الجمعة 9 كانون الأول (ديسمبر) 2011

الشحات... أيقونة «شر» هزمته الديموقراطيّة

الجمعة 9 كانون الأول (ديسمبر) 2011 par وائل عبد الفتاح

عبد المنعم الشحات ضحية التسلية المدمرة. هو المتحدث باسم «الدعوة السلفية» وحزب «النور» لم يكن معروفاً للجمهور الواسع قبل الثورة، لكنه أصبح بعدها أيقونة «الشر» السلفي بفتاوى تكفير الديموقراطية، وشتيمته للحضارة الفرعونية.

الفتاوى منحته شهرة خاصة بعدما فتحت الشهية لمعرفة أرشيفه واكتشاف أنه كان يحرم الخروج على الحاكم ويهاجم تظاهرات 25 يناير التي منحت تياره حرية الخروج من تحت سطوة جهاز «أمن الدولة».

الشحات أصبح هدفاً لقطاعات كثيرة، بعدما أعاد سيرة تكفير نجيب محفوظ، وخسر معركة البرلمان أمام إسلامي معتدل، وحازت هزيمته اهتماماً كبيراً كاد أن ينافس ليلة تنحي مبارك. لم يكن السبب فداحة الهزيمة (الفارق تقريباً 50 ألف صوت)، لكن لأن الشحات، وهو مهندس، استحوذ على كل صفات «التطرف»، وجسّد بدون وعي الرواية المتخيلة عن استخدام الإسلاميين للديموقراطية درجاً يصلون به الى السلطة، ثم يسحبونه نهائياً.

أصبح فجأةً الشحات ممثلاً لنظرة ضيقة الأفق، تلغي ما قبل الإسلام وما بعده، وتحاسب بمنطق الكفر والإيمان. وهذا ما يجعله يرى الديموقراطية كفراً والحضارة المصرية كفراً، لأنه يلغي التاريخ والوقوف عند ما يراه هو ومرجعياته الفكرية الكتالوج الوحيد للحياة المؤمنة.

الشحات أعجبته لعبة الهجوم على الحياة الحديثة، والاتهام المبطن لكل متفرج بالكفر والخروج عن الدين، وهذا ما جعل ظهوره على الشاشة حرباً يعادي فيها كل شخص على حدة. هل كان المصريون كفاراً قبل أن يظهر الشيخ الشحات وجماعته؟ الشيخ يرفع رايات الوهابية، ويريد أن يعلن انتصارها، بعدما حررت الثورة الجميع.

الثورة حرّرت الشيخ وجماعته من أسر ضباط أمن الدولة. حررتهم ليعتدوا على الحريات والخصوصيات. المعركة قديمة بين الثقافة المصرية والهجمة الوهابية، ويريد الشيخ وأتباعه حسمها لمصلحة الثقافة الغارقة في النصوص المغلقة والمهووسة بالشكل. المعركة الثقافية كانت غطاءً لحرب سياسية على وراثة الإمبراطورية العثمانية. أرادت السعودية أن تعتذر مصر عن حداثتها، وتشعر بالذنب لأنها خرجت من الأسر الوهابي، وهذا ما لم تنسه مؤسسات نشر الوهابية، التي تعمل بقوة وبإصرار، رغم المقاومة الكبيرة في المجتمع المصري.

الشيخ أو المهندس الشحات ليس الأول الذي يستهدف الحضارة المصرية ويطلق على المصريين سهام التكفير. الشحات ليس سياسياً، ولا مرشحاً عادياً، إنه مندوب استطلاع لجحافل تخاف من كل ما هو حديث، وتحوّل خوفها الى عداوة وحرب. الشحات مندوب حرب، حولته البرامج التلفزيونية الى مادة تسلية، حيث أدى دور الشخصيات الكرتونية المرعبة في أفلام الأطفال. إنه الشرير الذي يتصور نفسه يحمل رسالة الخير، هذا ما فعلته الميديا فيه. ومنافسه في دور شرير التوك شو، هو الشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل.

هي شخصيات تاريخها ضدها، فهم مجرد دعاة في قنوات عاشت على الفتاوى الغريبة والخرافية لتكسب جمهوراً فقد الأمل في كل شيء، ويبحث عن تذكرة الى الجنة. هذه القنوات حياتها في التطرف، والصدام مع الحياة الحديثة لأنه من السهل تسريب الشعور بالذنب وتكفير كل تفاصيل الحياة بإعادتها الى نمط حياة متخيلة. إن تعذيب المشاهدين بفتاوى تحرم حياتهم هي مازوشية (التلذذ بالألم) يستغلها صاحب الاستعراض التلفزيوني في تحقيق شعبية أو صناعة مريدين وأتباع يسيرون خلفه ويفتحون الطريق أمامه ليصبح رقماً في معادلة التأثير.

الاستعراض التلفزيوني يتحول الى بديل للحياة، والأبطال في التوك شو الى مصدر رعب في الشوارع. الشحات خسر معركة الديموقراطية ليس لأنه أصيب بلعنة الديموقراطية، لكن لأنه لم يضبط نبرة التكفير وزادها، فأحرقته معها. أصبح هدفاً سهلاً يمكن اصطياده او التحالف من أجل النيل منه.

لم يتورع الشحات عن تحويل هزيمته الى هزيمة للإسلام، تحالف فيها الإخوان والنصارى، هكذا بهذه التوصيفات، خرج شرير التوك شو من الانتخابات، ليعود ربما مرة أخرى في ثوب الضحية، يغيّر جلده ويواصل تعذيبه للبشر بتكفير كل ما هو حديث في حياتهم، وكل ما ينتمي الى النهضة، والتحضر، إنه مندوب كراهية الحياة، تحمله رياح بدائية غشيمة تدمر قيم وروح بلد علّم البشرية الحضارة، وقاوم انحطاط سنوات الاستبداد.

الشحات هو بضاعة الاستبداد وإنتاجه المميز، لا يذكّرك المظهر الذي اختاره لنفسه إلا بوجوه كفار قريش في الأفلام الدينية، لأنه في التركيبة السياسية أدى دور الفزاعة لا أكثر. هذا ما جنته علينا الثورة... وهذا هو ما أخرجته الثورة من الجحر... وهذا ما كان مبارك وأجهزته الأمنية ناجحون في ترويضه ووضعه في أقفاص لخدمتهم.

الاستعراض التلفزيوني شريك في اللعبة، إما برغبته في الإثارة، أو بخدمته لأهداف من يريد أن يكون السلفيون فزاعة، وهو هنا لا يقدم نقداً موضوعياً لظاهرة الشحات وغيره من شريري التوك شو، لكنه يقدمهم باعتبارهم صورة لرجل دين لا رجل سياسة. مجال السياسة يستدعي الاختلاف والجدل، أما الدين، فالاختلاف حوله له مجال آخر وبين فقهاء متخصصين، وهذا ما يجعل المتفرج مرتبكاً أمام هؤلاء الذين يكفرون حياته: لماذا تخلطون بين المجالات السياسية والدينية؟

هذا الخلط نتيجته أن لا شيء أهم في مصر الآن من طول فستان المرأة ونوع لحية الرجل. وبعد النجاح المنقطع النظير للشحات وإخوته في أداء دور الشرير لا نقاش في مصر حول وضع أسس نظام ديموقراطي بلا وصاية، بل بنوع المايوه أو بالتدقيق في علاقة كل رجل وامرأة يسيران معاً في الشارع. هذا التشكيك في الإيمان أو في اكتماله، والتدخل الفج في الحياة الشخصية هو استبداد جديد، هدفه هذه المرة إبعاد الناس عن التفكير في الاستبداد الأصيل الذي يريد استمرار جمهورية مبارك بدون مبارك، جمهورية الجنرال المقنع بعد تغيير الجنرال وترك القناع لتتحكم في الدولة أجهزة أمنية تديرها في الخفاء.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 15 / 2165664

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

24 من الزوار الآن

2165664 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 24


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010