الجمعة 16 كانون الأول (ديسمبر) 2011

اغتيال أمة

الجمعة 16 كانون الأول (ديسمبر) 2011 par عاصم ستيتيه

[**■*] في هذه اللحظات التاريخية تُغتال الأمة العربية بأسرها. ويسقط من جراء اغتيالها هذا آلاف الشهداء والجرحى، وقد بدأت خارطة طريق اغتيالها باغتيال حكامها أولاً منذ مقتل الفيصل في الرياض الذي كان مُصراً أن يصلّي في المسجد الأقصى، تلاه توقف قلب عبد الناصر المحيّر إثر ارتشافه «كما قيل» فنجاناً غامضاً من القهوة، ثم اغتيل السادات من بعده رغم خيانته للأمة، وأصيب الحسين الهاشمي بمرض عضال «فجأة» أودى بحياته، ولم يقدروا على سلاح ياسر عرفات فقتلوه بسلاح خفي أدخلوه في دمه، واغتالوا رفيق الحريري في لبنان لزرع الفتنة فيه والقضاء على المقاومة، وأتبعوا هذا الاغتيال بحرب ضروس عليها لتدميرها، ولما هزموا فيها شنوا حرباً عالمية على غزة ذهب ضحيتها الآلاف من الشهداء والجرحى، وفي فجر الأضحى أعدموا حاكم العراق لتجروئه على الدخول إلى الكويت بتشجيع أميركي كاذب، ولأنه قصف «إسرائيل» بصواريخه البعيدة المدى مرتكباً بذلك أكبر الكبائر، وسيتركون العراق بعد أن زرعوا الربيع فيه تاركين حصاده لشعبه.

[**■*] وجاء الربيع العربي بشقائق نعمانه الحمراء بلون الحرية ودماء كل شهداء هذه الأمة، وبلون دم شهيدها الشاب المثقف في تونس القانط من الحياة الذي أحرق نفسه احتجاجاً على مرارة واقعه، فخاف حاكمها وهرول هارباً تاركاً سفينته، بعد ان «فهم أخيراً» أنها غارقة لا محالة من لهب نار بوعزيزها ومن سوس الفساد الذي ينخر فيها، ومن أثقال أمواله وأوزان ذهبه، لاجئاً إلى الكعبة ليستغفر ربه. وما زالت تونس من بعده تبحث عن نفسها وعن دستور جديد لها، وتبحث عن حل لبطالة الشباب فيها الذين ما زالوا حتى اليوم يركبون البحر ليلاً إلى المجهول في هجرة غير شرعية للبحث عن العمل المفقود في بلادهم.

[**■*] ومصر التي التهمت الأحزاب والتيارات الدينية المتطرفة ثورة شبابها الذي أراد تغييراً حقيقياً صادقاً فيها. لكن ما زالت الحرية والديموقراطية تقفان معاً في ميدان التحرير في انتظار علمنة هذه الثورة كما كانت في ولادتها الأولى، ولم يسقط النظام البائد فيها حتى الآن.

[**■*] وعادت ليبيا إلى رشدها بعد مقتل «كاليغولا الأمة المجنون» فيها ركلاً ودوساً بأحذية شعبها، وقد اكتشف مشدوهاً في آخر لحظات حياته ان الدماء التي سفكها فيها وصلت إليه أخيراً وهو ينظر إليها بهلع ويتحسسها على وجهه ويده.

[**■*] وسوريا الجريحة اليوم التي تجري فيها أنهار من دماء ودموع شعبها النابعة من ينابيع «الفوضى الخلاقة»، والتي تطعنها في ظهرها خناجر ذوي القربى العربية المسمومة الآتية من رياح السموم، والتي يحاولون عبثاً تقويض السلم والسلام فيها، فإن باءت جهودهم الحثيثة بالفشل فسيغرسون في قلب عروبتها النابض خِنجر التدويل الذي يعدوه في الخفاء لها، وسيرتكبون جريمة قتلها اقتصادياً، وهم الذين يصدِّرون الغاز والنفط إلى «إسرائيل»، وتسعى أميركا إلى تنصيب «كرزاي» آخر فيها.

[**■*] أما لبنان المنقسم دائماً على نفسه، فعود الكبريت فيه ينتظر ساعة الصفر لتندلع في أرضه النار، إلا إذا تدارك نشوبها أمراء الطائفية وملوكها المتحكمون فيه بالحكمة، والشركة والمحبة، وبالعقل والتعقل.

[**■*] وهذا السودان الذي شطروه إلى نصفين، تحكم نصفه الأول يد مضرجة بدماء شعبها، مطلوب صاحبها إلى العدالة الدولية، والنصف الثاني في جنوبه الذي يبدو أنه غارق في فساد مبكر، الخارج من داخل قبعة رعاة البقر الأميركية السواد التي تحكمه.

[**■*] ويمن يسبح شعبه في بحر من دماء السعادة التي نُحرت فيه، وقد أهدوه مؤخراً جائزة للسلام المفقود في ربوعه، ولن يتركه العبد الصالح لأميركا حتى يبيد كامل شعبه.

[**■*] وها هي دول الخليج الذهبي وقد ألغت فصل الربيع من فصول السنة مخافة ان تنبت منه أزاهر الحرية والديموقراطية الخطرة، ودرع الجزيرة الذهبي في حالة تأهب قصوى، تسانده الأساطيل الأميركية الراسية في مياهها، وذلك للقضاء على أية زهرة حرية تفكر في التفتح من رمال دولة من دولها.

[**لكن ماذا بعد هذا الربيع الأسود؟*]

إنه بلا شك الاغتيال المنهجي لهذه الأمة الذي يتواصل، لا فرق فيه بين عربي أو أعجمي إلا بخضوعه لأميركا التي سطّرت لإسرائيلتها وكالة غير قابلة للعزل، لتقضي على ما تبقى من فلسطين وشعبها، ولتهوّد كل حبة تراب وشجرة زيتون فلسطينية فيها. ترى هل سواد هذا الربيع هو جزء من المخطط الرهيب لاغتيال هذه الأمة وتمزيقها أرضاً وشعوباً يساعدهم في ذلك جهلنا وعدم إدراكنا للمستقبل المظلم الذي يعيدون رسمه مرة ثانية لنا؟



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 4 / 2165328

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

22 من الزوار الآن

2165328 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 21


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010