الثلاثاء 6 كانون الأول (ديسمبر) 2011

أمريكا والمائدة الملعونة

الثلاثاء 6 كانون الأول (ديسمبر) 2011 par أمجد عرار

يتسابق السياسيون في البيت الأبيض ومعهم محللون وإعلاميون على التأكيد و«الطمأنة» بأن ما فعلته إدارة الرئيس باراك أوباما من أجل «إسرائيل»، لم تفعله أية حكومة أمريكية سابقة. البعض يرى هذا الاندفاع في الغزل بـ «إسرائيل» والحرص على خدمتها، وإبراز تميّز هذه الإدارة عن سابقتها في حماية «إسرائيل» وتزويد أصبعها بالزناد القاتل، يندرج في إطار سعي أوباما للفوز بالانتخابات الرئاسية لولاية ثانية. أي أن هذا البعض الذي ما زال مخدوعاً بأوباما، أو أنه من المفتونين بالحب الأعمى لأمريكا، يحصر المسألة في الاعتبارات الانتخابية وليس بالعلاقة العضوية بين الولايات المتحدة زعيمة الامبريالية العالمية، و«إسرائيل» الامتداد العضوي والعصا التي تؤمن مصالح الامبريالية الاستعمارية.

حتى لو أخذنا بالبعد الانتخابي لهذه التصريحات المتلاحقة، فإنها تعني أن التودّد لـ «إسرائيل» شرط للفوز بالانتخابات الأمريكية، وأن الوصول إلى البيت الأبيض أو البقاء فيه لولاية ثانية لا يتم إلا بتقديم أوراق الاعتماد لـ «إسرائيل». هذا صحيح لأن الصانع الحقيقي للسياسات الأمريكية هو اللوبي الصهيوني النافذ اقتصادياً، وبالتالي سياسياً، وقد ترسخت هذه السيطرة في السنوات الأخيرة بزيادة نفوذ اليمين المسيحي المتصهين بل الأشد صهيونية من الأحزاب «الإسرائيلية» نفسها، وتحالف هؤلاء «المحافظين الجدد» مع الجناح الأكثر إرهابية وعنصرية في الكيان الصهيوني.

في المسار التاريخي للعلاقات الأمريكية «الإسرائيلية»، لا يجد المراقب صعوبة في ملاحظة التصاعد المتسارع في مستوى الدعم متعدد الأشكال لـ «إسرائيل»، إلى الحد الذي بات يوحي بما يشبه الولاء من الدولة العظمى لربيبتها التي كانت ذات يوم مدلّلة فأصبحت هي التي تنتظر أمريكا دلالها. كما أن هذا المسار لم يوجد أي اختلاف بين السياسات التي تسبق الانتخابات وتلك التي تتبعها الإدارات الأمريكية، سواء تلك التي مكثت ولاية واحدة أم ولايتين. وقد أصبح بحكم المؤكد أن هناك تصاعداً في منحنى الدعم الأمريكي لـ «إسرائيل» بمعزل عن ماهية الجالسين في البيت الأبيض وعدد الصهاينة واليهود في بنيتها.

لنتأمل التصريحات الصحفية الأخيرة التي أدلى بها وزير الدفاع الأمريكي ليون بانيتا في منتدى أمريكي «إسرائيلي» مشترك في واشنطن. فالوزير كرر كلمة «أمن إسرائيل» عشرات المرات بلا كلل أو ملل، وحدد ثلاث ركائز للسياسة الأمريكية كلّها لصالح «إسرائيل»، ذلك أن هذه الركائز هي الالتزام بأمن الكيان، والالتزام باستقرار المنطقة، ومنع إيران من الحصول على أسلحة نووية. لكنّ بانيتا الذي استدرج البعد السياسي للأمن، ذكّر «إسرائيل» بأن عليها استئناف المفاوضات مع السلطة الفلسطينية، وهو بذلك ينطلق من إدراكه لأهمية استمرار الحلقة التفاوضية المفرّغة التي تجنّب «إسرائيل» العزلة وسوء السمعة دولياً.

اللافت أن بانيتا في دعوته لاستئناف المفاوضات سمّاها «المائدة الملعونة»، فماذا يعني بذلك؟ قد يكون يهدف إلى الإيحاء بأن المفاوضات ستفرض على «إسرائيل» تقديم ما تسميها دائماً «تنازلات مؤلمة»، ومع ذلك عليها أن تجلس إلى المائدة، فذلك يجنّب الولايات المتحدة حرج الفشل الذي منيت به رعايتها الحصرية للمفاوضات ولجرائم الاحتلال والقتل والاستيطان والتهويد.

كلام بانيتا وما رافقه من مواقف أمريكية، يشعل الضوء الأحمر للقيادة الفلسطينية التي نأمل ألا تقع في فخ «المائدة الملعونة» وأن تنهمك مع مكونات الطيف السياسي الفلسطيني في ترتيب البيت الداخلي واستعادة وحدته الوطنية، فذلك أفضل وأبقى وأجدى من المفاوضات التي لا تفيد سوى «إسرائيل» وأمريكا. وإذا كان قادة أمريكا يغازلون «إسرائيل»، فهذا شأنهم، لكن نأمل ألا يأتي يوم تلجأ فيه قيادات وأحزاب عربية لتقديم أوراق اعتمادها لـ «إسرائيل» من أجل الوصول للسلطة.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 25 / 2165350

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

19 من الزوار الآن

2165350 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 19


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010