الخميس 22 كانون الأول (ديسمبر) 2011

مرّة أخرى.. تحرير فلسطين والكفاح المسلح

الخميس 22 كانون الأول (ديسمبر) 2011 par د. فايز رشيد

أثارت مقالتي السابقة بعنوان «بين المقاومة الشعبية والكفاح المسلح» ردود فعل كثيرة، عبّرت عن نفسها بتعليقات وصلتني بالبريد الإلكتروني، وبنقاشات مباشرة، واتصالات هاتفية كثيرة منها ما هو مؤيد ومنها من يرى : أن المقاومة الشعبية كفيلة بتحرير فلسطين، ولا يجوز لنا ممارسة الكفاح المسلح وبخاصة في هذه المرحلة، فذلك يعني انتحاراً، لأننا لا نجابه القوة الفائقة الإسرائيلية فقط، وإنما الولايات المتحدة والدول الغربية أيضاً، لذا علينا تجنيب شعبنا في الأراضي المحتلة خسائر بشرية كبيرة في ظل الثورة المسلحة، وأيضاً : فإن الوضع العربي الراهن لا يسمح بمثل هذا النوع من الكفاح، وغيرها من الأسباب.

بدايةً، فشعبنا لم يفرض معركة مع الحركة الصهيونية وتمثيلها السياسي : «إسرائيل»، بل هي معركة تم فرضها على شعبنا وأمتنا منذ قرن زمني وحتى هذه اللحظة، بالتالي فإن الثورة المسلحة هي نتيجة لهذا الفعل الإعتدائي، الذي ما زال مستمراً، وسيظل طالما وُجدت «إسرائيل». وثورتنا لا تعني محاربة «إسرائيل» بطريقة الجيوش، وإنما بالحرب الفدائية : عبر العمليات العسكرية أو ما اصطلح على تسميته بــ «حرب التحرير الشعبية». إن هذه الحرب هي أقصى ما تستطيعه حركات التحرر الوطني، فليس مطلوباً منها تشكيل الجيوش ولا هي قادرة على الوصول إلى توازن تسليحي مع أعدائها المدججين بأحدث أنواع الأسلحة، هي تمارس ثورتها من خلال الأسلحة البسيطة، ليس إلاّ.

ولو أخذنا مثلاً : فيتنام لرأينا ما يلي : جبهة التحرير الفيتنامية خاضت حربها التحريرية ضد القوة الأعتى في العالم وهي الولايات المتحدة الأمريكية. لا مقاربة تسليحية بين الطرفين، وفي النهاية وبعد التراكمات الكمية الانتصارية، وصلت الجبهة إلى قدرتها على إحداث التغيير النوعي، وهو الانتصار، واضطر السفير الأمريكي وطاقم السفارة في سايغون، إلى الهرب على طائرة هليكوبتر أمريكية، من على ظهر السفارة إلى بلاده مدحوراً ومهزوماً، وكذلك القوات الأمريكية التي انسحبت من فيتنام.

صحيح : أن التجربتين «الفيتنامية والفلسطينية» مختلفتان من حيث الجغرافيا، وطبيعة العدو، ونقطة الارتكاز، فهانوي مثّلت هذه النقطة لجبهة التحرير الفيتنامية، وقد كان وراءها : الاتحاد السوفييتي والدول الاشتراكية الأخرى ودول تحررية وطنية كثيرة، ولكن هناك سمات عامة مشتركة بين الثورات التحررية، فثورتنا الفلسطينية استطاعت فرض نفسها على «إسرائيل»، وكبدّتها خسائر بشرية، واقتصادية كبيرة، كما حملت عدالة القضية الفلسطينية إلى الساحة الدولية. وهي الأساس وحجر الزاوية في كسب التأييد العالمي، باستثناء تلك القوى التي تقف مع «إسرائيل». بعد نشوء السلطة الفلسطينية دامت هذه الحالة من الكفاح الوطني، وأيضاً كبدّت «الإسرائيليين» خسائر فادحة. صحيح أن خسائرنا كبيرة أيضاً، ولكن مثلما قُلنا هذه الخسائر قائمة، وهي ستظل كذلك في ظل الكفاح المسلح أو عدمه طالما وجد الاحتلال، حتى مع التهدئة مع «إسرائيل»، سواء أيضاً أكانت هناك مقاومة شعبية، أم لم تكن.

من حيث نقطة الارتكاز، صحيح أن الثورة الفلسطينية تفتقد هذه الميّزة في هذه المرحلة تحديداً، ولكن رغم ذلك فإن كافة الفصائل الفلسطينية قادرة على إدامة حالة «الاشتباك العسكري» مع «إسرائيل»، المعبّر عنه في أنواع كثيرة من العمليات الفدائية : المستهدفة لقوات الاحتلال والمستوطنين. من ناحية ثانية : فالوضع العربي الآن في حالة حركة دائمة، ويمكن على المدى المنظور إيجاد نقطة الارتكاز، فالمشروع الصهيوني لا يقتصر خطره على الفلسطينيين فحسب، وإنما على الأمة العربية في كافة دولها، حتى في ظل الاتفاقيات القائمة بين بعض الدول العربية و«إسرائيل». «إسرائيل» تشكل خطراً على لبنان واللبنانيين والأردن والأردنيين (وها هي دائرة المطالبة «الإسرائيلية» باعتبار الأردن وطناً بديلاً للفلسطينيين تتسع شيئاً فشيئاً) وعلى السودان والسودانيين….وعلى ذلك قِسْ. بالنسبة لكل العرب والأقطار العربية بلا استثناء. بالتالي فإن حركة الاشتباك الشعبي العربي مع العدو ستظل قائمة نظراً لاستمرار العدوانية «الإسرائيلية»، التي ستظل مصاحبة للوجود «الإسرائيلي». إن تجارب المقاومة الوطنية اللبنانية في عامي 2000 و 2006، وكذلك حرب عام 1973 (وقد أراد لها السادات أن تكون حرباً تحريكية لا تحريرية)، ومعركة الكرامة عام 1968 بيّنت إمكانية الانتصار على «إسرائيل» التي تنطلق في استراتيجيتها العسكرية من، أولاً : الضربة الاستباقية، ثانياً : سرعة الحسم العسكري، فهي غير مهيأة لحرب طويلة الأمد، من كافة النواحي الديموغرافية (ولذلك هي تجنّد الاحتياط في الحروب وهم يشغلون وظائف في قطاعات عديدة في الدولة) والاقتصادية، ثالثاً : نقل المعركة إلى أراضي العدو. وفي السنوات الأخيرة وتحديداً في عدوانها على لبنان عام 2006 وعدوانها على القطاع 2008 - 2009 كانت غير قادرة على تطبيق هذا المبدأ، بسبب سقوط صواريخ على دولتها (مع الفارق في نوعية الصواريخ المستخدمة ضدها من المقاومة اللبنانية والفلسطينية). في عام 2006 اضطر ما يقارب المليون «إسرائيلي» للنزوح من الشمال إلى الجنوب بفعل صواريخ «حزب الله» القادرة. الآن وفقاً لأمين عام الحزب السيد حسن نصر الله : الصواريخ الآن قادرة على الوصول إلى كافة المواقع والمنشآت «الإسرائيلية» على طول البلاد وعرضها (وهذا السبب هو الذي يمنع «إسرائيل» ويجعلها تقف ألف مرّة، قبل اقتراف العدوان على لبنان أو سوريا أو إيران).

يبقى القول : أن أي سلام مع «إسرائيل» هو مستحيل، وأن القوة هي الوسيلة الوحيدة التي يفهمها هذا العدو، وأن الحديث عن حل الدولتين أو الدولة الديموغرافية العلمانية الواحدة، أو الأخرى الثنائية القومية : هو خداع للنفس ليس إلاّ، وأن الوسيلة الوحيدة القادرة على إجبار «إسرائيل» على الخضوع للحقوق الوطنية الفلسطينية، والأخرى العربية، هي الكفاح المسلح، وتلاحم النضال الوطني الفلسطيني مع العمق الشعبي العربي، وأن الحديث عن إمكانية تحصيل حقوق مجتزأة هو محض وهم، وأن الصراع يتوجب أن يدور حول هدف واحد ووحيد وهو : إزالة هذا الكيان من جذوره….وفلسطين لا تقبل القسمة على اثنين، وهي كانت، وما زالت وستظل فلسطين العربية، برغم وجود «إسرائيل»، الذي هو، وسيظل طارئاً ومشروعا غريبا في المنطقة العربية.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 27 / 2165564

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

36 من الزوار الآن

2165564 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 34


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010