الخميس 22 كانون الأول (ديسمبر) 2011

فيلم أمريكي سيئ السمعة

الخميس 22 كانون الأول (ديسمبر) 2011 par يوسف أبو لوز

طائرات مروحية بأجنحة طويلة وهبوط تدريجي إلى منطقة تبدو صحراوية ونائية في العراق حيث لا أشجار النخيل ولا الفرات ولا شارع أبي نواس، ولا شارع المتنبي المعروف في عاصمة الرافدين والذي كانت تباع فيه الكتب منذ ضحى بغداد وحتى مسائها الذي يطرب على صوت ناظم الغزالي.

مروحيات عسكرية تماماً، بعيداً تماماً أيضاً عن قلب مدينة النهرين والشعر، تتوسط فضاء جغرافياً عراقياً هو أبعد ما يكون عن عين كاميرات التلفزيون، إلا في حدود اللقطة الصحفية السريعة.

تقترب الهليكوبتر الأمريكية الصنع ولها أيضاً ذاكرة وحكاية مع هذا البلد منذ سنوات من وجه الأرض التي غادرتها الحرب، هنا الآن، والآن هنا، انتهت الحرب، وثمة جنود يحملون حقائبهم ويتوجهون إلى مؤخرة المروحية المفتوحة، وهنا، تأخذهم الكاميرا من الخلف بحيث لا تبدو وجوههم أبداً للمشاهد، يكفي أن الجنود الذين أنهوا سنوات من الحرب يعودون إلى بلادهم في طائرات عمودية، ويكفي أيضاً أن الجندي الأمريكي هو بطل مرحلة أو هو في الواقع بطل فيلم أمريكي إذا قام مخرج هوليودي باستثمار الحرب في السينما، الأكثر ربحاً، أحياناً، من السياسة.

صورة الجندي الأمريكي وهو ينسحب من العراق وقد تم أخذ صورته من جهة ظهره لا من جهة وجهه. ليست خطأ مهنياً يقع فيه صناع الميديا في الإعلام الأمريكي والغربي على وجه الخصوص، بل يمكن قراءة هذه الصورة بهدوء وببطء من زاوية فنية، ومن زاوية سيكولوجية، إن أمكن ذلك.

من زاوية فنية، ربما، لكي لا يتم هدر المشهد التاريخي في التصوير التلفزيوني، وبالتالي تخسر السينما مادة وثائقية وحتى روائية يمكن الاشتغال عليها بطريقة تفوق كل الأعمال السينمائية التي مازالت تعيش على الحرب الأمريكية الفيتنامية، حيث يخرج الجندي الأمريكي في الكثير من تلك الأفلام وهو مصاب ويتصبب عرقاً ودماً، ومع ذلك بإمكانه أن ينقذ عائلة فيتنامية من الموت.

من زاوية سيكولوجية، وخصوصاً في إطار سيكولوجيا الإعلام، من السهل جداً التوصل إلى فكرة التقليل من أهمية حدث الانسحاب من العراق، بحيث لا تبدو عودة الجندي الأمريكي إلى أهله هزيمة، أو على الأقل انتهاء مهمة عمل بدأت بطائرة وانتهت بطائرة.

بعد سنوات طويلة وربما قليلة، وبعد رصد «بطولة» الأمريكي في العراق لن يكون بإمكان صناع الأفلام أن يضيفوا إلى الرصيد الفيتنامي الكثير من الأكاذيب السينمائية، لأن الفيلم الأمريكي في العراق قصير وبائس، وليس له سند روائي أو مخيلة روائية أمام حقيقة هرولة حفنة من الجنود إلى مروحية في الصحراء تنقلهم وتنقل جثامين رفاقهم إلى الفردوس الأمريكي الذي يتآكل بالتدريج.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 22 / 2165466

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

16 من الزوار الآن

2165466 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 16


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010