الأربعاء 21 كانون الأول (ديسمبر) 2011

زعران وقادة

الأربعاء 21 كانون الأول (ديسمبر) 2011 par عوني صادق

أخيراً وصل المستوطنون من جماعة (دفع الثمن) إلى الجيش «الإسرائيلي»، وهاجموا أحد معسكراته. وتذكر «الإسرائيليون» (المدنيون) أن هناك «زعراناً» يريدون السيطرة على «الدولة»، فنددوا بهم بشدة، وطالبوا بوضع حد لتجاوزاتهم، و«خلع زعرنتهم من الجذور»! تمثيلية من نوع (الفارس) تثير الضحك عندما نتذكر حقيقة أن «الدولة» التي يدور الحديث عنها ليست منذ البدء سوى «مستوطنة»، بدأت صغيرة ثم كبرت حتى استولت على 78% من أرض فلسطين، وتسيطر اليوم، وتريد أن تستولي، على ما بقي «متنازعاً عليه»، قبل الوصول إلى «حل الدولتين وإحلال السلام»!

لقد وصل «التنديد» إلى حد أن محللين سياسيين رأوا أن جماعة (دفع الثمن) «منظمة إرهابية تسعى لتغيير الوضع السياسي، وتدفع نحو حرب دينية». ورأوا أيضاً أن المنظمة الإرهابية تقوم بأعمالها «الانتقامية» ضد الفلسطينيين، والتي وصلت إلى الجيش، عندما يبدأ الحديث عن ضرورة إخلاء بعض البؤر الاستيطانية التي توصف بـ «العشوائية»، ما جعل يوسي ميلمان، المحلل السياسي في صحيفة (هآرتس) يرى أن اعتداءات هذه المنظمة «ما هي إلا رسالة تخويف وضغط على الحكومة والشعب تقول : إذا تجرأتم في المستقبل وأخليتم أي مستوطنة عشوائية أو غير عشوائية، فالويل لكم وستعرفون ماذا سنفعل». بعد الهجوم على معسكر للجيش، صدر عن مكتب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، بيان أكد اتخاذ إجراءات صارمة ضد «المتطرفين الذين يرتكبون انتهاكات ضد الجيش»، لكنه لم يتعرض لما يتعرض له الفلسطينيون من اعتداءات متواصلة، ورفض وصف «المتطرفين» بـ «الإرهابيين»، بل اعتبرهم مجرد «فوضويين»، مؤكداً أنهم «فئة صغيرة لا تمثل جمهور المستوطنين».

هذا الوضع يدفع إلى الواجهة السؤال التالي : أين تقف حكومة نتنياهو، وما هو دورها فعلياً؟ وهل هي حقاً عاجزة عن مواجهة المستوطنين، أم هي متواطئة معهم، أو ربما هي التي توجههم، خصوصاً أنهم يقومون باعتداءاتهم ضد الفلسطينيين دائماً في حماية الجيش؟ الناطقون باسم الشرطة والأمن العام (الشاباك)، يعلنون عجزهم عن ملاحقتهم ومعرفتهم، وأحياناً عجزهم عن جمع الأدلة التي تدينهم. الناطقة باسم الشرطة، لوبا سمري، تقول : «الشرطة تقوم بكل طواقمها وتعمل مع ممثلي (الشاباك) وباقي الأجهزة الأمنية المختصة لمحاربة هذه الظاهرة»، لكنها تشير إلى أن «معظم المشتبه بهم هم من القاصرين الذين يتمتعون بظروف تخفيفية طبقاً للقانون الإسرائيلي». لكن منظمة (حق) «الإسرائيلية»، تقول إنها وثقت 642 شكوى قدمها فلسطينيون ضد المستوطنين منذ عام 2005. وتفيد سجلاتها أن 91% من هذه الملفات أغلق، وكان التبرير عدم وجود أدلة، أو عدم معرفة الجناة.

زعيمة المعارضة، زعيمة حزب (كاديما)، تسيبي ليفني، انتقدت نتنياهو وحكومته، واتهمتهما «برفض إدانة هذا النوع من الجرائم الإيديولوجية في محاولة لإخفاء علاقتها بحكومته»، وقالت : إن «عنف المستوطنين ضد الجيش هو مرحلة متقدمة جاءت باتفاق مع الحكومة وبصمت منها، سواء كان بصورة مباشرة أو غير مباشرة». ورأت ليفني أن مسؤولية الحكومة تنبع من خلال تهيئتها «الأرضية التي أثمرت هذه الاعتداءات» عبر موافقتها على اقتراحات قوانين متطرفة، والسكوت عن تصرفات الحاخامات المتطرفين.

ولكن، هل حكومة نتنياهو وحدها تتحمل هذه المسؤولية؟ وهل كانت الحكومات السابقة بريئة، سواء في ما يتعلق بتشجيع المستوطنين على الاستيطان في الضفة الغربية وسرقة الأراضي الفلسطينية بكل السبل، أو في ما يتعلق بسن القوانين التي تشجع وتشرعن تلك السرقة؟

بعد حرب يونيو/حزيران 1967، كان أول عمل قامت به حكومة حزب العمل (اليساري!) هو ضم القدس العربية بقانون، وبدأ الحديث عن (القدس الموحدة عاصمة «إسرائيل» الأبدية)، ألم يكن ذلك استيطاناً وسرقة؟ بعد ذلك، سارعت حكومات حزب العمل، حتى عام 1977 إلى تشجيع الاستيطان في الضفة الغربية، تنفيذاً لمخططات قديمة لا تختلف عن مخططات ما أصبح يعرف بجماعات (أرض «إسرائيل» الكاملة) المتطرفة. ويقول يوئيل ماركوس في صحيفة («هآرتس» - 17-12-2011) بهذا الخصوص : «بادر حزب العمل إلى بناء المستوطنات في (المناطق) على أمل أن ما احتللناه سيبقى في أيدينا»، ويضيف : «مخربو السلام وهادموه خرجوا من داخلنا. إنهم الثمار الفجة التي أثمرتها حركات الاستيطان الشرعية». أما إيتان هابر، مدير مكتب إسحق رابين، فيقول في صحيفة («يديعوت» - 15-12-2011) : «يجب أن نكون عادلين، إن حكومة نتنياهو لا تتحمل وحدها تبعة الوضع الحالي. لكنها هي والحكومات التي سبقتها غمزت وتجاهلت وأشارت خفية للمستوطنين بأن يستمروا في أعمالهم في (المناطق)». وأضاف : «يعلم زعران التلال جيداً أنه بعد التنديد سيسود الهدوء، ولن يتجرأ أحد على رفع يد عليهم. وحتى لو اعتقلوا عدداً منهم، فمن شبه المؤكد أن يطلق سراحهم في الأسبوع التالي على أصوات ابتهاج الراقصين».

مع هابر كل الحق في كل ما قال، وإن كان يظل مقتصراً على فترة ما بعد 1967، حيث ساهمت كل الحكومات الإسرائيلية، حكومات حزب العمل حتى 1977، ثم حكومات حزب (الليكود) بعد ذلك، في تشجيع الاستيطان وحماية المستوطنين. ما لم يقله هابر هو أن الاستيطان كان منذ البداية جوهر المخطط الصهيوني للاستيلاء على وطن ليس لهم، للاستيلاء على فلسطين كلها. ومنذ إقامة أول مستوطنة في عام 1882، كان المستوطنون هم الأداة الأهم في تنفيذ المخطط الصهيوني وإقامة الدولة، وهم اليوم أداة التوسع لاستكمال ما بقي منه.

في الرواية الصهيونية، كان «الزعران» قادة، مثلما كان القادة زعراناً ... ولا يزالون.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 12 / 2166082

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

17 من الزوار الآن

2166082 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 17


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010