الجمعة 9 كانون الأول (ديسمبر) 2011

أميركا بين الربيع العربي وعزلة «إسرائيل»

الجمعة 9 كانون الأول (ديسمبر) 2011 par د. سمير كرم

لا تستطيع اميركا أن تتودد الى التيارات الإسلامية التي اسفر عن اعتلائها السلطة في بلدان الربيع العربي، او اقترابها من الحكم، من دون ان تؤكد لـ «إسرائيل» وتعيد التأكيد على اهمية وأولوية التحالف الاستراتيجي الاميركي- «الإسرائيلي» على كل ما عداه في «الشرق الأوسط» وأبعد من «الشرق الأوسط».

آخر الأمثلة على ذلك، هو ما اطلقه وزير الدفاع الاميركي ليون بانيتا - في مؤتمر عقد في مؤسســة «بروكنغز» البحثية الاميركية في الاسبوع الماضي - من تصريحات اكد فيها ان الانتخابات التي جرت في مصر مؤخراً تعد خطوة إيجابية اخرى على طريق التحول الديموقراطي. ووصف صعود التيار الاسلامي - ممثلا في الاخوان المسلمين وفي الجماعة السلفية ـ بأنه مؤشر الى تمسك مصر بمبادئ الديموقراطية. وقال إن الولايات المتحدة ستواصل الحوار مع اي حكومة مقبلة في مصر من اجل ان تفي بالتزاماتها.

وكي يؤكد وزير الدفاع الاميركي ما يعنيه بضرورة تمسك مصر بالتزاماتها قال «إن مصر تحتاج الى قيادة عظيمة في الأسابيع والأشهر المقبلة اذا ما ارادت الانتقال بنجاح الى حكومة مدنية بالكامل تحترم المبادئ الديموقراطية وتحافظ على التزاماتها الدولية، بما في ذلك معاهدة السلام مع «إسرائيل». وأضاف إن قادة مصر (والأردن) اوضحوا له بكل صراحة التزام البلدين بمعاهدة السلام مع «إسرائيل». وقال بانيتا انه اكد للمسؤولين المصريين ان صيانة معاهـدة السلام المصرية ـ «الإسرائيلية» مسألة بالغة الاهمية للأمن القومي الاميركي (نعم الأميركي على وجه التحديد حسب وزير الدفاع الاميركي). وأضاف إن «إسرائيل» (هو هنا يتعهد باسم «إسرائيل» تحديداً) ستعيش في سلام في حالة تحول دول المنطقة الى تبني قيم الديموقراطية والعدالة الاجتماعية وليس العكس.. ثمة أسباب عديدة تدعو «إسرائيل» الى الاعتماد على الولايات المتحدة في مواصلة التزامها القوي بأمنها. وأكد انه على الرغم من الاضطرابات الراهنة في «الشرق الاوسط» فإن الولايات المتحدة لا تزال تلتزم بحماية «إسرائيل»».

اهم من كل ما سبق ما اكده ليون بانيتا من ان «هذا العام شهد ازدياد عزلة «إسرائيل» عن شركائها الأمنيين التقليديين في المنطقة ...ليست «تل أبيب» مسؤولة وحدها عن وضعها الصعب، اذ توجد حملة دولية تستهدف عزلها». واختتم الوزير الاميركي تصريحاته بما هو اهم وأكثر مباشرة في تحديد الموقف «الإسرائيلي» الراهن. وقال «إن الربيع العربي يمنح «إسرائيل» فرصة لبناء موقع اكثر أمناً لها في المنطقة».

وينبغي قراءة هذه الاقوال للوزير الاميركي في ضوء اعتبارات مهمة في هذا التوقيت الذي قيلت فيه :

- إن قائلها هو وزير الدفاع وليس وزيرة الخارجية الاميركية. ولهذا معناه ودلالته بشأن هذا التأكيد على الالتزام الاميركي بحماية «إسرائيل».

- إن أقوال الوزير بانيتا ينبغي ان تفسر في ضوء صعود الاخوان المسلمين والسلفيين في مصر الى المرتبة الاولى والثانية في الانتخابات المصرية في مرحلتها الاولى، باعتبارها ضغطاً اميركياً على التيار الاسلامي في مصر في موقعه الجديد لإصدار تأكيدات بالتزام هذا التيار بالحفاظ على معاهدة السلام بين مصر و«إسرائيل»، خاصة اذا كان هذا التيار حريصاً، كما ابدى من قبل في الظروف الحالية وفي ظروف سابقة، على استمرار علاقات مودة وتعاون مع الولايات المتحدة.

ـ ومن المؤكد أن هذا الضغط الاميركي يضع التيار الإسلامي في مصر في موقع صعب للغاية بين ما هو مطلوب منه - أميركياً و«إسرائيلياً» ـ وما هو معـروف عنه منذ سنوات طويلة، وهو ما ادى الى تقدمه الملحوظ في نتائج الانتخابات المصرية الاخيرة.

- إن هذه الأقوال من وزير الدفاع الأميركي لا بد ان تعني ان الولايات المتحدة تمارس هذا الضغط نفسه على التيارات الاسلامية التي صعدت الى السلطة او هي في طريقها الى تحقيق ذلك في تونس وليبيا واليمن وسوريا. فالأمر المؤكد هو ان الولايات المتحدة رحبت بنتائج الصراعات في هذه البلدان العربية التي شملتها تطورات «الربيع العربي».

- إن الضغط على مصر - وعلى التيار الاسلامي الصاعد فيها ـ يقصد في الوقت نفسه الى الإفادة من تأثير ونفوذ مصر على البلدان العربية لدفعها للسير في هذا الطريق، تأكيداً لاستعداد هذه البلدان للالتزام بسلام مع «إسرائيل».

- إن ما يلاحظ ايضاً هو ان الولايات المتحدة تعطي لنفسها حق التعبير عن «التزام بمعاهدة السلام مع «إسرائيل»»، ربما إدراكاً من الجانب الاميركي ان المجلس الاعلى للقوات المسلحة لا يريد الإفصاح عن هذا الموقف بنفسه لما في ذلك من تأثير سلبي على مكانته في مصر، في وقت يتولى فيه المسؤولية الاعلى في البلاد. ويبدو هنا ان الولايات المتحدة لا تكتفي بما كان المجلس العسكري المصري قد اعلنه في الأيام التي تلت توليه السلطة من أنه ملتزم بما على مصر من التزامات إقليمية ودولية.

- إن الولايات المتحدة تدرك حدة التناقض الذي تضع فيه الحكومات العربية في بلدان «الربيع العربي»، في الظروف الراهنة، حين تطالبها بانتهاج أساليب الديموقراطية وفي الوقت نفسه إعلان التزامها بالسلام مع «إسرائيل»، الأمر الذي لا يتمتع بأي شعبية في البلدان العربية على وجه العموم، بصرف النظر عن مواقف الحكومات.

- إن الآمال التي يعلقها وزير الدفاع الاميركي على نتائج الربيع العربي - اي صعود التيار الاسلامي في هذه البلدان- تعني ان الولايات المتحدة تهتم بمواقف الحكومات اكثر مما تهتم بمواقف الشعوب، او الرأي العام (اذا استخدمنا التعبير المفضل لدى المسؤولين الاميركيين) في تلك البلدان تجاه «إسرائيل». وهذا جزء متمم لطبيعة التزام اميركا بحماية «إسرائيل»، بصرف النظر عما يمكن ان يرتد على بلدان الربيع العربي في اوضاعها الجديدة.

وخارج نطاق دلالات الأقوال التي ادلى بها الوزير الاميركي، فإن واشنطن تواصل سياسة التظاهر بالاهتمام بمسار الديموقراطية في البلدان العربية على الطريقة نفسها التي تظاهرت بها طوال سنوات حكم نظام حسني مبارك في مصر. وقد أكد موقف الولايات المتحدة من الديموقراطية في مصر زيف هذا الاهتمام من الأساس. حتى عندما حولت واشنطن سياستها تجاه نظام مبارك بزاوية 180 درجة، من التأكيد على اطمئنانها الى رسوخه والى انه يضمن «استقرار الاوضاع في مصر» الى دعوة مبارك الى «التنحي عن الرئاسة الآن وفوراً»، فإن النقطة الثابتة الوحيدة التي بقيت في السياسة الاميركية في مصر وفي المنطقة بقيت نقطة التمسك بالالتزام بحماية «إسرائيل» وأمنها.

إن الولايات المتحدة تبدي، من خلال هذا التحول في موقفها، رفضاً لفكرة مهاجمة منشآت إيران النووية، وهو ما كانت تدعو اليه بحماس وتصميم واضحين الى ما قبل شهور مضت، تخوفاً من تأثيرات مثل هذا الهجوم على ايران الى تأثيرات سلبية او حتى هدامة على نتائج ما يسمى «ثورات الربيع العربي». فإن واشنطن تعلم يقيناً أن هجوماً على ايران بحجة تدمير مؤسسات مشروعها النووي من شأنه ان يطمئن المملكة السعودية وممالك وإمارات الخليج. ولكن من شأنه، في الوقت نفسه، ان يهز أركان النظم التي قامت او تأمل واشنطن ان تقوم في بلدان الربيع العربي.

إن واشنطن لا تملك ثقة كافية في قدرة النظم الجديدة التي اسفرت عنها «ثورات الربيع العربي» على الاستمرار، لأنها لا تثق ـ حسب ما أبداه كثيرون من المعلقين الاميركيين ـ في قدرة التيار الاسلامي في اي من هذه البلدان على ممارسة الحكم. ويتأكد انعدام الثقة الاميركية هذا من مدى خشية الولايات المتحدة من تأثيرات يمكن ان تقع في حال تعرضت ايران لهجوم اميركي و/أو «إسرائيلي». ومعنى هذا ان واشنطن اصبحت اكثر ميلاً الى التسليم بدور إيران الاقليمي بعد احداث الربيع العربي مما كانت قبلها، او - على الأقل - فإن الوقت لا يبدو ملائماً لها.

وتشير الدلائل الى ان واشنطن استطاعت ان تثني «إسرائيل» عن عزمها مهاجمة ايران في الوقت الحاضر، بعد ان كانت «تل ابيب» تظهر حماساً لم تبده من قبل للاندفاع نحو مهاجمة ايران. فهل يعني هذا ان «إسرائيل» اقتنعت بما تخشاه اميركا من تأثير الهجوم ضد منشآت إيران النووية على مسار الربيع العربي؟ الامر المؤكد ان «إسرائيل» يمكنها في الوقت الحاضر خاصة ان تخرج عن طاعة الولايات المتحدة سواء فيما يتعلق بإيران او فيما يتعلق ببلدان الربيع العربي. انما تجد «إسرائيل» نفسها مضطرة الى انتظار معرفة مدى النفوذ الاميركي على بلدان استطاع التيار الاسلامي ان يؤكد اولويته فيها سواء انتخابياً - كما في حالتي تونس ثم مصر- او بواسطة العنف المسلح كما في حالتي ليبيا واليمن وربما سوريا بعد ذلك.

إن التحليلات الغربية ـ خاصة الاميركية للتطورات التي طرأت على بلدان الربيع العربي لا تزال تميل الى اعتبار «الغموض» هو الصفة الرئيسية لنتائج هذه التطورات. ذلك لأنها ترى في توقعاتها المستقبلية احتمالات من نوع صدام ـ ربما يتصاعد الى درجة العنف المسلح ـ بين القوى الاسلامية الصاعدة نحو السلطة والمؤسسة العسكرية التي تمسك حالياً بالسلطة بدعم من الولايات المتحدة، كما في حالات مصر وليبيا وتونس. وهنا لا يبدو ان الولايات المتحدة تملك اي درجة من اليقين بشأن النتائج التي يمكن ان تسفر عنها مثل هذه الصراعات او الصدامات.

الامر المؤكد ان ترحيب الولايات المتحدة بصعود التيار الاسلامي في بلدان الربيع العربي يرتبط اكثر ما يرتبط برغبتها في الاطمئنان على استقرار الوضع في السعودية، لأن واشنطن تحسب ان التيار الاسلامي في بلدان الربيع العربي انما يحيط النظام السعودي بسياج آمن، ويشكل تحالفاً إسلامياً «سنّياً» بوجه ايران الاسلامية «الشيعية».

قد تبدو افكار واشنطن في هذا السياق وفي هذا الوقت ـ كما تعبر عنها اقوال وزير دفـاعها الاخيرة - أقرب الى الأماني منها الى الرؤية الواقعية الموضوعية للتطورات، ولكن هذا لا ينفي حقائق المخطط الاميركي لمستقبل المنطقة ومستقبل «إسرائيل».



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 15 / 2179066

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

28 من الزوار الآن

2179066 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 21


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40