الجمعة 16 كانون الأول (ديسمبر) 2011

مصر.. إذا هاجمت «إسرائيل» إيران؟

الجمعة 16 كانون الأول (ديسمبر) 2011 par د. سمير كرم

توحي المتابعة اليومية للصحافة الأميركية و«الإسرائيلية»، وحتى الغربية بوجه عام، بأن احتمال وقوع هجوم «إسرائيلي» على إيران هو احتمال يتزايد يوماً بعد يوم، وإن كان يعود فيتراجع من وقت لآخر. ويفرض هذا التراجع نفسه بعد ان اصبحت المواقف الأميركية الصريحة، خاصة من وزير الدفاع ليون بانيتا وحتى من الرئيس الأميركي باراك اوباما، تعلن معارضة صريحة لمثل هذا الهجوم. لكن وقوع هجوم «إسرائيلي» على ايران يبقى احتمالاً قائماً، وإن كان من الصعب قياس نسبة هذا الاحتمال، في وقت يبقى وقوفه عند حدود خمسين في المئة لوقوعه وخمسين في المئة لعدمه اقرب الى تصوير الوضع الراهن.

وقد تناولت التعليقات الاميركية و«الإسرائيلية» المواقف المحتملة للدول التي ستضطر القاذفات والمقاتلات «الإسرائيلية» الى عبور مجالاتها الجوية في طريقها الى مهاجمة الأهداف المحددة في إيران، علماً أن الأخيرة اكثر وأوسع من مجرد المؤسسات النووية الإيرانية لأنها تشمل الأهداف الاقتصادية ذات الوزن الثقيل، حيث أن «إسرائيل» لن تفوت ابداً فرصة كهذه لقذف المواقع الاقتصادية المهمة في إيران.

الدول التي ستضطر «إسرائيل» الى عبور مجالاتها الجوية - إما بعضها او كلها - هي سوريا والعراق وتركيا بالدرجة الاولى، وربما السعودية. وهذا امر يتوقف على الاهداف التي ستقرر «إسرائيل» مهاجمتها داخل ايران. وايران - كما هو معروف ـ دولة واسعة المساحة وتنتشر الاهداف ذات الطبيعة النووية وذات الطبيعة الاقتصادية في اراضيها من اقصى الشرق الى اقصى الغرب ومن اقصى الشمال الى اقصى الجنوب (نحو مليوني كيلومتر مربع، اي ضعف مساحة مصر).

ولن تكون «إسرائيل» مضطرة بأي حال لعبور المجال الجوي لمصر بطائراتها الحربية لمهاجمة إيران.

لكن «إسرائيل» ستجد نفسها - او هي تعرف من الآن انها - مضطرة لأن تعبر المجال السياسي لمصر في طريقها الى استهداف إيران.

وقد يقال إن العلاقات بين مصر وإيران في الوقت الحاضر ليست في حالة توجب قلق مصر من هجوم «إسرائيلي» على إيران. وهذا أبعد ما يكون عن الحقيقة. والحقيقة ان العلاقات المصرية الإيرانية هي الآن في حالة استعداد شعبي للتطور نحو الأحسن، الامر الذي يمهد لتطور رسمي مماثل والذي يجعل عبور القوات المهاجمة «الإسرائيلية» المجال السياسي المصري الى مهاجمة ايران امراً بالغ الخطورة من وجهة نظر مصرية بحتة.

وأول نقاط الاعتراض المصرية التي ينبغي ان تفهم «إسرائيل» عندها خطورة عبور المجال السياسي لمصر نحو ضرب ايران، هي ان «إسرائيل»، بهذه الخطوة الخطرة، تؤكد خطورة تهديداتها لمصر وخاصة تهديدات «إسرائيل» المتعلقة بسيناء، وبالأخص في حال ما اذا قررت مصر بعد اسابيع او شهور من الآن ان تفتح ملف إعادة النظر في معاهدة «كامب ديفيد» والاتفاقات الملحقة بها بين مصر و«إسرائيل». ويشكل هذا الوضع جانباً من الاستراتيجية المصرية لما بعد الثورة.

لهذا يتعين علينا ان نأخذ في الاعتبار بكل جدية احتمال ان تقرر «إسرائيل» عبور المجال السياسي المصري في طريقها الى مهاجمة ايران. وهذا يفرض اساساً بحث احتمالات الموقف المصري رداً على هذا الانتهاك من جانب «إسرائيل» للمجال السياسي المصري. فما هي هذه الاحتمالات؟

- لا بد من ان نضع في الاعتبار، اولا، رد فعل مصر الاستراتيجي والسياسي في حال ما اذا انتهكت «إسرائيل» بطائراتها الحربية المجال الجوي لسوريا او العراق او السعودية او لها جميعاً...فضلا عن تركيا التي تربطها الآن بمصر علاقات صداقة وتعاون وثيقة. ومثل هذا الموقف سيكون واحداً من اخطر المواقف التي تجد مصر نفسها في مواجهتها في وضع من الواضح فيه ان ثورة 25 يناير تبدي حماساً وإصراراً على ان تؤدي مصر دورها القومي والإقليمي على احسن وجه.

- مع ذلك فإن ثمة احتمالاً بأن تقرر مصر ان ظروفها الراهنة تستوجب الامتناع عن تحدي «إسرائيل» استراتيجياً او سياسياً لمصلحة إيران. هذا احتمال قائم على الرغم من، وليس بسبب، حالة المد الثوري في مصر الشعبية. وقد أظهرت تقديرات المجلس الاعلى للقوات المسلحة، في الآونة الاخيرة، استعداده لتجاوز ارادة الثوريين في الشارع المصري.

- كذلك قد تختار مصر الاكتفاء بتوجيه النصح للولايات المتحدة، الحليف الاستراتيجي الأقوى لـ «إسرائيل»، بأن تمارس ضغطها او نفوذها على «إسرائيل» بالتراجع عن مهاجمة ايران، خاصة وقد اصبح معروفاً الى اي مدى تظهر واشنطن معارضتها لهذا الهجوم وخشيتها من عواقبه.

- وفي مواجهة احتمال نجاح إيران في التصدي للهجمات الجوية والصاروخية «الإسرائيلية»، فإن مصر قد تكتفي بما ستحصده «إسرائيل» من خسائر ـ سواء في قوتها الجوية المهاجمة او في اهدافها العسكرية الارضية داخل «إسرائيل». اي ان مصر قد ترضى بأن ترى «إسرائيل» تتلقى درساً قاسياً من القوة الإيرانية، وهو احتمال ليس مستبعداً حتى من قادة «إسرائيليين»، فضلاً عن قادة أميركيين في «البنتاغون» او في المخابرات. ولقد ترددت في الولايات المتحدة شائعات في الاشهر القليلة الماضية مفادها ان روبرت غيتس، وزير الدفاع السابق، استقال بسب معارضته الشديدة لقيام «إسرائيل» بهجوم على اهداف ايرانية عسكرية ومدنية. ومع ذلك يبدو ان موقف وزير الدفاع بانيتا الذي خلفه لا يختلف إلا في درجة شدة المعارضة تجاه هجوم «إسرائيلي» على إيران. ويجدر بالذكر هنا ان الرئيس الاميركي اوباما نفسه وضع معارضته لهذه الخطوة من جانب «إسرائيل» على المحك، اذ قال إنه لا يستطيع ان يفرضها على «إسرائيل»، فهي دولة مستقلة ذات سيادة (...).

- وعلى الجانب الآخر من الاحتمالات فإن السلطة الحاكمة في مصر قد ترى في نجاح «إسرائيل» في تنفيذ الهجوم على ايران وتحقيق النتائج التي ترمي اليها سبباً يدعوها الى اتخاذ موقف الصمت، باعتبار أن «إسرائيل» تكون بذلك قد اضعفت طرفاً هو إيران - تعتبره المؤسسة العسكرية المصرية صاحبة السلطة بعد ثورة 25 يناير منافساً على دور مصر الاقليمي. وهذا موقف لا يختلف كثيراً عن موقف النظام المصري السابق، نظام مبارك، الذي اسقطته الثورة. ومن شأن هذا الاحتمال ان يتصوره المجلس العسكري المصري على انه موقف يزيد من قيمة مصر الإقليمية كحليف للولايات المتحدة. وهذا احتمال تتناقض فيه مواقف الثورة المصرية مع مواقف المؤسسة العسكرية... بانتظار انتهاء الفترة الانتقالية وما سيسفر عنه اذا انتهت فعلا.

- في حالة اتخاذ تركيا موقفاً مناهضاً للانتهاك «الإسرائيلي» لمجالها الجوي، موقفاً يصل الى حد التصدي للقاذفـات والمقاتلات «الإسرائيلية» في طريق عودتها من مهمة ضرب الاهداف في ايران، وهو ما سيضع القوة الجوية «الإسرائيلية» في موقف بالغ الحرج اذ تكون قد اصبحت في مواجهة مباشرة مع خطر نقص وقودها وهي لا تزال في الجو، فإن مصر ستجد نفسها في موقف حرج للغاية إقليمياً في حين تكسب تركيا تأييد الجماهير المصرية والعربية. بطبيعة الحال فإن تركيا وحدها مرشحة لاتخاذ هذا الموقف، في حين انه اقرب الى الاستحالة في حالة العراق بسبب السيطرة الاميركية على القرار العراقي وفي حالة سوريا بسب الظروف السياسية الراهنة فيها.

لا تكاد احتمالات الموقف المصري، في مواجهة انتهاك «إسرائيلي» للمجال السياسي لمصر من اجل ضرب ايران، تخرج عن هذا. لكن الامر المؤكد ان مصر ستكون مطالبة شعبياً في داخل مصر وفي ارجاء الوطن العربي بموقف جاد في مواجهة «إسرائيل». وفيما عدا ذلك فإن الاحتمالات الاخرى تبدو سلبية ولا تليق بمكانة مصر القومية والاقليمية خاصة بعد الثورة. ومعنى هذا ان هذه الاحتمالات السلبية ستتسبب في حرج شديد للمجلس الاعلى للقوات المسلحة وبالتالي في تعاظم مساحة التناقض بين الثورة والمجلس.

يزيد من حدة هذا الوضع وحرجه بالنسبة للمجلس العسكري المصري ما شهدته الفترة الاخيرة من تصاعد الرغبة الشعبية في كل من مصر وإيران في إعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين وتحسين وتوثيق العلاقات الشعبية بينهما. لقد اظهرت ايران الرسمية استعداداً حقيقياً لاستئناف العلاقات الدبلوماسية مع مصر وفقاً لشروط تلبي ما هو متصور باعتباره شروطاً مصرية رسمية. وكان متوقعاً لهذه العلاقات ـ عندما كان نبيل العربي الأمين العام الحالي لجامعة الدول العربية وزيراً للخارجية في حكومة عصام شرف المصرية السابقة - أن تتجه خلال وقت قصير للغاية نحو إقامة وئام كامل بين البلدين على الصعيدين الرسمي والشعبي. والسؤال الآن اذا كانت «حكومة الانقاذ الوطني» التي اعطى المجلس العسكري رئاستها لكمال الجنزوري متحدياً إرادة الثورة والثوار، ستبدي استعداداً مماثلاً لاستئناف العلاقات مع ايران، ولولا اعتبارات عملية واقتصادية وسياحية، على اساس ان المجلس العسكري صاحب الكلمة الاخيرة لم يكن له اعتراض صريح على هذه الخطوة عندما كان نبيل العربي متحمساً لها.

على اي الأحوال فإن مسألة العلاقات المصرية الايرانية وما يمكن ان يسفر عنه هجوم «إسرائيلي» على ايران هي مسألة ذات إلحاح شديد على مصر في الوقت الحاضر. من ناحية بسبب اهمية منطقة الخليج لمصر استراتيجياً وسياسياً وأهميتها من هذه النواحي لإيران. ان مصر ـ وايران بالمثل - لا تستطيع ان تقف مكتوفة الايدي ازاء تطورات يفرضها العدو «الإسرائيلي» في المنطقة بقصد توسيع دائرة اهتماماته الاستراتيجية من مواقعه في شمال البحر الاحمر جنوباً الى باب المندب مروراً بالمجال البحري المصري والسعودي. وهو قصد ترمي «إسرائيل» من ورائه الى فرض هيمنة استراتيجية على الخليج ضد إرادة كل من إيران ومصر.

وسيتعين على مصر ان تنظر الى إيران في الفترة القريبة المقبلة باعتبارها قوة التوازن الإقليمية التي تقابلها على الطرف الأخر من الخليج، اذا كانت مصر جادة في مواجهة أخطار «إسرائيل» من ناحية وهيمنة الولايات المتحدة الاقليمية من ناحية اخرى.

إن احداً لا يفكر في قيام تحالف استراتيجي بين مصر وإيران تحـده مصر من الشرق وتحده إيران من الغرب. فالظروف الراهنة لا تتيح ذلك. ولكن للدور الإيراني اهميته الاقليمية التي لا يمكن إنكارها. وهي في هذا لا تختلف من زاوية اهمية الدور المصري الاقليمية. واذا استطاعت «إسرائيل» والولايات المتحدة إضعاف دور إيران فإن هذا يسهل عليهما إضعاف دور مصر، والعكس صحيح، لأن صعود دوري مصر وإيران إقليمياً من شأنه ان يوقف طموح «إسرائيل» الاستراتيجي وأن يقنع الولايات المتحدة بأن القوى الإقليمية اجدر بحماية المنطقة من دور «إسرائيل» الذي يتسم بالعدوانية والتوسعية.

إن «الشرق الأوسط»، بل والعالم كله، بانتظار وقوع خطر هجوم «إسرائيلي» على إيران، ينجح او يفشل، او زوال هذا الخطر.

وجدير بمصر ان تكون اكثر بلدان «الشرق الأوسط» والعالم ترقباً للوضع، لأنه يمثل حداً فاصلاً بين دور إقليمي لها يوازي في اهميته وتأثيره دور إيران، او انزواء اقليمي تبرز فيه «إسرائيل» اذا نجحت، وتبرز فيه مصر اذا فشلت وتلقت درساً قاسياً على يد إيران.

هذا اقرب اختبار وأقسى اختبار لسياسة مصر الخارجية بعد الثورة. اختبار للثورة اكثر مما هو اختبار للعسكريين او الدبلوماسيين.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 20 / 2165897

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

18 من الزوار الآن

2165897 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 18


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010