الثلاثاء 13 كانون الأول (ديسمبر) 2011

«إسرائيل» ومحاكاة النازية

الثلاثاء 13 كانون الأول (ديسمبر) 2011 par مأمون الحسيني

ربما باستثناء إدارة أوباما، ونظيراتها الأوروبيات، لم يكن أحد بحاجة إلى إعادة النظر في ما يسمى «فرادة الديمقراطية «الإسرائيلية»» في قلب «الشرق الأوسط» ذي الطابع الشمولي، لا سيما بعد اندلاع الثورات والانتفاضات والاحتجاجات العربية التي رفعت شعارات الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، ذلك أن «إسرائيل»، ومنذ قيامها في عام 1948، كانت ولا تزال دولة مارقة تعتبر نفسها فوق القانون والشرعية الدولية، ولا تقيم أي اعتبار لآراء ومواقف الآخرين حيال عدوانيتها وجرائمها المتواصلة ضد الفلسطينيين والعرب منذ أكثر من ستة عقود. غير أن المفارقة التي تتوارى خلف صخب التطورات العربية المتسارعة، هي ذلك القران الكاثوليكي الذي يعقده قادة «إسرائيل» الحاليون ما بين تكثيف عمليات الاستيطان والتهويد في القدس وبقية أنحاء الضفة الغربية، ومواصلة سياسات القتل والاعتقال والتهجير ضد الفلسطينيين، دون أي رادع أو ضابط أخلاقي أو قيمي أو ديني أو سياسي، وبين عمليات التضييق على الحريات العامة، وسن رزمة من القوانين التي تستهدف كم الأفواه وتدجين المؤسسات القضائية والإعلامية ومنظمات حقوق الإنسان، وذلك بعد تمكُّن الائتلاف الحاكم (السلطة التنفيذية) الذي يشكل نتاج موازين القوى في «الكنيست» (السلطة التشريعية) من تحويل الأخيرة إلى مجرد أداة طيِّعة. وتالياً، إفراغ مبدأ فصل السلطات، الذي يشكل أحد الأعمدة الرئيسة في المنظومة الديمقراطية، من محتواه.

المرئي في المشهد «الإسرائيلي» الذي يفيض بنفوذ رجال الدين اليهودي وتدخلاتهم في الشأن السياسي والقضائي والحريات العامة والخاصة، هو انسداد الآفاق أمام إمكانية منع انزلاق الدولة الصهيونية، ليس فقط في دهاليز التمييز العنصري ضد الفلسطينيين، سواء أولئك الذين يحملون جنسيتها من مواطني 48، أو أبناء الأراضي المحتلة عام 67، وتصفية ما تبقى لهم من حقوق تاريخية ووطنية، وحتى إنسانية، وانتقال مستوى التمييز ضدهم من إطار الممارسة إلى ميدان سن القوانين والتشريعات، وإنما كذلك في هوة المكارثية العارية التي تطارد وتعاقب كل المؤسسات والمنظمات وأصحاب المواقف السياسية التي لا تلائم إرادة وتوجه الحكومة، أو المشتبه أنهم «ليسوا وطنيين» من «الإسرائيليين»، ناهيك عن رفع منسوب الإساءة والإضرار بمكانة المرأة في الجيش «الإسرائيلي» نزولاً عند رغبة المتدينين الذين يأملون، وبعد تصاعد تأثيرهم في المؤسسة العسكرية، بتحويل، هو تحويل الجيش إلى جيش «يهودي» رجولي، نقي ومغلق حسب الشريعة، ما يعني تدشين مرحلة جديدة في الدولة الصهيونية عنوانها قوننة وتشريع السيطرة اليمينية - الدينية على الدولة والمجتمع، وإزالة ما تبقى من العقبات التي تعترض طريق نظام الابرتهايد الذي يؤكد التقرير السنوي ل «جمعية حقوق المواطن» «الإسرائيلية» أن تجلياته الملموسة باتت تدب على الأرض من خلال تلك التشريعات المعادية للديمقراطية، والتهديدات التي يمارسها جهاز الاستخبارات العامة (شاباك) على الناشطين السياسيين، والانتهاك الصارخ لحقوق الأسرى والسجناء، وتراجع حق العيش بكرامة، والدوس المنهجي لحقوق الأجانب وأولادهم من دون أية رقابة شعبية.

وعلى الرغم من أن موقع الصدارة في المتوالية الهندسية لسلسلة القوانين العنصرية والمعادية للديمقراطية التي ووجهت بنقد خجول، ولرفع العتب، من جانب وزيرة الخارجية الأمريكية التي تضع سيف «الديمقراطية وحقوق الإنسان» فوق رؤوس نظامي سوريا وإيران راهناً، يحتله ذلك القانون المسمى «قانون تجفيف الجمعيات اليسارية» الذي ينص على منع جمعيات سياسية «إسرائيلية» من تلقي تبرعات تزيد على ستة آلاف دولار من جهات أجنبية، مثل الأمم المتحدة أو إحدى أذرعها أو الاتحاد الأوروبي، والذي يستهدف بالأساس المجموعات المعارضة للاحتلال «الإسرائيلي» التي تكشف انتهاكات حقوق الفلسطينيين، إلا أن هناك رزمة قوانين عنصرية وفاشية أخرى لها علاقة بمحاولة كسر شوكة وترويض «المحكمة العليا الإسرائيلية» التي اعتبرت رئيستها القاضية دوريت بينيش، التي يعتبرها اليمين الصهيوني «يسارية»، أن ما يحدث في «إسرائيل» يقود إلى قيام نظام شبيه بالنظام النازي في ثلاثينات القرن الماضي، وذلك من خلال إدخال قضاة مستوطنين إلى باحة هذه المحكمة تحت مسمى «قانون تعديل لجان تعيين القضاة»، الذي أقرَّه الكنيست في قراءة أولى. كما لها علاقة بتسليط سيف العقوبات المالية المرتفعة على الصحافيين الذين يكتبون مقالات تعتبر بمثابة «تشهير»، سواء أكان في الصحافة المكتوبة أم عبر الإذاعة والتلفزيون أو حتى على موقع «فيس بوك».

ويبدو أن الأرضية التي يمكن من خلالها مقاربة ارتفاع منسوب التطرف الديني والقومي المتمدد في «إسرائيل»، والذي يكاد يسيطر على مناحي الحياة المختلفة، تنطلق أساساً من طبيعة الدولة الصهيونية الكولونيالية والاستيطانية، ومن الانقسام العميق بين العرب واليهود من جهة، وبين السكان المحليين والمستوطنين، من جهة أخرى، كما يرى باروخ كيمرلنغ. وتفرع ذلك إلى مجموعات سكانية واجتماعية منفصلة عن بعضها بعضاً في الحياة اليومية والاجتماعية، وفي التوجهات الإيديولوجية والثقافية والسياسية، ما يفضي إلى تصدعات اجتماعية ممأسسة يلخصها سامي سموحا في ثلاثة أنواع : التصدّع الكبير بين العرب واليهود، والتصدّع الإثني المحصور ما بين اليهود «الأشكناز» ونظرائهم «السفارديم»، إضافة إلى التصدّع الديني القائم ما بين جمهور الغالبية من العلمانيين ومجتمع المتدينين اليهود، ما يتيح الاستخلاص بأن لا أساس واقعياً للحديث عن «ديمقراطية فعلية» في «إسرائيل» التي قامت على أساس عنصري إقصائي، وتعاني تصدعات قومية وإثنية وطائفية ودينية واجتماعية عميقة، ما يجعلها أقرب إلى دائرة النظم السياسية الإثنوقراطية.

ووفق طبيعة القوانين القديمة والمستجدة واستهدافاتها، فإن هذه الإيديولوجية تتحرك، على حد قول شوكان، على سكة الحوافز الدينية التي تتجاهل الجوانب القانونية لملكية الأرض، ولا تقيم وزناً لحقوق الإنسان، كونها ترى بخلق نظام أبرتهايد أداة ضرورية لتحقيق ذاتها، وبالتالي، لا بد من قمع المعارضين والمنتقدين لهذا النظام، وبالأخص المحكمة العليا ووسائل الإعلام ومنظمات حقوق الإنسان، وعملية قوننة، حتى لو تم ذلك بضرب القوانين السائدة بعرض الحائط، أو تغييرها أو تغيير تفسيرها.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 50 / 2165989

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

21 من الزوار الآن

2165989 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 21


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010