الثلاثاء 13 كانون الأول (ديسمبر) 2011

عزلة «إسرائيل» وجزرة المفاوضات

الثلاثاء 13 كانون الأول (ديسمبر) 2011 par عوني صادق

منذ أن كانت المفاوضات، في أي عصر وزمان، ومهما كان الشكل الذي تتخذه أو الغرض الذي تقصده، كانت وسيلة لتحقيق «هدف» يتلخص إما في تقريب وجهات النظر حول نزاع ما، أو تسوية وحل ذلك النزاع. كانت المفاوضات دائماً وسيلة إلى غاية، ولم تكن يوماً غاية في ذاتها أو لذاتها، إلا المفاوضات الفلسطينية - «الإسرائيلية». فهذه المفاوضات، منذ أن عرفناها، كانت بالنسبة إلى الجانب الفلسطيني وسيلة إلى «اللاهدف»، لتقطيع الوقت وملء الفراغ، غاية في ذاتها ولذاتها . أما بالنسبة إلى الجانب «الإسرائيلي»، فكانت وسيلة لتحقيق هدف محدد، وغالباً لتحقيق أهداف محددة، ولكن غير تلك المعلن عنها.

توقفت المفاوضات المباشرة «الإسرائيلية» - الفلسطينية عشية رحيل حكومة إيهود أولمرت ومجيء حكومة بنيامين نتنياهو في ربيع 2009، ومنذ ذلك التاريخ لا حديث لهم غير «استئناف المفاوضات». وكل ما فعلته الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة واللجنة الرباعية، وما فعلته سلطة رام الله حتى سبتمبر/أيلول 2011 لم يكن له من هدف غير استئناف المفاوضات المتوقفة. وعندما قررت السلطة الذهاب إلى الأمم المتحدة لطلب العضوية، سبقتها «حيثيات العودة إلى الشرعية الدولية» (وكأنما الشرعية الدولية لم تكن موجودة على مدى 18 عاماً، أو كأنما تم اكتشاف الشرعية الدولية عام 2011)، ولم تكن هذه «الحيثيات» غير «فشل كل محاولات استئناف المفاوضات».

ومنذ يونيو/حزيران 2011 بدأ الحديث عن نية التوجه إلى الأمم المتحدة، متزامناً مع إعلانات الرئيس محمود عباس أنه لن يذهب إلى الأمم المتحدة ومستعد للعودة إلى المفاوضات إن أوقفت الحكومة «الإسرائيلية» عمليات الاستيطان واعترفت بحل الدولتين على حدود 1967 (مع ما يتبعها من تعديلات في ما يسمى تبادل الأراضي). لكن حكومة نتنياهو ظلت متمسكة بموقفها المعلن، تصر على «استئناف المفاوضات من دون شروط مسبقة»، أي من دون تعرض لموضوع الاستيطان. بعبارة أخرى، بدلاً من أن تكون المفاوضات وسيلة لاسترداد الحقوق أو بعضها، صارت المطالبة ببعض الحقوق المعنوية (مثل العضوية في الأمم المتحدة) وسيلة لاستئناف المفاوضات!

بعد خطاب الرئيس عباس في الأمم المتحدة، تزايد الحديث داخل الكيان الصهيوني وخارجه حول ما قيل عن «عزلة إسرائيل»، وأبدى كثيرون، في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، القلق من «تداعيات» هذه العزلة على الكيان. قبل ذلك، كان التوتر، ثم التدهور الذي طرأ على العلاقات التركية - «الإسرائيلية»، في أعقاب جريمة «أسطول الحرية» وسفينة مرمرة سبباً في تزايد الحديث عن تلك العزلة. وبعد سقوط نظام حسني مبارك في مصر، أضيف عامل آخر وازداد الخوف بسبب التوتر الذي أخذ يشوب العلاقات المصرية - «الإسرائيلية» بعد «عملية إيلات» الفلسطينية في سيناء، وأكثر بعد الهجوم على السفارة الإسرائيلية في القاهرة. وفي الأثناء، كانت الحكومة «الإسرائيلية» وأنصارها قد بدأوا بتوجيه تهمة محاولة «نزع الشرعية عن «إسرائيل»» إليهم. وكالعادة، عندما تقلق تل أبيب يفارق النوم عيون واشنطن، وكلما زاد القلق «الإسرائيلي» دبت الحياة في التحركات الأمريكية وزادت اتصالات الإدارة الأمريكية وزيارات أركانها لدول المنطقة، في محاولة لطمأنة وتهدئة القلق «الإسرائيلي»، تحت عنوان زائف هو «إحياء عملية السلام في المنطقة»، ولكن لهدف حقيقي هو «استئناف المفاوضات المباشرة» بين السلطة الفلسطينية والحكومة «الإسرائيلية».

قبل أيام وصل وزير الدفاع الأمريكي، ليون بانيتا، إلى المنطقة، وحط في تل أبيب ورام الله ثم أنقرة، وحمل معه كما قيل «تحذيراً» للحكومة «الإسرائيلية» من تزايد عزلتها ما يفرض عليها أن تعمل لتحسين علاقاتها مع «شركائها الأمنيين» خصوصاً مع مصر وتركيا، وحثها على «إيجاد طريقة للعودة إلى طاولة المفاوضات اللعينة مع الفلسطينيين، لأن «إسرائيل» من دون هذه المفاوضات معزولة». في العواصم الأخرى التي زارها بانيتا حث المسؤولين فيها على القيام بما يتطلبه الموقف من مساهمة في تحقيق هذا الهدف. بعد زيارة بانيتا، جاءت زيارة جيفري فيلتمان، مساعد وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون للغرض نفسه.

واشنطن تضغط على الفلسطينيين للعودة إلى المفاوضات، ليس حباً بالسلام أو «عملية السلام»، بل لأن «الطاولة اللعينة» توفر الغطاء وتفتح الأبواب لكسر العزلة عن «إسرائيل»، ولأنها تخلق الوهم بأن واشنطن تقوم باللازم من أجل «إحياء عملية السلام»، من دون سؤال عمن قتل هذه «العملية» منذ ما يقرب من عقدين، ومن أجل أن تظل المحافظة على المصالح الأمريكية في المنطقة ممكنة ومبررة. واشنطن تريد أن تحصل على كل ذلك من دون أن تتكلف أكثر من تقديم تلك الجزرة التي تعفنت، جزرة «المفاوضات المباشرة» والحق أن اللوم لا يقع على واشنطن، بل على أولئك الذين ما زالوا يتظاهرون بأن هذه الجزرة العفنة تستحق أن يتمسكوا بها، وهم يعلمون أنهم لن يصلوا عن طريقها إلى شيء!



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 14 / 2178598

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

13 من الزوار الآن

2178598 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 14


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40