السبت 10 كانون الأول (ديسمبر) 2011
هل من صلة بين اغتيال مغنية والمبحوح والعميد سليمان والجنرال مقدم؟

«إسرائيل» والحرب السرية على «جيش الظلال»

السبت 10 كانون الأول (ديسمبر) 2011 par حلمي موسى

تحت عنوان «الحرب السرية ضد جيش الظلال» يعرض المعلق الأمني في «يديعوت أحرونوت» رونين بيرغمان معطيات توافرت له عن اغتيالات «إسرائيلية» استهدفت العميد محمد سليمان السوري، وعماد مغنية اللبناني، ومحمود المبحوح الفلسطيني، والجنرال حسن مقدم الإيراني. ويحاول بيرغمان العثور على الخيط «الإسرائيلي» الواصل بين هذه الاغتيالات، ولكن من دون أن يحمّل دولته أية مسؤولية قانونية، وذلك عبر نسبة هذه المعلومات دوماً إلى جهات أجنبية. ويوضح أن «إسرائيل» رأت في كل هؤلاء «جيش الظلال» الذي أنشأ لنفسه نوعاً من هيئة منفصلة لا هدف لها سوى توفير السلاح الأشد، وسفك دماء أكبر عدد ممكن من «الإسرائيليين».

ويعتبر بيرغمان أن العميد محمد سليمان كان الرجل الثاني في سوريا بسبب صلاته الخاصة بالرئيس بشار الأسد. ويشير إلى أن سليمان اغتيل بثلاث طلقات عندما كان في بيته الصيفي على شاطئ طرطوس مساء يوم جمعة جالساً بين زوجته رحاب، ومدير مكتبه. وقال إن طلقة أصابت صدره وأخرى حنجرته وثالثة جبهته. وأشار إلى تعدد الروايات التي أطلقت لاحقاً، ولكنه يروي ما سمعه من مصدر سوري اجتمع به في أوروبا قبل أسابيع معدودة، ويؤكد فيه أن القيادة السورية مقتنعة بأن الموساد الإسرائيلي هو من قتل العميد سليمان، لافتاً إلى أن هذا المصدر أبلغه بفحوى التحقيقات السورية، وأنها تنشر للمرة الأولى.

ومن التحقيقات يتبين أن العميد سليمان ترك مكتبه في القصر الرئاسي في دمشق أبكر من المعهود. وقد كان يرأس جهازاً سرياً منفصلاً مختاراً وغامضاً أقيم للتعامل مع «المشاريع الخاصة» لسوريا. وهذه المشاريع، بحسب بيرغمان، هي التي تتعلق بأمن «إسرائيل» ووجودها: تطوير أسلحة يوم القيامة، التنسيق مع إيران ونقل أسلحة متطورة لمنظمات «إرهابية». ومن بين آخر الملفات التي حملها كان إنهاء إخلاء المفاعل النووي الذي دمرته «إسرائيل» في دير الزور، وإنهاء التحقيق في اغتيال صديقه عماد مغنية، وتسليم «حزب الله» صواريخ «أرض - بحر» روسية من طراز «ياخونت»، وتسليم شحنة أسلحة عن طريق البحر لحركة «حماس» بعد لقاء مع قادة من الحركة، كان من بينهم محمود المبحوح، وتنسيق تبادل معلومات حول إنتاج صواريخ مع الحرس الثوري الإيراني.

وما ان أطلقت الطلقات وتناثرت دماء العميد سليمان على ملابس زوجته حتى تراكض حراسه، البعض بحثاً عن مطلق النار على الشاطئ، وآخرون يحاولون إنقاذه، دون جدوى. وهنا توقف التحقيق حيث لم تملك سوريا بعد ذلك أي خيط، وبذلك فإن السوريين مقتنعون بأن «الموساد» أرسل عبر البحر من ينتظر وصول العميد إلى بيته الصيفي يوم الجمعة. وكل ما وجده التحقيق السوري هو بضعة أعقاب سجائر سورية، وهي ليست من النوع الفاخر. بعد ذلك تم الاتصال بالقصر الرئاسي والإبلاغ عما حدث. ولا يمكن تقدير حجم الصدمة، لأن العميد سليمان كان للرئيس الأسد ليس فقط أقرب مساعديه، بل صديقاً شخصياً ومستشاراً. وأقيمت في اليوم التالي جنازة للعميد سليمان بسرية تامة.

ويقول بيرغمان إن اغتيال العميد كان حلقة أخرى في صراع حياة أو موت لا يعرف الهوادة يديره جنرال مجهول، غامض، وذو قدرات رائعة، ضد من يسميهم «جيش الظلال» الذي كان العميد سليمان واحداً من أربعة فيهم. ويشير إلى أن «جيش الظلال» هو قوة العمل السرية المشتركة لدولتين قويتين، هما إيران وسوريا، ولمنظمتين «إرهابيتين» شديدتي البأس، هما «حزب الله» و«حماس» (ولمنظمة الجهاد الإسلامي ضلع في التعاون هذا). وقد خلقت هذه القوى «جبهة راديكالية»، و«جيش الظلال» هو الذراع التنفيذية لهذه الجبهة.

يذكر أن (الموساد) «الإسرائيلي» كان قد استخدم تعبير «جيش الظلال» في الإشارة إلى الجهد المصري خلال الستينيات لتطوير قدرات صاروخية بمساعدة من خبراء ألمان.

وينقل بيرغمان عن رجل استخبارات مهتم بـ «الجبهة الراديكالية» تلميحه إلى جيمس بوند وعدوه الأسطوري، منظمة «سبيكترا». ويرسم هذا الرجل للمرة الأولى كيف نشأ «جيش الظلال» هذا، وكيف عمل في السنوات الأخيرة: «عند جيمس بوند كانوا يفعلون ذلك من أجل المال. هنا المصالح متشابكة، لكن الأمر يتعلق بتنظيمات، ونشطاء ذرة وإرهاب، وليس فقط بأناس يعملون من أجل دولهم في مهمات مختلفة، بل برجال خلقوا نسيجاً دولياً الأخطر والأنجع الذي صادفناه ـ لبناء قنبلة نووية وقدرة صاروخية، واستخدام إرهاب الانتحاريين بأعلى المستويات. ومنظومة التعاون هذه سيئة لـ «إسرائيل». سيئة جداً».

[**قمة في السماء*]

قبل ثلاثة أسابيع دمّر انفجار منشأة سرية غرب طهران. أفلح أحدهم في إدخال عبوة هائلة الشدة إلى داخل معسكر حساس للحرس الثوري مختص بتطوير الصواريخ. الإيرانيون واثقون بأن هؤلاء كانوا من رجال المعارضة ممن تدربوا على أيدي (الموساد) «الإسرائيلي».

وينقل بيرغمان عن جهة ذات علم بلقاء بين قادة ثلاثة كبار لقوا مصرعهم في السنوات الثلاث الأخيرة في ظروف غير طبيعية وصفها لذلك اللقاء بأنه «قمة في السماء». والرجل الذي ضمه الانفجار الأخير لهذا اللقاء هو الجنرال حسن مقدم الضابط في الحرس الثوري، والمسؤول قيادياً وإدارياً عن منظومة إنتاج قسم كبير من الصواريخ الإيرانية. وحسن مقدم هو «أب» صاروخ «شهاب» وصواريخ قصيرة ومتوسطة المدى لدى «حماس» و«الجهاد» و«حزب الله». وفي «جيش الظلال» هو الممثل الإيراني الأرفع رتبة.

وقد سبق مقدم إلى «قمة السماء» المندوب السوري محمد سليمان، ومندوب «حماس» في الرباعية محمود المبحوح، الذي اغتيل قبل حوالى عامين في العملية التي ينسبها العالم لـ «الموساد»، والتي وقعت في فندق في دبي. فقط حتى اليوم، كان الغائب عن الطاولة هو ممثل «حزب الله» في هذا الإطار، واسمه حسن لقيس، والذي يرأس دائرة التسلح في الحزب. وهؤلاء، بحسب بيرغمان، مسؤولون عن عدد لا يحصى من القتلى «الإسرائيليين».

ويشير بيرغمان إلى أن العلاقات السورية الإيرانية توثقت في الأعوام الأخيرة اقتصادياً وعسكرياً، فالرئيس بشار الأسد أدرك ضعف بلاده في مقابل «إسرائيل»، ولذلك فقد وثق علاقاته بـ «حزب الله». أما الإيرانيون فرأوا في سوريا مرتكزاً استراتيجياً في «الشرق الأوسط» وعلى حدود «إسرائيل». وكان منفّذ سياسة الأسد هذه العميد سليمان وهو من بلدة الدريكيش. والعميد سليمان خريج هندسة من دورة باسل الأسد، وكان صديقاً له، فعينه قائدا لكتيبة في الحرس الجمهوري وغدا مساعداً له. وأكمل سليمان دراسته في روسيا متخصصاً في تسليح الدبابات وتطوير السلاح المدفعي. وبعد عودته من روسيا عين عضواً في لجنة التسلح وتطوير الأسلحة.

وبعد مصرع باسل الأسد في حادث طرق، اختار بشار الأسد سليمان مديراً لمكتبه. وتولى في الوقت ذاته قيادة اللواء 41 في الحرس الجمهوري، وهو أحد ألوية النخبة في الجيش السوري. وبعد تولي بشار الرئاسة في سوريا عيّن سليمان مديراً لمكتبه للشؤون العسكرية و«المشاريع الخاصة». وتم إنشاء أدوات سرية ممنوع على الأجهزة الاستخبارية الأخرى الاطلاع على حركتها. ومن بين هذه كان «مشروع المفاعل النووي» الذي دمر في العام 2007، والذي لم يكن حتى رئيس الأركان السوري العماد علي حبيب يعلم عنه شيئاً.

وفي «جيش الظلال» سعى العميد سليمان لتطبيق قواعد السرية ذاتها. وسعى سليمان سعياً متزايداً لإنتاج أسلحة تم تطويرها في إيران أو روسيا في مصانع حربية سورية. ويشير بيرغمان إلى أن غالبية الصواريخ المضادة للدبابات التي ألحقت أضراراً بالغة بالجيش «الإسرائيلي» في حرب لبنان الثانية كانت من تزويد سوريا. وإضافة إلى ذلك اهتم سليمان بـ «طفلِه» المفاعل النووي.

[**محمود المبحوح*]

نعود بضع سنوات إلى الوراء، أي إلى أيام الانتفاضة الثانية والعمليات الانتحارية في شوارع «إسرائيل». وكان المبحوح، بحسب بيرغمان، «النجم الصاعد في الإرهاب»، لأنه كان يعمل أيضا بيديه. ويقول بيرغمان إن «حماس» حينها وقفت أمام مفترق طرق: الشيخ أحمد ياسين لا يريد علاقات مميزة مع إيران، وخالد مشعل الذي آمن بالتعاون مع آيات الله. وحسمت «إسرائيل» الأمر باغتيالها الشيخ أحمد ياسين. وبعدها تلقى المبحوح مهمة ممثل «حماس» في «جيش الظلال».

ويشير بيرغمان إلى أن «حماس» صار لها مدخل على التكنولوجيا التسليحية الإيرانية والسورية. وليس صدفة أن عمل «حماس» بعد ذلك تطور كثيراً، خصوصاً في مجال الصواريخ، فقد اهتم «جيش الظلال» بإدخال المزيد والمزيد من المدن «الإسرائيلية» في نطاق التهديد الصاروخي لـ «حماس».

وإثر الحرب «الإسرائيلية» على غزة برزت الحاجة أكثر لسد الثغرات في المخزون التسليحي وتعاظمت خطوط التهريب من شواطئ كل من إيران وسوريا إلى غزة مروراً أحياناً بموانئ سودانية. وأحياناً كان «حزب الله» يساعد في هذه المهمة. وبسرعة ملأت «حماس» ترسانتها من جديد.

[**حسن لقيس*]

يشير بيرغمان إلى أن إيهود أولمرت كرّس جانباً من جهده حال توليه رئاسة الحكومة للتعرف على «جيش الظلال». وعرف أن العميد سليمان هو قائد «جيش الظلال» السوري، وأن الجنرال مقدم هو الممول ومقدم الخبرة التكنولوجية، وأن المبحوح هو من يعمل على إيصال السلاح إلى القطاع. وكان ينقص هذا المربع الضلع اللبناني ممثلاً بـ «حزب الله». وأوضح أن عماد مغنية كان مطلعاً على شؤون «جيش الظلال» إلى أن تفجرت سيارته في دمشق. ولكن مغنية، بحسب بيرغمان، كان «تكتيكياً إرهابياً»، و«استراتيجياً عسكرياً»، ولم يكن فنياً يفهم في الصواريخ. وبسرعة تبين أن لـ «حزب الله» مندوباً في الرباعية يدعى حسن لقيس وهو مسؤول عن التسلح في الحزب.

ولقيس ناشط في «حزب الله» منذ أن كان في التاسعة عشرة من عمره، وهو يبلغ اليوم 45 عاماً، ولديه خبرة تقنية معينة من جامعة لبنانية، لكن أساس خبرته اكتسبها في سنوات عمله في تطوير الأسلحة وإنتاجها. ويقول بيرغمان إنه بفضل لقيس غدا «حزب الله» التنظيم «الإرهابي» الأقوى في التاريخ، وهو تنظيم قال عنه رئيس «الموساد» السابق مئير داغان إن «لديه قدرة نارية لا تمتلك مثلها 90 في المئة من دول العالم». وكتب أنه منذ التسعينيات كان هناك في الاستخبارات العسكرية من أشار إليه وسعى لاغتياله. ولقيس مطلوب في كندا بتهمة تفعيل خلايا لـ «حزب الله» في التسعينيات.

[**حسن مقدم*]

حتى اغتياله كان الجنرال مقدم أحد الضباط الذين يحظون بتقدير في الحرس الثوري الإيراني. وكانت له أمجاد حربية في المعارك ضد العراق حيث ظهر كقائد كاريزمي. وطوال 30 عاماً في الحرس الثوري أسس مقدم سلاح المدفعية والصواريخ، وبعد ذلك انتقل إلى تطوير الصواريخ البعيدة المدى. وثمة تقديرات في الاستخبارات الإيرانية بأن هدف التفجير في القاعدة غرب طهران لم يكن المشروع الصاروخي بل الجنرال مقدم نفسه. ولكن من أجل ضمان مقتله كان ينبغي تفجير كل مبنى المكاتب التي قد هو فيها.

وجاء إعلان تأبينه ليشهد على دوره الرئيس في رباعية «جيش الظلال». حيث إن أحد قادة الحرس الثوري قال إن «أفكاره المباركة» أسهمت في تحقيق «النصر الكبير» لـ «حزب الله» في حرب لبنان الثانية، ولحركة «حماس» في حرب غزة.

التنسيق بين رباعية «جيش الظلال» لم يتم فقط في الميدان الصاروخي القصير المدى. فقد أجرت سوريا وإيران في 25 تموز عام 2007 مناورة مدرعة تم فيها تركيب رؤوس حربية كيماوية من طراز «VX» على صواريخ «سكود». وقد تعطل أحد الرؤوس وانفجر، وخلال ثوان اندلعت حرائق وانتشر غاز سام.

وبحسب تقارير سرية وصلت «إسرائيل» فقد لقي 15 سورياً وعشرة إيرانيين مصرعهم في الانفجار الأولي. وأصيب ما لا يقل عن 200 آخرين في الانفجار. وهناك تقديرات بأن العطل كان مقصوداً وأن «الموساد» يقف وراء حدوثه.

ويشير بيرغمان إلى أن ثلاثة من أضلع الرباعية تمت تصفيتهم. في آب العام 2008 اغتيل محمد سليمان في بيته، والمبحوح في فندق في دبي في كانون الثاني عام 2010، والجنرال حسن مقدم قبل ثلاثة أسابيع. ولم يبق على قيد الحياة سوى حسن لقيس. وأوضح أن اغتيال العميد سليمان وجه ضربة شديدة لـ «جيش الظلال».



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 62 / 2165653

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع المرصد  متابعة نشاط الموقع صحف وإعلام   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2165653 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 15


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010