع برمته فتح باب السجال والجدال في الوسط السياسي اللبناني وفتح أبواب المخاوف والهواجس للمجموعات والفئات اللبنانية، إذ بدا واضحاً أن قوى 14 آذار لاسيما تيار المستقبل ومعهم رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط أبدوا رفضاً لهذا المشروع كونه يفرض واقعاً سياسياً جديداً ويفتح الباب أمام معادلة تخسر فيها قوى 14 آذار حصة نيابية مسيحية وازنة.

واللافت أن قوى 8 آذار لم ترفض المشروع ولكنها بقيت صامتة، وذلك بناء على حسابات مختلفة.

وكان لافتاً في المواقف خلال الأسبوع الماضي إعلان النائب وليد جنبلاط أنه باقٍ في التحالف الحكومي الحالي الذي يضمه مع الرئيس ميقاتي وأطراف 8 آذار في حكومة واحدة، وهو بذلك دحض معلومات كانت سرت سابقاً، وقالت إن القطب الدرزي الأساسي ربما خرج من الحكومة الحالية، وكان واضحاً أن جنبلاط كرس بهذا الأمر وسطيته التي تسمح له بالانفتاح على حلفائه القدامى في 14 آذار ولكنها تبقيه في الأكثرية الحكومية الحديثة.

ومن أحداث الأسبوع المنصرم أيضاً عودة تيار المستقبل عبر نوابه في بيروت إلى رفع شعار «بيروت منزوعة السلاح» مجدداً وذلك على خلفية إشكال فردي جرى في أحد أحياء العاصمة. ورغم عادية هذا الإشكال، فالواضح أن تيار المستقبل وجد الفرصة متاحة لالتقاط الشعار واستئناف الهجوم على الحكومة وقوى الأكثرية لاسيما «حزب الله».

- **المصدر : صحيفة «الخليج» الإماراتية



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 9 / 2178386

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع المرصد  متابعة نشاط الموقع صحف وإعلام   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

12 من الزوار الآن

2178386 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 14


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40